المصالحة تحبل هناك وتلد هنا
داخل مخيم عين الحلوة، يتلاعب هواء خفيف بلافتة قديمة باركت للرئيس الفلسطيني جهوده لصون وحدة الشعب الفلسطيني، تارة يرفعها الى فوق، وتارة تهبط مجدداً دون ان تستقر على توازن معين. يخشى فلسطينيون كثر أن يكون مصير لقاء القاهرة بين عباس ومشعل شبيهاً بتلك اللافتة، خصوصاً ان الطرفين كانا قد تصالحا مسبقاً اكثر من مرة. لا يشكك محمود السعدي في نوايا المتصالحين، واصفاً ما تحقق بـ«انجاز وطني» وهو بحاجة الى تحصين كي يصمد بوجه هواء قد يهب عليه من رياح اسرائيلية. «ثمة متربصون ينتظرون اطاحة هذه التسوية، والتصريحات الاسرائيلية اكبر دليل على ذلك» مطالباً بتشكيل مرجعية فلسطينية موحدة في لبنان تمثل اللاجئين وتنقل مطالبهم امام مسؤولي الدولة اللبنانية. «الشباب تصالحوا.. ما المانع من مرجعية موحدة في لبنان؟»، يسأل السعدي. لا يصوت «المخيمجي» حسن عوض بـ«نعم» او «لا» على لقاء «القائدين» فهو بانتظار «ترجماته على الارض» كما قال، وعندها «سأحكم على النتائج ان كانت هذه المصالحة حقيقية او لا». موقف مؤجل لا يمنع عوض من مباركة الاتفاق قائلا «مبروك، وألله يقدم اللي في الخير، ويحسن التوفيق». لكن لزوجته مريم كلاماً آخر، هي متحمسة جداً «لوحدة فلسطينية تمت بالقاهرة» فتابعتها عبر شاشات التلفزة كما تابعها كثيرون في المخيم، هديتها لمصالحة حماس وفتح زي تراثي فلسطيني خطت عليه عبارة «بالوحدة تدوم فلسطين»، ستحاول تقديمه للرئيس محمود عباس دون أن تحدد طريقة التقديم. آخرون مستريبون من عدم مضي المصالحة حتى الأخير: «ماتنسى انو في دم بين الجانبين، وبدها وقت لتصفى القلوب، والدم صعب ينتسى» قال احدهم معاتباً لعدم شمولها كل الطيف الفلسطيني: «ليش اختصار فلسطين بحماس وفتح؟»، ليخلص الى القول «عمي كلو كذب بكذب، الدول عم تلعب فينا، واحنا ماشيين باللعبة». هو تفاؤل حذر أبداه فلسطينيون في المخيم، باعتقادهم أن «المصالحة من فوق هي غيرها من تحت حيث تكمن الشياطين». بالنسبة لهؤلاء المصالحة يجب ان تبدأ من القاعدة الشعبية للطرفين قبل ان تصل الى رأس الهرم.
امام مركز فتحاوي دارت اكواب شاي مع حلوى على افراد حاميته، اعتقدنا للحظة انها «حلوينة» المصالحة، لكن الشباب كانوا يحتفلون بزفاف رفيقهم محمد «ابن ابو ياسر اللي تزوج بنت رؤوف اللي بحماس»، مصاهرة فتحاوية - حمساوية سبقت مصالحة مصر بكثير، يعلق شاربو الشاي «حب فلسطين» سيحمي الشراكة «وحدتنا هي الاساس واللي كاتبو الله ما في منو مهرب». عين الحلوة مخيم مثقل بهموم حياتية وإنسانية بالغة التعقيد، وحوادث امنية تنغص بين الحين والآخر حياة ساكنيها، بالنسبة إلى ناسه همومهم أصلاً ترتكز على تأمين رغيف خبز استحال عزيزاً، قالت نايفة الميعاري «على المتصالحين ان ينقذوا عين الحلوة من وضع مأساوي، ومن موت سكانه وباقي ابناء المخيمات على ابواب المستشفيات». ومتوقعة انفراجاً أمنياً بعد مصالحة قطبي غزة والضفة تقول «انفراج نسبي وبيرتاح المخيم، بتحبل هناك وبتولد هون». اما ابو محمود فرأى «ازمات المخيم اعقد من ان تحلها مصالحة عابرة»، قالها بينما راح يلعن «ابو هالعيشة» بعدما طاف مجرور منزله عند خط السكة و«خرب البيت»، فسأل «مين بعوض علَي، شو بتعملّي المصالحة؟ رح يبطل المجرور يطوف بعد المصالحة؟». لكن سريعا انتقل ابو محمود لمقاربة المصالحة كقضية فلسطينية هامة قائلاً «أنا بهمني مصلحة فلسطين وتحرير القدس، والوحدة الفلسطينية مهمة لصراعنا مع العدو».
في زقاق ضيق داخل المخيم جرت معركة بين اطفال مدججين باسلحة بلاستيكية انقسموا إلى مجموعتين، للسيطرة على الزقاق. انتهت اللعبة بلا غالب ولا مغلوب وبميثاق صلح. اما ابو عمار، الحاضر أبداً، فقد اطل بصوته من مسجلة سيارة التاكسي «اقول لبيغن وشارون: سيتحطم جبروتكم على صخرة التلاحم والصمود الفلسطيني.
خالد الغربي - جريدة الأخبار