إسرائيل توقف الحياة في غزة بكيس الأسمنت
عبد الهادي عوكل: أدى القرار "الإسرائيلي" الأخير بوقف إدخال الأسمنت ومواد البناء إلى قطاع غزة منذ شهر تقريباً إلى شل حركة البناء بالكامل في القطاع، وانعكس سلباً على مختلف القطاعات المرتبطة بالبناء والأيدي العاملة. وكانت إسرائيل قد منعت إدخال الأسمنت إلى القطاع، للمواطنين والقطاع الخاص، واستثنت من قرار المنع المشاريع القطرية والمؤسسات الدولية، بحجة أن الأسمنت يتسرب لحركة حماس في بناء الأنفاق، وهو ما نفاه مسؤول كبير في وزارة الاقتصاد التي تديرها الحركة. وعقب اكتشاف الجانب الإسرائيلي لنفق للمقاومة ممتد داخل الأراضي المحتلة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منع دخول الأسمنت إلى قطاع غزة إلى إشعار آخر، الأمر الذي دفع المواطنون إلى الاحتجاج لدى مكتب المندوب السامي في قطاع غزة، خاصة المدمرة منازلهم من آثار الحرب الأخيرة، مطالبين بالضغط على الجانب الإسرائيلي لإعادة استئناف دخول الأسمنت. وعقب الحرب، سمحت إسرائيل بدخول الأسمنت للقطاع لإعادة الإعمار بناءًا على اتفاقية ثلاثية بين الأمم المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية عرفت بخطة سيري، يتم بموجبها منح المواطنين المتضررين بالأسمنت بعد كشوفات رسمية يوافق عليها الجانب الإسرائيلي تقدم عبر وزارة الاسكان والشؤون المدنية. وشهد القطاع حركة إعمار كبيرة خلال تلك الفترة الممتدة من 14/10/2014 وحتى نهاية مارس 2016. لتجدد الأزمة من جديد مع منع إسرائيل دخول الأسمنت للقطاع حتى اشعار اخر. ويعد كيس الأسمنت بالنسبة لقطاع غزة الذي تفرض عليه إسرائيل عليه حصاراً مشدداً منذ عشرة أعوام كالهواء الذي يتنفسه الإنسان ليبقى على قيد الحياة، كونه يمثل الأساس لقطاع البناء والانشاءات. وكان قرار منع دخول الأسمنت صادماً للمواطن "عاطف أحمد" الذي يترقب استلام أمواله من المنحة الكويتية للشروع في إعادة بناء منزله المدمر. مشيراً إلى أنه انتظر طويلاً منذ انتهاء الحرب عام 2014 لحين تأكده من وجود اسمه ضمن الكشوفات التي ستستلم الأموال، ليأتي هذا القرار مفاجئاً وسيضطره للانتظار مرة أخرى إلى أجل غير مسمى لحين التوصل إلى حل مع الجانب الإسرائيلي ليسمح مجدداً بدخول الأسمنت. وأوضح لـ "الحياة الجديدة" أن الشقة التي يقطنها وعائلته لا تكفيه، ويحلم بالتخلص منها والعودة لمنزله الخاص. مشيراً إلى أن الاحتلال يتعمد التنغيص على المواطنين، ويحرص على ان يبقى قطاع غزة يعيش أزمات متتالية. وحال المواطن "أحمد" هو حال آلاف المواطنين الذين يحلمون بإعادة بناء منازلهم التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية في صيف 2014. في ذات السياق، ينتظر المواطن عادل ابراهيم دخول الأسمنت لكي يصب سطح منزله المجهز، وقال:" انه تمكن من بناء سطح وأثناء تجهيزه للسقف الثاني مُنع دخول الأسمنت لذلك بقي السقف عالقاً بانتظار تراجع اسرائيل عن قرار المنع. عمال متضررون من جانب آخر، رأى العامل في قطاع البناء عماد عبد الهادي، أن نفاذ الأسمنت من السوق يعني شل حركة البناء وبالتالي توقف العمال عن العمل. وقال:" إذا استمر الوضع على حاله بمنع دخول الأسمنت سيضطر آلاف العاملين في قطاع البناء للجلوس في منازلهم، وبالتالي ستسوء أوضاعهم الاقتصادية. وأضاف، أنه يعمل منذ سبعة أشهر في البناء وأوضاعه الاقتصادية تحسنت قليلاً مع العمل وأصبح قادر على إعالة اسرته بعيداً عن الجمعيات الخيرية والانسانية. وكان وزير الأشغال العامة والإسكان مفيد الحساينة، قد أعلن عقب قرار المنع جهوداً حثيثة تبذل لاستئناف إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن وزارته تقوم بمتابعة ملف الاسمنت في قطاع غزة وفق نظام (GRAMMS) وضمن اللجنة الحكومية المختصة والمكلفة بمتابعة الملف وفق توجيهات دولة رئيس الوزراء د.رامي حمد الله. وقال:" بخصوص إدخال مواد البناء لغزة فإنه يبلغ عدد المواطنين الذين استفادوا من النظام وفق الآلية المعتمدة حوالي 143 ألف مواطن منهم حوالي 127 ألف مواطن من المتضررين جزئيا، و4,300 من أصحاب الوحدات السكنية المهدمة كليا وحوالي 4,800 مواطن لبناء منازل أو وحدات سكنية جديدة (التمويل الذاتي) وكذلك حوالي 7 آلاف لمشاريع التشطيب. في ذات السياق، أكد عدنان أبو حسنة المتحدث الرسمي باسم وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، لـ "الحياة الجديدة"، أن قرار المنع لم يسمع مشاريع الأونروا البالغة 26 مشروعاً، ولكن القرار شمل المواطنين الذين سيعيدون إعمار منازلهم عبر الأونروا. مشيراً إلى وجود مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي يشرف عليها مكتب الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية. واعتبر المحلل الاقتصادي ماهر الطباع القرار الإسرائيلي بإيقاف دخول الأسمنت للقطاع حتى إشعار آخر ضربة قاسية لإعادة الاعمار التي تسير بشكل بطيء جدا". وأشار إلى انه من خلال رصدهم لعملية إدخال الاسمنت منذ 14/10/2014 وحتى نهاية مارس 2016 كل الكميات لا تتجاوز 600 ألف طن أي أنها تشكل 25% من احتاج قطاع غزة الطبيعي للاسمنت. وشدد الطباع لـ "الحياة الجديدة" أن وقف الاسمنت سيشكل ضربة قاسية للمواطنين الذين يحتاجون للاسمنت والمستثمرين في قطاع الإنشاء، وسيكبدهم خسائر فادحة. وأكد إلى أن توقف قطاع الإنشاءات يعني توقف النشاط الاقتصادي الذي سيساهم في زيادة معدلات البطالة ويفاقم الأزمة الاقتصادية. وأشار، إلى أن نسبة البطالة في العام 2015 وصلت 41% بمعدل 200.000 عاطل عن العمل في قطاع البناء، بحسب إحصائية رسمية لمركز الإحصاء الفلسطيني. مؤكداً أن النسبة سترتفع مع القرار "الإسرائيلي". الجدير ذكره، أن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع خلف خسائر فادحة في قطاع البناء حيث أشارت إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال العامة والإسكان، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إلى أن عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن. ويعيش قطاع غزة الذي يقطنه 1.9 مليون نسمة أوضاعاً اقتصادية صعبة نتيجة الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ عشرة أعوام متتالية.