العمال والعيد "المرّ "
بسام أبو الرب
إنها الساعة الثالثة من فجر اليوم الأحد، في منزل أحد العمال من بلدة بيت فوريك شرق نابلس، والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب خاصة، حيث يتحضر للذهاب إلى معبر قلقيلية شمال الضفة الغربية، لدخول أراضي عام 1948 والتوجه إلى مكان عمله، عله يجمع قوت عياله.
الأول من أيار "عيد العمال" حسب ساعة العامل التي تلازمه كأنها "قرينه"، فهي المنبه الذي يقرع الجرس إيذانا بيوم عمل جديد، علّه يحمل بين طياته أجمل "المر"، خاصة لدى الوصول الى معبر قلقيلية، الذي يعتبر منفذا رئيسيا لما يقارب عشرة آلاف عامل يأتون من محافظات الشمال المختلفة.
عند الوصول إلى المعبر بعد عناء السفر، تجد أفواجا من العمال يحملون حقائبهم، يتوقفون لدقائق عند الباعة يتناولون فطورهم وقهوتهم على عجل؛ علهم يلحقون بدور بين صفوف الآلاف للدخول عبر حواجز حديدية وقنوات تتسع لواحد منهم، وتبدأ الطوابير والضجة تعم المكان الذي يصفه البعض بـ"الذل"، لما يشهده من أزمة وتدافع قد تودي بحياة بعضهم كما حدث ويحدث كل يوم.
بين ألواح الصفيح يجلس عدد من العمال يتجاذبون أطراف الحديث عن طبيعة عملهم، ولا تفارق شفاه غالبيتهم السجائر. معظم الأحاديث تدور عن فرص العمل وإذا ما كان باستطاعة أحدهم أن يدلّ آخر على فرصة عمل، تقاطعهم حديثهم عدسات كاميرات الصحفيين برهة، فيقول أحدهم: "أتوا لنقل واقع العمال في يوم عيدهم. عن أي عيد يتحدثون"؟ ثم يودع آخر الجالسين ويقول "بدي ألحق دوري قبل ما تطلع الشمس ويسكروا المعبر".
اصطف العشرات على "حصيرة" بالية، بعد إقامة صلاة الفجر التي يؤدونها في وقتها، كما كل يوم، فتقطع خشوعهم أصوات باعة القهوة المنتشرين في المكان.
أحدهم قال: "مستعجلين وين بدكم تروحوا كلنا رح ندخل (...)"، يصمت قليلا فيعود بالحديث عن ذكرياته قبل عام عندما رأى ثلاثة عمال لفظوا أنفاسهم الأخيرة في هذا المكان بعد تدافع العمال، ومنهم من تعرض لتكسير أضلاعه ومنهم من داسته الأقدام.
يهم بالوقوف ويضيف "عن أي واقع نحكي بيوم العمال، عن أي عيد؟ العامل عايش كل يوم بيومه، وإذا راحت عليه نومة بنهار ما بنحسب من قوت عياله"، عدا عن صعوبة العمل ومشقته والإصابات التي يتهرب منها أرباب العمل ويتنصلون من علاج العمال الفلسطينيين في المستشفيات الإسرائيلية.
عند السادسة صباحا، يعود عشرات العمال من ذات الاتجاه، وقد بدا الحزن يخيم عليهم، بعد أن أعادتهم قوات الاحتلال؛ لذرائع أمنية، وألغت التصاريح التي بحوزتهم، ومنهم من حصل عليها لستة شهور، ثم أوقفت بعد أيام "لأسباب أمنية".
أكثر من 120 ألف عامل، وفقا لمعطيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والجهاز المركزي للإحصاء، ومكاتب التشغيل في وزارة العمل، يعملون داخل أراضي العام 1948، نصفهم يعمل بشكل منظم وفقا لمفاهيم الاحتلال، وبتصاريح عمل، والنصف الآخر يعمل بشكل غير منظم ودون تصاريح بحثا عن لقمة العيش المر، إلى جانب 30 ألفا يعملون في المستوطنات المقامة على أراضي المحتلة عام 1967، حسب ما أفاد عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، سكرتير دائرة الاعلام والنشر النقابي في الاتحاد النقابي محمد العطاونة.
وقال إن العمال الفلسطينيين يدخلون الى سوق العمل الإسرائيلي من خلال سبعة معابر، أربعة منها في جنوب الضفة الغربية وهي: ترقوميا وبئر السبع في محافظة الخليل، و"قبة راحيل" و"جيلو" في بيت لحم، وثلاثة شمال الضفة، وهي: قلقيلية أو ما يسمى "ايال"، الجلمة في جنين، ومعبر في طولكرم.
وأشار العطاونة إلى أن واقع العمال يزداد قسوة ومعاناة بفعل سياسة الخنق الاقتصادي والاجتماعي من قبل الاحتلال، وغياب فرص عمل في الأراضي الفلسطينية، مطالبا المستثمرين بالمزيد من مشاريع التشغيل للحد من البطالة، والنظر إلى قطاع غزة المحاصر، لا سيما وأن أكثر من 230 ألف عامل يعتاشون على المساعدات الدولية، ويعانون أسوأ الظروف الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بعد العدوان والحصار وتدمير عدد من المنشآت في القطاع.
وأوضح أن الاحتلال استهدف خلال الهبة الشعبية الأخيرة، عددا من العمال وقتلهم بدم بارد أثناء الدخول الى سوق العمل أو العودة منه، تحت حجج واهية، إضافة إلى وفاة 26 عاملا جراء غياب شروط الصحة والسلامة المهنية في مواقع العمل في السوق الاسرائيلي خلال العام 2015، وثلاثة عمال توفوا منذ بداية العام الجاري.
وأشار العطاونة إلى أن من يتحكم بالمعابر هو جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب وحدات خاصة تتصرف على هواها، وهي من تخلق حالة من الفوضى داخل المعابر، وتدافع العمال بسبب اجراءات الاحتلال وإغلاق عدد من القنوات بوجه العمال، الأمر الذي يوقع إصابات في صفوف العمال.