عاملات المستوطنات .. استغلال تحت الشمس
أسيل الأخرس
في أدنى بقاع الأرض وأشدها حرارة، في أريحا، تجلس الثلاثينية فاطمة في منزلها خلال فترة أعياد الطوائف اليهودية والمسيحية مستريحة في يوم إجازة لا يعنيها منه الا نوم ساعات أكثر وتفادي حروق الشمس التي نالت من وجهها وزادت من سمرتها.
"ما جبرنا على المر إلا ما هو أمر"، بهذه الجملة وصفت فاطمة رحلة عملها في المستوطنات منذ 14 عاما، ففاطمة يتيمة الأبوين اضطرت شقيقتها الكبرى للعمل في مغسلة مستشفى في منطقة الخان الأحمر القريبة، وبعد أن كبرت فاطمة لم تجد فرصة أمامها إلا العمل في المستوطنات.
تقول، نعمل في المستوطنات القريبة من أريحا بدون الحاجة لتصاريح، مقابل يومية تصل إلى 60 شيقلا وأضطر إلى وضع النقاب خلال ساعات العمل في المستوطنات لتفادي أشعة الشمس الحارقة ومعرفة الناس.
وتتابع، يتم استغلالنا من "المعلم" أي المشغل ولا نعرف ما يأخذه من أموالنا وتعبنا لعدم معرفتنا بالعبرية، لا نتواصل مع المعلم الإسرائيلي ولا يوجد عمال إسرائيليون في أماكن عملنا.
وتضيف، أنا واثنتين من أخواتي نعمل في المستوطنات لإعالة أنفسنا خاصة مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات في مدينة أريحا التي تعتبر منطقة سياحية، مشيرة إلى أن عدم وجود شهادات دراسية يزيد من ضعف فرصنا في إيجاد عمل، خاصة مع ارتفاع البطالة بين الجامعيين.
وأوضحت أن العمل في المستوطنات مرتبط بالمواسم الزراعية من بلح وتمر وبندورة وعنب، ونتجه في غالبية الأوقات إلى توريق الملوخية والتي نجني منها 50 شيقلا مقابل كل 100 كيلوغرام.
وأشارت إلى أن أشقائها الشباب يرفضون أن تعمل في أرضي 48 بسبب بعدها ويفضلون أن تواصل البنات العمل داخل المستوطنات، معتبرة نفسها والعاملات في المستوطنات من ضحايا عدم المساواة بين الجنسين، واصفة أن غالبية الرجال يكتفون بعمل زوجاتهم وشقيقاتهم داخل المستوطنات.
واعتبرت تشغيل مصانع التمور في أريحا في الفترة الأخيرة بالجيدة للعاملات، حيث تصل يومية العامل إلى 80 شيقلا، موضحة أنها لا تزال غير كافية بسبب ظروف العمل التي تصل إلى 4 شهور فقط خلال السنة، والتي تعتبر غير كافية لتغطية احتياجاتهن طيلة العام.
وتقول والدة أمل وهي إحدى العاملات سابقا في المستوطنات، إن ما يدفع بناتها للعمل والابتعاد عن أسرهن ومواجهة الشقاء هو الحاجة للمال وشح فرص العمل القادر على إعالة الأسر.
وبحسب العاملات في المستوطنات في أريحا فإن هناك ما لا يقل عن 50 سمسارا او معلما ومعلمة يتكفلون بإيصال الفتيات والشبان إلى مناطق العمل داخل المستوطنات.
يشار إلى أن العمال داخل المستوطنات لا يمنحون تأمينا صحيا أو تامينا من حوادث العمل أو حتى نهاية خدمة، حيث يستلم "المعلم" النقود ويوزعها على العمال دون إيصالات او سندات قبض، ففي ظل فوضى العمالة داخل المستوطنات وعدم وجود نظام خاص يرعى حقوق العاملين فيها، يقحم أكثر من 350 طفلا في العمل وتعمل أكثر من 750 امرأة، بالإضافة إلى 400 رجلا داخل المستوطنات.
وفي مقابلة مع أحد المشغلات "المعلمات" التي فضلت عدم ذكر اسمها تقول، أعمل كمعلمة في مجال الزراعة والتصنيع منذ 13 عاما، وتعمل لدي 70 فتاة، فيما أحصل على 20 شيقلا من العاملة يوميا نظير إيصالها إلى المستوطنة في أريحا.
وتضيف، أن حالها ليس أفضل من حال العاملات وأن يوميتها كغيرها من العاملات، وأن العاملات يفضلن العمل من خلالها لأنها معروفة و"دغرية"، موضحة أن مجال العمل كسماسرة أو معلم يقتصر على الرجال. وأوضحت أنها تعمل إلى جانب معلم عربي داخل المستوطنات، وأن المعلم العربي يتعمد استغلال الفتيات، مشيرة إلى أن المعلم الإسرائيلي والعربي "بيقطعوا رزق" من يطالب بحقوقه المالية أو يخرج لإيصال صوته للإعلام.
ولفتت إلى أن العاملات مظلومات كنساء عاملات في الأجور مقارنة مع العمال الرجال، مؤكدة على مطالب العاملات برفع اليومية إلى 100 شيقل كحد أدنى.
وعن دور المؤسسات الرسمية في وقف استغلال العاملات في المستوطنات، قال مدير عام التشغيل في وزارة العمل رامي مهداوي، لا نتعامل في الوزارة مع عمال المستوطنات استنادا إلى قرار الحكومة السابقة".
وتابع، أن الوزارة تعمل على تمويل مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر لخلق فرص عمل للعاملات في أراضي48 وفي المستوطنات، كما تعمل الوزارة على تخصيص نسبة معينة للنساء في المؤسسات الأهلية والحكومية.
ولفت إلى أن اتفاقية باريس تنص على أنه يحق للسلطة فرض ضريبة على العاملين في أراضي48 و100% من العاملين داخل المستوطنات، إلا ان السلطة ترفض الضريبة منهم.
وأضاف، أن الوزارة تتعاطى مع العمال الفلسطينيين المسجلين للعمل في أراضي48 وتزودهم بتصاريح العمل وتتابع كل ما يتعلق بمستحقاتهم المالية وبدل الإجازات المرضية وصندوق التعويضات وضريبة الدخل والتامين الصحي.
وأشار إلى الصعوبات التي تواجه العاملات في أراضي48 والذين يصل عددهم إلى 768 من القدس الشرقية و543 من الضفة الغربية غالبيتهن من العاملات في قطاع الزراعة، والتي تتمحور في عدم وجود مسالك خاصة لهن خلال التزاحم، بالإضافة الى عدم حصولهن على الحد الأدنى للأجور المعتمد في إسرائيل وحرمانهن من إجازة الأمومة .
وأشار إلى أن الوزارة تتابع هذا الملف وترفع قضايا ضد المشغلين من خلال المؤسسات الفلسطينية العاملة في مجال حقوق العاملين في أراضي48 وفق قانون العمل الإسرائيلي، منوها إلى أن الوزارة تطرح الملف في منظمة العمل الدولية من خلال لجان تقصي الحقائق وأيضا في منظمة العمل العربية.
وأكد مهداوي جاهزية الوزارة لأي تعاون مع من يعملن في المستوطنات لتدريبهن وتسهيل ترخيص تعاونيات توفر لهن أسباب العيش الكريم.