ماذا تريدون من العرب ؟ حسن سليم
في القاهرة التي استضافت مؤتمر قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية، الذي نظمته منظمة المرأة العربية، كان وجع اللجوء الفلسطيني الحاضر الاكبر في كلمات المتحدثين وفي اسئلة الاعلاميين، رغم نزيف اللجوء السوري وعلى وجه الخصوص النساء والاطفال منهم.
الفلسطيني الذي عاش النكبة والنكسة، وهام على وجهه، بحثا عن الامان، وكان الوعد له، ان العودة قريبة، فانتظر في مخيمات الدول العربية، وظن ان انتظاره مؤقتا، الى ان اصبحت العودة حلما ليس اكثر، يورثه لابنائه واحفاده، حتى جاء الوقت ويتكرر لجوؤه، ولكن الى موت محتوم.
شهادات ممن عمل مع المنظمات الدولية على الشواطئ، المنتظرة لوصول اللاجئين، ومنها الشواطئ اليونانية، تفيد ان كثيرا من اللاجئين من اصول فلسطينية، هربوا من الموت، ليجدوا الموت بانتظارهم بعد غرق مراكبهم، بل واكثر من ذلك، انهم لم يحصلوا حتى على "اكرام الميت دفنه" وفق الاصول الشرعية، وبعضهم من تمت سرقة اعضاءئه، وحتى اسمه، من قبل عصابات، وبعضهم من تمت تسميته باسماء يهود، وتم دفنه وفقا للشعائر اليهودية، ليضافوا الى قوائم التزوير للضحايا اليهود.
استمرار الحديث عن مأساة اللجوء الفلسطيني، حتى بعد ما يقارب العقود السبعة، دفع احد الاعلاميين لسؤالي، ماذا تنتظرون من العرب؟ ولماذا ما زلتم تحدثونهم عن مأساة لجوئكم؟ ماذا تريدون من العرب؟
سؤال الصحفي بالطبع لم يكن بريئا، وهو الذي كان متجهزا لان يستمع الى قائمة مطالب من العرب، ويسمع ردحا لهم، لكنه تفاجأ عندما لم يجد ما أراد، ووجدني متمنيا بان لا يحدث لاي عربي ما حدث معنا، فليس مفيدا لنا ضعف اي دولة عربية، وليس مفيدا لنا تشريد شعبها، وانضمامه لقائمة اللاجئين والنازحين عن وطنه، ووجدني مشفقا، غير جالد للعرب، ولا سيما ان حالهم شاهد على بؤسهم، "والضرب في الميت حرام"، ونحن نرى تكرار المأساة التي عشناها، وما زلنا نعيشها، مع الشعب السوري الان، وان ما يقلقنا كفلسطينيين، بان يضاف شعب عربي آخر لقائمة اللاجئين والنازحين عن وطنهم، وان يقع في شباك وعود العودة، ليكتشف ان الملجأ هو المستقر.
فالاحصائيات تشير الى لجوء ما يقارب ستة ملايين سوري حتى نهاية العام الماضي، وما يقارب اربعة ملايين نازح ومئات الالاف غير المسجلين، تفيد ان الامر اكبر من مجرد حالة عارضة تستوجب التوقف عندها بحلول سريعة، او الى مؤتمر يستقرئ اوضاعهم، حيث ان مجرد الاطلاع على التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية، أمر مرعب، وما تم توثيقه من قصص تدخل في تصنيف جرائم الحرب.
ان السؤال الواجب الاجابة عليه من قبل الانظمة العربية تجاه قضية اللجوء السوري، ماذا تريدون؟ حل للازمة ام ادارة لها؟
وفي الحالتين، سواء اثناء ادارة الازمة، او في اطار السعي لحلها، لا يجب ان يغيب، ان هؤلاء مواطنون عرب ضحايا، ابتلاهم الله بأزمة شتتت شملهم، واختطفت احبتهم، ونغصت عليهم عيشهم، وحتى تتحقق لهم العودة، من حقهم التمتع بالحقوق الاساسية كالتنقل والتعليم والصحة، في بلد لجأوا اليها، وان لا يكون اللجوء علامة فارقة على جباههم، ليكونوا عرضة للانتهاك والمساس بانسانيتهم.
ان المأساة السورية التي استعرضها مؤتمر قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية، وسلط الضوء فيها من خلال مشاركات وازنة من المفكرين والاكاديميين والسياسيين على الصور الانسانية التي تمر بها اللاجئات السوريات، كان يمكن بسهولة مطلقة قراءتها من خلال معرض الصور المجاور لقاعة المؤتمر، للنساء والاطفال الضحايا، التي كانت كفيلة بافهام من صم اذانه، ولم يؤمن بعد أن اللجوء مأساة اكبر من مجرد مغادرة قسرية للمنزل، بل جريمة مستمرة بحق الانسانية، تستوجب وقف نزيفها، اليوم قبل الغد.
حيث ان الاصوات العالية، للاجئات السوريات في قاعة المؤتمر كانت بمثابة جرس انذار، لاستدعاء المعالجة السريعة تجاه قضية ملايين اللاجئين الفارين من الحرب، التي هي من مسؤولية الانظمة العربية، ومطالبة بعدم الاستمرار بادارة الظهر للازمة، وللتعامل معها بجدية، وتفهم واعي لمردود استمرارها، ورسالة بان عدم السعي الجدي لمساعدتهم على العودة الامنة لوطنهم، ستكون نتيجته احتضان الحركات والمنظمات الاصولية التي ستجد فيهم لقمة صائغة، للتغرير بهم، وتستغلهم، لتعيدهم قنابل تنفجر في المجتمعات العربية.
hasan.media@yahoo.com