حلم العودة الى يبنا ما زال يراود اللاجئ العريني
زكريا المدهون
بعد مرور ثمانية وستين عاما على نكبة فلسطين، ما زال حلم العودة الى "يبنا" يراود اللاجئ حسين العريني (80 عاما) وذلك بتكحيل عينيه برؤيتها وتقبيل ترابها قبل وفاته، رافضا كنوز الدنيا مقابل التنازل عنها.
خرج العريني من قريته وهو ابن الحادية عشرة ربيعا، لكنه بعد كل هذه السنوات يتذكر تفاصيل الحياة في "يبنا" بحلوها ومرها.
يقول اللاجئ العريني الذي يقطن منذ العام 1952 مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة: "ما زلت أتذكر بساتين وحقول البرتقال والليمون والزيتون والقمح والجامع والمدرسة التي تعلمت فيها حتى الصف الخامس الابتدائي".
تقع "يبنا" في محافظة الرملة وتبعد 15 كم جنوب غرب مدينة الرملة، ترتفع عن مستوى سطح البحر بمقدار 25 مترا، وتعتبر هذه القرية من أكبر قرى قضاء الرملة، وهي أقرب ما تكون للبلدة منها للقرية، قدّر عدد سكانها عام 1945 بـ6287 نسمة وحوالي 1500 بدوي يعيشون حولها.
يوضح العريني لـ"وفا"، أن قرية يبنا تقع قرب أسدود قضاء الرملة يحدها من الجنوب بشيت ومن الشرق المغار وعاقر وزرنوقه، لافتا الى أنه عايش أحداث النكبة من أولها الى آخرها.
درس العريني في البلاد حتى الصف الخامس، ثم ترك الدراسة ليعمل في جني البرتقال من البيارات ومساعدة والده.
قبل الهجرة بقليل كان اللاجئ العريني يبلغ 11 عاما، وكان يساعد والده بزراعة القمح وحصده وطحنه، كما كان يسقي أشجار البرتقال بعدما يشغل والده ماتور المياه.
يقول: "كنا نزرع أرضنا قمحا وذرة ونأكل منها، كما كنا نذهب الى المجدل وحمامه ونعليا".
تقع "يبنا" على السهل الساحلي الفلسطيني وتبعد نحو 7.5 كلم إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط. وكانت تعتبر عقدة مهمة في شبكة المواصلات التي تربط جنوب فلسطين بأواسط غربها، إذ كانت فيها محطة لسكة الحديد الممتدة بين غزة واللد، كما كان طريق غزة- يافا العام يمر عبر أراضيها.
بعد ذلك انتقل العريني للحديث عن "الهجرة" قائلا: "بعدما احتل اليهود عاقر وزرنوقه والقرى المجاورة بعد ارتكابهم مجازر فيها، لم يبق الا" يبنا"، وإن اليهود يريدون أن يدخلوها بعد أن لجأ اليها سكان البلدات والقرى المجاورة".
وتابع: "خاف الناس وتركوا البلد للمقاومين وتوجهنا للنوم على رمال البحر لكن اليهود استولوا على البلد بعد قصفها بمدافع الهاون والطائرات".
ولا يُعرف الكثير عن "يبنا" في العصور الإسلامية الأولى، لكن ذكرها ورد بعد ذلك في جملة مصادر تاريخية وجغرافية: من ذلك أن اليعقوبي (توفي سنة 897م) وصفها بأنها من أقدم مدن فلسطين، وبأنها مبنية على تل مرتفع. وقال المقدسي (توفي سنة 990م تقريبا) إن فيها مسجدا رائعا، وكتب ياقوت الحموي (توفي سنة 1229م) في (معجم البلدان) أنها بُلَيْدة قرب الرملة، فيها قبر رجل من أصحاب النبي اختُلف بشأن من هو (يقال إنه الصحابي الجليل أبو هريرة).
وواصل العريني سرده لذكريا "النكبة" الأليمة، مشيرا الى أنه توجه برفقة والديه واخوته الصغار الى طريق البحر حاملين بعض الأطعمة والملابس والأغطية حتى وصلنا بلدة "الجورة" ومكثنا هناك اسبوعا، وفي هذه الأثناء دخل الجيش المصري حتى اسدود شمالا، وكنا نتسلل الى "يبنا" لنحضر القمح ونقوم بطحنه وأكله.
وبعد أن مكثت أسرة اللاجئ العريني في اسدود ستة أشهر رحلت الى "حمامه" جنوبا التي وجدوها فارغة من سكانها، وكذلك المجدل وباقي مدن الساحل جنوب فلسطين.
وأكد أنه أثناء سيرهم على ساحل البحر تعرض "المهاجرون" للقصف بالطائرات الاسرائيلية ما أدى الى استشهاد الكثير منهم وأيضا العديد من أفراد الجيش المصري.
وأخيرا يقول العريني: "إنهم وصلوا الى احراش غزة على طريق البحر، ثم ساروا الى مدينة غزة حتى وصلوا حي الشجاعية شرقا ومكثوا فيه عند عائلات تعرفهم واستقبلتهم بحفاوة واسكنوهم في منازلهم".
بعد أن طالت مدة اقامتهم بالشجاعية وكثر عددهم، ذهب "المهاجرون" كما يظهر العريني الى (مخيم الشوا) بالقرب من مجمع أبو خضرا الحالي وسط مدينة غزة وهناك وجدوا عائلات أغلبهم بدارسة نسبة الى بلدة "بيت دراس" وكنا نحصل على مساعدات تموينية من وكالة الغوث الدولية "الأونروا".
يقول العريني: "في 1952 أقامت "الأونروا" مخيم الشاطئ للاجئين وسكنا في البداية في خيام وكانت ظروفنا صعبة للغاية، ثم بنيت لنا غرف سكن كل سبعة أفراد وأكثر في غرف، وكنا نتلقى مساعدات من الوكالة".
بعد نكسة 1967 احتلت اسرائيل قطاع غزة وهدمت الكثير من الشوارع في المخيم، ونزح الكثير من الناس الى خارج فلسطين، أوضح اللاجئ العريني.
واصطحب ذلك اللاجئ قبل سنوات أولاده الى مسقط رأسه مبينا لهم أين كان الجامع والمدرسة والمنتزه، وعرفهم على دارهم وعلى دار الدقران وابو نحلة.