كان ياما كان
لورين زيداني
معتمرا طربوشه الأحمر المخملي وشالا أسود تهدل على الكتفين فوق "قمباز" تقليدي؛ يدخل الحكواتي طاهر باكير إلى مقهى الشيخ قاسم القائم منذ العام 1910، حيث توقف الزمن لدى جدرانه وطاولاته وكراسيه، التي خلت الا من طاولة تجمع حولها سبعة من رواده الدائمين، يتجاوزهم الى الساحة المكشوفة من المقهى، محاطة بدالية العنب ورائحة اشجار البرتقال وموسيقى عواد يدندن في المكان.
يجري باكير استعداداته الاخيرة قبل بدء فعالية الحكاية، التي يشارك فيها مع اثنين آخرين بولندي وفرنسي، ضمن مهرجان نابلس للثقافة والفنون .
بالحركة ونبرة الصوت واللهجة النابلسية المحببة، يشد طاهر انتباه الحاضرين وهو يحكي لهم قصة " الفقير بضل فقير".
بكل الشغف الذي يحمله للقصة وسردها يقول طاهر: "السرد حياتي، ومتعتي أن أسرد الحكاية أو أكتبها، وأن أرسم بسمة على وجه طفل تعلق بردائي يود سماع قصصي. أي شئ أراه أو أمر عليه يخلث لدي حكاية أنقلها للآخرين".
يعتبر باكير نابلس أساس الحكاية وملهمته في كل مايسرد، بما تحمل من موروث ثقافي وتاريخي، يجمع خيوط الدراما التي تبعث الحياة في الماضي تارة، أو تخلق حكاية جديدة تارة أخرى، "أحداث من الواقع والتاريخ أحولها دراما، ونابلس بأسوارها وزقاقها وشبابيكها وحجارتها ومساجدها وكنائسها تنطق حكايات تحتاج من يتلقاها ويعيد سردها ".
طاهر باكير الذي بدأ مشروعه كحكواتي في العام 1996، وكانت عروضه الأولى في أمسيات شهر رمضان، عند باب الساحة في البلدة القديمة في نابلس؛ يرى "أننا بحاجة لنعيد جزءا من تراثنا، فالحكاية الحاضنة الأولى والوسيلة الأنجح في دغدغة المشاعر تجاه الماضي".
استمر يقدم عروضه في الأعياد والمناسبات والقرى والمناطق المهمشة، إلى أن اتسع نطاق عمله فصار يشارك في فعاليات سرد الحكايات في السويد وسويسرا وفرنسا، وشارك سبع مرات متتاليات في أحد مهرجانات الأردن.
طاهر باكير من مواليد العام1959، تخرّج من الجامعة الأردنية في العام 1987 بعد دراسة الهندسة الزراعية، لكنه يعمل حاليا في دكان صغير في السوق الشرقي للبلدة القديمة في نابلس، على مدخل حارة القيصرية، يبيع الأجبان والألبان البلدية والصابون النابلسي المكون من زيت الزيتون أو الغار، ساعيا للتمسك بجذور الماضي على الدوام.
يقول طاهر: " أنا شخص قديم، تواق لماضيّ وتفاصيله الجميلة، لدي اعتقاد بأنني لم أخلق لزمان انفرط فيه عقد العائلة، التي كان أفرادها يجتمعون متراصين على مائدة واحدة وقلوبهم على بعضهم البعض".
حمل باكير على عاتقه استمرار الحكواتي بشكل يوائم عصره ويأمل ستكماله قريبا.
"لا اريد الاكتفاء بالحكواتي المتجول، لدي مشروع ينجز في غضون عام، كما آمل أن أعد منزلا نابلسيا قديم الطراز، فيه الحكواتي بكرسيه، وفيه الأكل والملابس والأغاني القديمة، أريده وجهة للزائرين في قلب المدينة القديمة ".
" كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، ولايحلو الكلام إلا بذكر النبي العدنان"، تلك اللازمة التي طالما رافقت ولادة الحكاية، اشتركت فيها دمشق الكبرى مع الصغرى (نابلس)، فكانت البداية مطلع العشرينيات من القرن الماضي، واستمرت الحكاية على حالها 40 عاما إلى أن حلت السينما الصامتة أو ما يعرف بـ "صندوق العجب" مكانها مطلع الستينيات.