"حي المجادلة".. عادات وتقاليد متوارثة
زكريا المدهون
في حي المجادلة على الأطراف الشرقية لمخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، جلس المسن سمير مهدي (73 عاماً) على كرسي خشبي ينظر الى أطفال يلعبون كرة القدم أمام ساحة مجاورة لأحد المساجد.
سُمي الحي بهذا الاسم نسبة إلى عائلات لاجئة تقطنه منذ سنوات طويلة غالبيتها من بلدة المجدل جنوب فلسطين التاريخية.
اللاجئ مهدي يسكن في "حي المجادلة" منذ نشأة مخيم الشاطئ في العام 1952، متمسكا بعادات وتقاليد المجادلة التي ورثها عن آبائه وأجداده.
"كلنا في الحي أسرة واحدة نشاطر بعضنا البعض في المناسبات السعيدة والحزينة"، قال مهدي وهو يجلس أمام بقالته الصغيرة.
"عاداتنا وتقاليدنا المجدلاوية من ملبس وطعام وأفراح، ما زلنا نعمل بها"، أضاف مهدي الذي كان عمره وقت النكبة خمسة أعوام.
بلكنته المجدلاوية تابع لـ"وفا"، "كان أبي وأعمامي يحدثونني عن المجدل وعادات وتقاليد أهلها وأنا بدوري نقلتها لأبنائي وأحفادي"، مشيرا الى عائلات مجدلاوية تركت الحي بعد أن كثر عدد أفرادها بحثا عن مساكن أوسع وأكبر.
ويسمى مسجد الحي باسم "مسجد المجادلة"، كما أن العديد من أسماء المحال تحمل اسم "المجدل" أو اسم عائلات تنحدر منها.
تقع المجدل على شاطئ البحر الأبيض المتوسط على بعد 21 كيلومترا شمال مدينة غزة، وكانت على مدى تاريخها الطويل ذات شأن اقتصادي بسبب مينائها البحري وموقعها الاستراتيجي القريب من الحدود المصرية، ومواجهتها للقادمين من البحر تجارا وغزاة.
و"المجدل" كلمة آرامية تعني البرج والقلعة والمكان المرتفع المشرف للحراسة.
رئيس مجلس حي المجادلة الشاب محمود أبو زنادة، تحدث لـ"وفا" عن حي المجادلة الذي تقطنه عائلات هاجرت منذ النكبة قبل 68 عاما، جلّها من بلدة المجدل، لافتا الى أن من بين هذه العائلات: عبيد، وأبو زنادة، وأبو شرخ، وأبو دان، والخطيب، والزنط، والحلبي، والمدهون، وزقوت وغيرها الكثير.
يقول أبو زنادة: مع مرور الزمن، جاءت عائلات غير مجدلاوية الى الحي بعدما باعت بعض العائلات بيوتها بحثا عن مساكن أوسع، مشيرا الى المحبة والمودة بين سكان الحي.
يعدّ مخيم الشاطئ من أكثر مخيمات قطاع غزة الثمانية فقرا وبؤسا، حيث يقطن 90 ألفا على مساحة كليومتر واحد، في ظروف إنسانية صعبة للغاية.
وعن الخدمات التي يقدمها مجلس حي المجادلة، ذكر أبو زنادة أن المجلس يقدم خدمات لجميع الأهالي دون تفريق بين المجادلة وغيرهم، ومن أهمها: القيام بنشاطات اجتماعية كزيارة عائلات الشهداء والأسرى والجرحى والمرضى والناجحين، والمشاركة في الأفراح والأحزان وتقديم مساعدات للعائلات المستورة.
وأضاف: كما نقوم بنشاطات ثقافية ورياضية وترفيهية لجميع الأعمار من كلا الجنسين، إضافة إلى تنفيذ أعمال تطوعية مثل تنظيف الحي عشية الأعياد.
وهربا من حرارة الأجواء وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، كان الكثير من أبناء الحي صغارا وكبارا يجلسون على أبواب منازلهم ومحالهم التجارية. وأكثر ما يميز مخيم الشاطئ كباقي مخيمات اللاجئين، هو الكثافة السكانية المرتفعة وبيوته الصغيرة والمتلاصقة والأزقة الضيقة التي لا يتسع بعضها لإخراج نعش ميت.
وللتغلب على أزمة السكن، لجأ كثير من العائلات المقتدرة في المخيم إلى هدم منازلهم القديمة وبناء بيوت من عدة طوابق بدلا منها.
وانتقل رئيس مجلس حي المجادلة للحديث عن الحياة اليومية في الحي، مؤكدا أنهم يعيشون كأسرة واحدة لا فرق بين ابن المجدل وغيره، وقال "جميعنا نقف بجانب بعض في جميع المناسبات، ونساعد من يحتاج الى مساعدة ونتبادل الزيارات في جميع المناسبات".
وتطرق أبو زنادة الى العادات والتقاليد التي ما زال أهالي "حي المجادلة" متمسكون بها حتى يومنا هذا، مؤكدا أن "الكبار يموتون والصغار لا ينسون".
وقال إننا اليوم متشبثون بأرض الآباء الأجداد أكثر من أي وقت، وما زلنا متمسكين بتراثنا الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وأضاف: عادات أهل المجدل نعمل بها الى يومنا هذا في الأفراح والأحزان مثل: قيام النساء بلبس الثوب المجدلاوي في الأفراح، وكذلك الرجال من كبار السن يلبسون هم الاخرون الزي التقليدي للبلد، كما تطلق الأغاني والأهازيج التراثية.
كان المجادلة في الماضي يصاهرون فقط أبناء بلدهم، لكن الآن تغير الوضع حسب أبو زنادة فأصبحوا يصاهرون غير المجادلة.
وكدليل على المحبة والتكافل بين أبناء الحي، يقوم بعض السكان بإعداد أكلات خاصة بأهل المجدل وتوزيعها على الجيران.
يقول أبو زنادة إن أهالي الحي، وخاصة كبار السن، يحرصون على التحدث باللهجة المجدلاوية التي تشبه لهجة بعض قرى الضفة الغربية.