أيد ناعمة على جبهة الشقاء
معن ريماوي
عند الشارع المؤدي لقرية دير بلوط غرب سلفيت شمال الضفة الغربية، تحني الحاجة تمام غالب علي (50 عامًا)، هامتها لتلتقط حبات الخضار المزروعة، في السهل الواقع على الجهة الغربية من القرية.
فقوس، وبامية، وثوم، وبازيلاء، وفول هي الخضار التي تزرعها تمام في قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها الدونمين في السهل المحاذي للطريق. تبيعها على الشارع للمارة، لتعتاش منه مع ابنتها الوحيدة.
لا تفتك الحديث عن ابنتها جليلة (15 عاما) ومدحها، وتتمنى أن تصبح أفضل مهندسة، وتقول إنها مستعدة أن تنام في الأرض والعمل 24 ساعة، من أجل أن تحظى ابنتها بحياة كريمة.
تضطر تمام للعمل المتواصل، متحملة كل الأوجاع حتى تعيل نفسها وابنتها بعد وفاة زوجها في العام 2010. ولا تجد تمام عملًا سوى فلاحة الأرض وزراعتها، وتعتبر نفسها الأب والأم وكل شيء لابنتها، وتسعى لتوفير كل احتياجاتها من المشرب والملبس والمأكل والتعليم.
لم تعتد تمام أبدًا على زراعة الأرض والعمل بها، ولم تفكر يومًا بأن الأرض ستكون الملجأ الوحيد لها لتعتاش منها بعد عودتها من البرازيل، فهي لم تزرع ولم تحصد يومًا، لكن الظروف جعلتها تقوم بذلك كونها المعيلة الوحيدة للبيت، ولابنتها، ما جعلها تعشق الأرض ولا تستطيع مفارقتها.
كيف لأم جليلة ألا تعشق الأرض وقد سميت باسم أخيها محمد شقور الذي استشهد في ثمانينيات القرن الماضي، تعتبر نفسها بأنها تزوره كل يوم، تتمسك بالأرض كتمسكها بإخوتها الثلاثة.
تقول تمام إنها تضطر للعمل لتوفير مصاريف بيتها وابنتها جليلة، فهي تحتاج إلى مصروف مدرسة ودروس خصوصية.
تخرج تمام التي تنحدر من قرية الزاوية، إلى الحقل مع شروق الشمس، وعند الظهيرة تعود الى بيتها لاستقبال ابنتها العائدة من المدرسة، توصلها في طريق عودتها الى الحقل لمعلمة الدروس الخصوصية، ثم ينتهي يومها بإعداد طعام العشاء والنوم.
نقل الخضار يوميًا على رأسها يتعبها جدًا، مسافة الطريق بعيدة حتى تصل الى بيتها، تستغرق أكثر من ربع ساعة. عناء السنوات الست الماضية في العمل المتواصل، بدا واضحًا من تفاصيل وجهها المرهق وقطرات العرق المتساقطة.
تخشى تمام ألا يكفي منتوج الأرض الذي تبيعه كل يوم، لتعليم ابنتها في الجامعة، ففاتورتي الكهرباء والماء وحصص الدروس الخصوصية وديون الدكان ومحال أخرى، تحول دون توفير أي مبلغ. تتمنى أن تتوسع مساحة الأرض لتزرع فيها ما تشاء، ولكن "العين بصيرة واليد قصيرة".
تفكر في العمل من فترة الصباح إلى غروب الشمس، حتى تتمكن من توفير ولو جزء بسيط من المال لـ"يومها الأسود"، ولأقساط جامعة ابنتها في المستقبل، "سأعمل ليل نهار حتى أتمكن من توفير مبلغ من المال لتتمكن جليلة من الدراسة، حتى لا أحتاج لأي شخص، أخوتي عليهم مسؤوليات جمة".
تقول تمام إنها تعرضت لضائقة مالية حين عادت من البرازيل بعد مرض زوجها في العام 2010. كانت الأرض بورًا، فاضطرّت للعمل في رام الله لمدة عامين براتب شهري وصل 1000 شيقل.
تمام لم تمل يومًا من العمل بالأرض، أحبت الزراعة كهواية ولكنها اضطرت لامتهانها. تمام واحدة من 50 امرأة من دير بلوط يعملن في فلاحة الأرض وزراعتها.