ديما الواوي بدهاش تحكي - حسن سليم
الطفلة الفلسطينية ديما الواوي (12 عاما وشهران)، ابنة مدينة حلحول شمال الخليل، التي تحررت من سجنها بعد اعتقال دام شهرين ونصف الشهر، بتهمة بحيازة سكين ومحاولة طعن، لم تجد ما تقوله للصحفيين المنتظرين خارج سجنها، وتركت استغراب عيونها، وملامح خوفها تحكي لهم حكايتها.
لم تظهر ديما الواوي فرحتها بحريتها، كما هو متوقع، كأنها ما زالت تحت تأثير الصدمة، فاحتفظت بالصمت وتركت عيونها تستجمع الفضاء المفتوح الذي لم تتوقع أن تغادره، ولهذا كانت الصدمة جاثمة على وجهها، منعتها من نطق أي كلمة رغم كل محاولة الصحفيين استنطاقها، غير دعوتها للاسيرات " يا رب تطلعن ".
ديما ليست الحالة الوحيدة من الأطفال الفلسطينيين الذين تم الزج بهم في المعتقلات الإسرائيلية بذرائع وحجج مفبركة، بعدما أجبروهم تحت ضغط التعذيب والترهيب على التوقيع على اعترافات لا تتناسب وأعمارهم، ولا مع قدرتهم الجسدية، وهي واحدة من بين ( 450 طفلاً ) لا زالوا قيد الاعتقال، ومن قبلهم عبر التجربة الآلاف من الاطفال.
ديما الواوي والتي دخلت موسوعة غينيس كأصغر أسيرة في العالم، لم تكن تدرك ما يدور حولها، رغم كل محاولات التفسير والتوضيح لما حدث معها، كما قال محاميها، ولم تكن تردد اثناء اعتقالها سوى عبارة " بدي أروح على الدار". قصة ديما وصدمتها من التجربة، ليست ببعيدة عن قصة الجريح احمد مناصرة ( 14 عاما )، الذي صور جهاز المخابرات الإسرائيلي جلسة تحقيق معه، وكان يصرخ بعبارة " مش متذكر".
الأطفال المحررين وحتى البالغين، كما اسر الشهداء، كما كل الضحايا، لا زالت تجربة الكثير من المؤسسات، ولا سيما الاعلامية، في التعامل مع خصوصية التجربة، متواضعة، ولا ترقى لمستوى المهنية المطلوبة، حيث لا زال الهم الاكبر يتلخص عند التعامل معهم، لا يتعدى التحصل على أي معلومات لتكون جزءا من تقرير عمل، او تقرير صحفي يتم بثه أو نشره، وكثيراً ما يكون سطحيا لا يحمل سوى قشور التجربة، تاركين للضحية بواطنها.
مشهد ديما الواوي وهي ترى شمس الحرية، كان صادما، وقد يكون السبب نسيان من انتظروا خروجها، انها طفلة، قد يكون اكثر ما تحتاج اليه هو الولوج الى حضن والديها، وليس اخضاعها للكاميرا، والتقاط الصور بجانبها، وقد كان أولى بمن اهتم بتغطية خبر خروج ديما الواوي من المعتقل، وأنسب وأصلح لقصة أو تقرير صحفي، الحديث عن مقاعد الدراسة، والكتب، والألعاب التي غابت عنها ديما، قسرا، وتناول مشهد تحررها بشكل انساني، على طبيعته، بدلا من تلقيمها جملا سياسية، لم تقو على نطقها، ولا هي مدركة لمعناها، ولا نحن سنصدق إن قالتها بحكم تجربتها وصغر سنها، ولعل اجمل ما نطقت، وهي الجمله الوحيده: " يا رب تطلعن " في اشارة لمدى قسوة التجربة التي يعيشها الاسرى، والاسيرات على وجه الخصوص.
مشهد الاخضاع للسؤال والصورة، بات عادة تدمن عليها مؤسساتنا ولا سيما الاعلامية، ليكون الوجع مكررا، الاول من المتسبب به وهو الاحتلال، والثاني بفعلنا الذي نتخلى فيه عن المهنية لصالح ذواتنا واشغالنا.