ذكريات على الركام
معن وإيهاب الريماوي
"راجع على عمواس"، كلمات تختصر حلم كل لاجئ ينتظر العودة... كلمات خطها الشهيد حسين أبو غوش قبل استشهاده ببضعة أيام على الجدار المقابل لباب منزله الذي أخلته عائلته قسرًا بقرار من سلطات الاحتلال قبل نحو أسبوعين، وحولته فجر اليوم إلى ركام.
عمواس قرية تقع شرق الرملة، فارغة من أهلها وبيوتها منذ عام 1967، كانت آخر القرى التي وقعت في أيدي العصابات الصهيونية، والتي كانت تقع على ما يعرف بخط الهدنة.
في الثامن عشر من شباط/ فبراير الماضي أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عائلة أبو غوش بمصادرة وهدم المنزل، وقبل أسبوعين أبلغهم المحامي لبيب حبيب أن المحكمة الاسرائيلية رفضت طلب الاستئناف.
بين حجارة البيت.. تبرز أحلام لاجئ لا يعترف بمكان لجوئه حتى وإن مضى على سكنه فيه أكثر من 49 عامًا. "احنا عمواسية" عبارة كتبت على صدر صَلْب نثر في احدى زاويا المنزل الذي بناه والد الشهيد محمد منذ 13 عامًا.
"جدران غرفته التي سويت بالأرض ملونة بالأخضر، الشهيد حسين من اختار لونها، كان يرى فيها حقول قريتنا المهجرة"، قال محمد أبو غوش والد الشهيد.
لا تحتاج إلى جهد لتعرف مدى المعاناة التي تكبدتها العائلة، بدا واضحًا ذلك من عيني والد الشهيد اللتين اغرورقتا بالدموع، ليس حسرة على هدم البيت إنما على ضياع وتشتت شمل العائلة، التي عرفت النزوح منذ عام النكسة.
"مساحة البيت 110 أمتار، عملت لسنوات طويلة حتى تمكنت من بنائه، كنت أراقبه حجرًا حجرا، أسمي هذا البيت وكل بيوت المخيم بالمؤقتة، نحن لم نفقد الأمل بالعودة، لو كنا كذلك لما قدمنا أرواح أبنائنا شهداء".
حسين اختار أن يمتهن الحلاقة، أصدقاؤه شجعوه على ذلك، هؤلاء الأصدقاء صورهم معلقة على طول الدرج الواصل لباب المنزل، منهم الشهداء والأسرى، لا تخلو صورة من صورهم إلا وكتب تحتها أو فوقها عهدا بمواصلة النضال.
"كان هادئًا لم يشتك يومًا من ظروفنا الصعبة، دائمًا يدعوني لأن أحدثه عن قريتنا المهجرة، مولعًا بها، لا أعرف حقًا السر وراء إخلاصه للقرية التي لم يرها قط"، قال الوالد.
"المجد لمن قدم وما زال يقدم زهرة شبابه للأوطان... لن ننساك ما دامت الروح نبض الوطن... فداك الروح فما بالك الدار يا أغلى من الدار والروح... هل ستفتقدني عندما أغيب... لا يا لوز سأغيب حين تغيب" عبارات رددها محمد أبو غوش وهو يشير الى بقايا ركام منزله الذي هدمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الأربعاء... والدته وأخته قبل أيام قليلة أردن تمجيد ذكرى حسين على جدرانه التي ستظل خاوية حتى "يأذن" الاحتلال بإعادة بنائه.
حسين استشهد في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير قرب قرية بيت عور التحتا غرب مدينة رام الله رفقة صديقه الشهيد إبراهيم علان، وأحتجز الاحتلال حينها جثمانيهما لأربعة أيام، ووري حسين الثرى في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، تبعه علان في اليوم التالي.
ــــ