فيديو ..رهف ويسرى وناصر... الرحلة الأخيرة
زكريا المدهون
لم يعرف الأطفال الأشقاء رهف ويسرى وناصر الهندي، أن رحلتهم على شاطئ البحر أمس، ستكون الأخيرة بعدما أطفأت شمعة صغيرة نور حياتهم.
مساء أمس عادت الأم المكلومة برفقة أطفالها الستة إلى منزلهم في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة بعد قضاء "طشة" على ميناء غزة البحري، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا بعدما التهمت النيران أجساد ثلاثة منهم.
خرجت الأم من منزلها الفقير جدا الذي تقطنه بالإيجار الى بيت جيرانها لإحضار بعض الطعام لأطفالها، لكن صرخات احد اطفالها اجبرتها على الرجوع الى المنزل بعد أن ابلغها ان منزلهم يحترق.
أضاءت الأم شمعتين، واحدة في غرفة اطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين شهرين وثلاث سنوات بعد ذهابهم للنوم، لتنير لهم عتمة البيت في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
الدخول الى منزل العائلة المنكوبة يمر بممر ضيق لا يتجاوز عرضه المتر الواحد، تتبعه بعض الدرجات نزولا لتبدأ رائحة الحريق بالانبعاث من المكان الذي تلفه العتمة التي أضاءتها كاميرات الصحفيين.
غسالة قديمة وكنبة مهترئة في وسط صالون صغير وضيق لا يتجاوز الثلاثة أمتار مربعة، ونور صغير يتسرب من "طاقة" صغيرة في زاوية الصالون الغربية من جهة السقف.
في غرفة مساحتها متران بثلاثة وقعت الفاجعة بعدما سقطت الشمعة على فراش رهف ويسرى وناصر، لتحول أجسادهم الغضة الى قطع متفحمة، بعدما عجز الجيران عن الوصول اليهم لكثافة النيران والدخان.
تقول أم نمر أبو حاجب في الخمسينات من عمرها وهي تجلس على "الكنبة": "الحريق وقع الساعة 11 ليلا بسبب الشمع وليس الغاز كما يقولون".
وتابعت أبو حاجب وهي جارة العائلة المنكوبة في تصريح لـ"وفا"،" الدفاع المدني جاء بعد ساعتين لإخماد الحريق كانوا ميتين كلهم".
أصيبت الأم وثلاثة من أطفالها بحروق مختلفة، وما زالوا يتلقون العلاج في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، بينما رب الأسرة كان خارج المنزل.
وكان من المقرر أن تجري الأم المكلومة عملية جراحية الأسبوع المقبل أشارت أبو حاجب.
وتعاني أسرة محمد الهندي من فقر مدقع، خاصة أنه دون عمل ومتزوج من امرأتين.
بعد فشل محاولات الجيران وشباب الحارة كما تقول أبو حاجب، اضطروا لهدم جدار الغرفة التي تواجد فيها الضحايا من الجهة الجنوبية لكنهم وصلوا متأخرين.
كسا اللون الأسود جدران الغرفة التي امتلأت بالملابس وبقايا الخزانة والعفش المحروق، بينما كان أطفال صغار ينظرون من "الفتحة" الخارجية لمشاهدة آثار الحريق.
وعن ملابسات الحريق تقول أبو حاجب بعصبية: "أخذت الأم أولادها إلى البحر هربا من انقطاع الكهرباء، وفي المساء عادت إلى المنزل وأضاءت شمعتين لأطفالها، وجاءت الى بيتي لإحضار شيء ما، وفجأة حضر ابنها يصرخ ويقول دارنا انحرقت".
وأكملت أبو حاجب: "توجهت أنا وزوجي وأولادي إلى منزل جيراننا المحروق وحاولنا الدخول ولم نتمكن من شدة النار والدخان، كما هبّ أبناء الحي للمساعدة وإطفاء النيران دون جدوى.
ما زاد الأمور صعوبة هو أن الأطفال الثلاثة كانوا في الغرفة الصغيرة تقول أبو حاجب، مشيرة إلى أن الجيران هدموا جدار الغرفة من الزقاق الخلفي لإنقاذ الأطفال لكنهم أخرجوهم متفحمين.
ويعاني سكان قطاع غزة المحاصر منذ عشرة أعوام من أزمة انقطاع الكهرباء، حيث يصل التيار هذه الأيام إلى منازلهم 6 ساعات وينقطع 12 ساعة.
وقبل عام تقريبا وفي ظروف مشابهة لظروف أسرة الهندي وفي مكان ليس بعيدا عنها، توفي طفلان من عائلة الهبيل بعد احتراق منزلهما بسبب الشموع.
وتوفي عشرات المواطنين جلهم من الأطفال في حرائق مشابهة طيلة سنوات الحصار الجائر وفق مراكز حقوق الإنسان.
وعمّ الغضب والسخط مخيم الشاطئ على هذه الفاجعة، محذرين من استمرارها إذا تواصلت أزمة الكهرباء الناتجة عن الحصار الإسرائيلي.
"لا غاز ولا كهرباء ولا شغل يجب مساعدة الناس وتوزيع مولدات إنارة على المحتاجين بدلا من توزيعها على من لا يستحقون"، قالت أبو حاجب بغضب.
وحمّلت أبو حاجب شركة الكهرباء المسؤولية عن تلك الفاجعة، مطالبة بتوفير التيار الكهربائي للمواطنين حفاظا على حياتهم.
بدوره طالب الخمسيني زكي جربوع وهو أحد الجيران، بالعمل الفوري على حل مشكلة الكهرباء التي يعاني منها سكان القطاع منذ أكثر من عشرة أعوام.
ووصف جربوع لـ"وفا"، ما حصل لعائلة الهندي بـ"الفاجعة"، مشيرا إلى أن هذه الأسرة تسكن بالإيجار، وهم فقراء جدا.