ياسمين النجار ... من القاع إلى قمة "كلمنجارو"
يزن طه
تمكنت الشابة الفلسطينية، ابنة قرية بورين الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس، ياسمين النجار، من تسلق أعلى قمة جبلية في قارة إفريقيا، وهي قمة جبل كلمنجارو، الواقع في شمال شرق تنزانيا، ويتألف من ثلاثة مخاريط بركانية، وتبلغ أعلى قمة للجبل 5,895 متراً عن سطح البحر.
ستكون هذه المقدمة التعريفية عادية، إذا لم نقل إن ياسمين تسلقت الجبل بساق صناعية، حيث فقدت رجلها اليمنى كاملة في حادث سير وهي في الثالثة من عمرها، رغم ما تعرضت له من ألم ومشاكل صحية إلا أنها أصرت على مواصلة المشوار والوصول لقمة الجبل.
ذات يوم كانت تلعب ياسمين وأبناء عمومتها وإخوتها في ساحة منزل جدها، خلف بوابة حديدية، وإذا بشاحنة ثقيلة يحاول سائقها الهروب من سيارة، تسقط البوابة الحديدية فوق رجل الطفلة الصغيرة، أسبوع وقرر الأطباء بتر الرجل، فهي لم تعد صالحة، وربما تؤثر على الأعضاء الأخرى.
عاشت الطفلة النجار، ومعها أهلها، بعد ذلك حالة صعبة من البحث على طرف صناعي يثبت مكان قدمها، ومع نمو جسمها المستمر كان لا بد من تبديل الطرف الصناعي بشكل يتناسب مع نموها، إلا أن وصلنا العام 2006 حيث منعتها سلطات الاحتلال من دخول مدينة القدس المحتلة بدعوى أنها تشكل خطرا أمنيا على دولة "إسرائيل".
بعد ذلك وبمساعدة من منظمة إغاثة أطفال فلسطين حصلت ياسمين على فرصة جديدة، حيث تمكنت من تركيب طرف صناعية في عدة دول، وفي العام 2013 اقترحت عليها المنظمة المشاركة في فعالية لتسلق جبل كلمنجارو في إفريقيا، وكانت الفلسطينية سوزان الهوبي التي أصبحت في وقت سابق أول فلسطينية تصل قمة "افرست" هي التي اقترحت على ياسمين تسلق ذلك الجبل.
تقول ياسمين إنها تلقت الفكرة بشغف كبير ورغبة في تحقيق شيء تخلد به اسمها واسم بلدها، فتلقفت الفكرة دون أن تنظر إلى مشكلتها أو المعاناة التي قد تسببها مغامرة كهذه.
بدأت ياسمين الاستعداد للمغامرة من خلال جهاز خاص للمشي، ومن خلال السير في جبال قرية بورين لمدة عام كامل، مع متابعة من قبل منظمة إغاثة فلسطين، إلا أن جاء موعد السفر وبدأت المغامرة عام 2014.
استمرت مغامرة ياسمين 8 أيام، ستة أيام استغرقت ياسمين والمتسلقين الآخرين للصعود لقمة الجبل، ويومان للنزول. الأمر لم يتم بهذه البساطة بالتأكيد، حيث عانت ياسمين من نقص الأوكسجين في أعلى الجبل، إلى جانب التقلبات الجوية، هذا إضافة إلى تعرض قدمها للالتهاب والنزف نتيجة التعب والإرهاق، لكنها في النهاية تمكنت من الوصول لقمة الجبل، ورفع علم فلسطين.
تقول ياسمين، إن "جبل كلمنجارو معروف في تنزانيا وإفريقيا بأنه جبل الحرية، ووصولي لقمته كان لأحقق معنى الحرية في داخلي، وأمنيتي بتحقيق الحرية في وطني".
قصة ياسمين أوحت للكاتب الكبير إبراهيم نصر الله كتابة رواية عن هذه الشابة وإنجازها، حتى أنه رافقها خلال الرحلة وتسلق الجبل إلى جانبها، ليخرج بروايته "أرواح كلمنجارو"، التي ترجم عبرها هذه التجربة.
ياسمين تدرس الآن تخصص علم النفس في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، حيث اختارت هذا التخصص، كما قالت، "لأنني أدرك تماما ما يعانيه صاحب الألم، ومهما كان المعالج النفسي قويا في تخصصه إلا أنه لن يلمس الألم تماما كمن عاشه أو عايشه".
تسلمت ياسمين العام الماضي الجائزة الدولية للنساء المنجزات في إيطاليا، كما قابلت أشهر متسلق جبال في العالم وهو رينولد مازنر الذي نصحها بتسلق جبال أميركا اللاتينية.
تقول ياسمين إنها أخذت بنصيحة مازنر، وإنها تعتزم تسلق جبال في أميركا اللاتينية، رغم أنها كانت تفكر في تسلق أعلى قمة في العالم، قمة افرست، لكن الدعم المادي، وحاجتها لتوفير الأدوات المناسبة، وتأمين فريق يساعدها في تحقيق هذا الهدف، ما زالت تقف عائقا أمامها.