مريم والحنين لعسقلان
محمد أبو فياض
كثيرة هي ذكريات المسنة مريم أحمد حماد المقيد (85 عاما)، التي تقطن في جباليا شمال قطاع غزة، وعاشت شبابها قبل نكبة 1948 بقرية نعليا في عسقلان.
تعود الحاجة مريم بذهن شارد، إلى الخلف، وتحدٍ إلى ما قبل تهجيرها وعائلتها من قريتهم من قبل العصابات الصهيونية، تاركة خلفها ذكريات طفولتها وصباها ولعبها مع بنات قريتها "يا ريت الزمان يعود لورا وارجع لقريتي واشوف بعيني شجر الجميز واجمع الخبيزة وأطبخها، بعد كل هذه السنين".
حاولت وصف بيوت قريتها، وهي خائفة من أن تخونها ذاكرتها لكبر سنها، فهي رغم كل هذه السنين، لا تزال تذكر بيوت نعليا المبنية من الحجارة والطين، وكأنها البارحة.
وتسرد المسنة مريم، وهي تمد قدميها اللتين يصعب عليها ثنيهما: "في موسم الربيع كانت تنبت الخبيزة فوق سطح المنزل، فتقطفها النسوة ويطبخنها بإضافة بعض الدقيق إليها، وكانت تعتبر من الأكلات الشعبية اللذيذة".
ورغم تجاوزها للعقد الثامن من عمرها، إلا أنها ما زالت تذكر الـ"دواوين"، وهي أماكن يجتمع فيه رجال القرية، وكل عائلة لها ديوان أو اثنان، فكانت ملتقى لأهالي القرية، خاصة في شهر رمضان، حيث يتشارك الاهالي الافطار مع من تسوقه دربه في موعد الإفطار من القرى المجاورة.
ولا تزال تتذكر مزارع وبيارات قريتها، ومسجد عمر الذي كان آنذاك أهم معالم القرية واجملها، قائلة: "مش كل البيارات التي في قريتنا كانت لأهل القرية، كان في بيارات لناس من بلدات ثانية. لا يمكن أن أنسى جامع الأربعين "مسجد عمر"، وفي جهته الشرقية مقام الشيخ شاهين".
لا تتعدى أمنيات واحلام مريم، العودة إلى قريتها ورؤية اشجار الجميز والكينيا وجمع الخبيزة وطبخها لأولادها واحفادها، "أموت وارجع ولو ليوم واحد وأشوف أراضينا ودورنا وقبور أهلنا".
تقع قرية نعليا بجوار مدينة المجدل، وتبعد عنها حوالي ثلاثة كيلومترات، وهي تابعة لغزة، وهُجر أهلها كبقية أهل القرى المجاورة في نكبة عام 1948، وتبلغ مساحة أراضيها 5233 دونما، منها 188 دونما للطرق والوديان، وتضم بقايا حجارة وأساسات من الدبش وشقف الفخار والصهاريج، ومن أشهر عائلاتها الكحلوت وشاهين وسمّور والمقيد وغباين وأبو حسين وأبو وطفة.
احتلت إسرائيل القرية عام 1948، وهُجر أهلها منها، وأصبحت الآن ترابا وأطلالا وهي تقع قرب المنارة التي يستطيع سكان غزة رؤيتها عن ساحل البحر المتوسط إلى الشمال من مدينة غزة.