رانات النحاس.. من يافا إلى نابلس
- زهران معالي
مع اقتراب الذكرى الثامنة والستين للنكبة، تتعدد حكايات اللاجئين الفلسطينيين، فلكل منهم قصة، وما بين أرض البرتقال ودمشق الصغرى حكاية عودة اللاجئ علي القوقا ليافا ليوم واحد، بعد أسبوعين من النكبة في العام 1948.
نائل القوقا (30 عاما)، حفيد علي، تحدث لـ"وفا"، عن عودة جده لعروس البحر يافا، وتحديدا حي المنشية؛ حيث كان يدير مصنع "القوقا" لإنتاج الحلويات، بعد أسبوعين من تهجيره وعائلته لمدينة نابلس في 15 أيار عام 1948؛ بهدف إحضار ما تبقى من آلات في المصنع.
يقول نائل إن جده لم يستطع أن يعيد إلا أربع رانات نحاسية "طاسات"، تستخدم في تجهيز حلوى الملبّس الملونة، نقلها بإحدى الشاحنات لمدينة نابلس، في حين بقيت بقية معدات المصنع في يافا.
الملبّس بكافة أنواعه "بيض الحمام، والقضامة، والفستق الحلبي"، والراحة والتوفة والحلاوة والشوكولاتة، كلها أصناف كان علي برفقة أبنائه ينتجها في مصنعه الذي شيد مذ حكم العثمانيين البلاد، وفق ما أوضح نائل.
ويضيف أن المبنى بالقرب من جامع حسن بيك في يافا، الذي كان فيه المصنع دمرت العصابات الصهيونية نصفه إبان النكبة، وما تبقى منه تم تحويله إلى متحف.
رانات النحاس الأربع التي أحضرها علي من يافا، أسس فيها مصنعه عام 1950 في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة في مدينة نابلس، وبدأ بإنتاج الحلويات التي اعتادت يداه على إتقانها في يافا قبل أن يحتل الغرباء المكان.
وفي عام 1952 انتقل المصنع لحارة القريون في البلدة القديمة، لمكان كان يستخدمه العثمانيون وبعدهم البريطانيون أيام الانتداب، سجنا، بعد أن اشتراه علي من عائلة النجار، التي كانت اشترته بدورها عبر مزاد علني في العام 1946.
ويشير نائل إلى أن المصنع كان يصدّر الحلوى إلى المدن الفلسطينية وعدة مدن أردنية وسورية، إلا أن الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين من احتلال عام 1967 وسقوط مدينة نابلس في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، والحروب والانتفاضات المتتالية، أدت لاقتصار التسويق على الضفة الغربية وقطاع غزة.
اليوم وبعد ثمانية وستين عاما من النكبة، ما زالت الرانات النحاسية حاضرة في مصنع القوقا، يقلّب نائل فيها قطع حلوى الملبس على نار هادئة، يضيف إليها القطر، ويكسبها ألوانا زاهية.
لم يتخلَّ الأحفاد (نائل وأشقاؤه الأربعة) عن رانات جدّهم عليّ، بل أضافوا إليها رانات جديدة، بعد أن ورثوا المعمل عن والدهم الذي توفي قبل أسبوع.
ويوضح نائل لـ"وفا"، أنه يعمل في المصنع 12 عاملا، في عدة أقسام وهي: قسم صناعة ملبس اللوز والفستق والقضامة، وقسم صناعة ملبس الحوامض، وقسم الحلاوة والراحة والتوفة، وقسم تحميص المكسرات.
ويشير إلى أن منتجات المصنع تشتهر في المناسبات الدينية والاجتماعية والأفراح وموسم الشتاء، ورغم المنافسة التي تواجهها من الأنواع الفاخرة المستوردة، إلا أنها تجد سوقا جيدا حتى الآن وتحافظ على بقائها.
ويواصل مصنع القوقا عمله في مدينة نابلس، التي تشتهر بصناعة الحلويات، برفقة مصانع أخرى يدير بعضها حاليا من كانوا يوما عاملين بمصنع القوقا، وفق نائل.