دراسة: شذرات من قصة نكبة الكتب والوثائق والمخطوطات الفلسطينية في القدس عام 1948
مشهور الحبّازي سرور / عميد كلية الآداب - جامعة القدس
تقديـم
أدت الحرب التي شنّتها العصابات الصهيونيّة بمساعدة دوليّة غربية على الشعب الفلسطيني، إِلى قيام ما سمّي دولة إسرائيل، على أَنقاض الشعب الفلسطيني، الذي هُجِّر من أرضه ومدنه وقُراه من غير وجه حقّ، فبات سجيناً، فيما بقي له من مدن وقرى على أرضه، ومُشَرَّداً في مختلف بقاع الأرض.
روى الفلسطينيون مأساتهم منذ اللحظة الأولى في كلّ مكان وصلوا إِليه، وعبر كلّ وسيلة استطاعوا استخدامها؛ رواها العامة في حكايات قصّوها، وحكوها لأطفالهم، وفي أغانٍ وأناشيد ومواويل صبغوها بصبغة حزن هديل الحمام، وفي أشعار شعرائهم، وقصص قَصّاصيهم، وروايات روائييهم، وفي أبحاث علمائهم، وروايات تاريخيّة كتبها مؤرّخوهم، وفي رسوم ولوحات تشكيليّة رسمها مبدعوهم من الفنّانين، وفي مسرحيات وأفلام كتبها وأخرجها ومثّلها مبدعون فلسطينيون في هذا المجال.
قليلون في هذا العالم أصغوا للرواية الفلسطينيّة، التي تحكي نكبة تفوق (هولوكوست) يهود أوروبا في كلّ مجالات الحياة، فما كانَ من الجيل المنكوب الأول إِلاّ أن بحث عن صوت آخر يُسْمِع به ذلك العالم الظالم أَنينه، ويُريه مأساته ونكبته، إنّه صوت المقاومة بالموجود، ولكنّ العالم أصمّ، وما يزال يصمّ آذانه عن سماع الحقّ الفلسطيني، ويُغمض عيونه عن رؤية واقعه الذي لا يَسرُّ صديقاً.
تحدّث عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين العاديين، ومئات بل آلاف الأطباء، والكتّاب، والشعراء، والأدباء، والمعلمين، وأساتذة الجامعات، والعلماء، والصيادلة، والأئمة، والرّهبان وغيرهم، تحدّثوا جميعهم عن عزيز فقدوه افتقادهم لأبنائهم، ولمنازلهم، ولأرضهم، ولكلّ ممتلكاتهم، تحدّثوا عن كتبهم، ووثائقهم، ومكتباتهم الّتي اقتنوها بثمن لقمة خبز أبنائهم، فلمّا أجبرهم رصاص عصابات الصهاينة، وقذائف مدافعهم على الرحيل، لم يستطيعوا حملها إِلى حيث رحلوا، فأبقوها في أماكنها على أمل العودة القريبة، أو أودعوها أماكن عبادة لعلّها تكون رُقية تحميها، فلمّا أفاقوا من صدمة التشريد، ولم يجدوا كتبهم ومكتباتهم رثوها رثاء فلذات الأكباد.
عرف الصهاينة الحقيقة الّتي تحدّث فيها، وعنها هؤلاء الفلسطينيون طوال ستة عقود ونيّف، فكذّبوهم، وأقنعوا العالم الغربي برأيهم، واستمرّت القضيّة طيّ التكذيب إِلى ما قبل عدة سنوات حين بدأ الإسرائيلي "غيش عميت" البحث ليكتب أطروحته لنيل درجة الدكتوراه حول سرقة الكتب الفلسطينية في عام النكبة. فجاء إسرائيلي آخر من أمستردام، وأخرج فيلماً حول الموضوع؛ عرض الفيلم مرّات، وكتب عنه الصحافيون، وتحدّث في موضوعه السياسيون، وطالب الفلسطينيون بحقوق ضائعة في ملكية كتبهم، ووثائقهم، ومكتباتهم كما حقوقهم كلّها، منذ وعد بلفور المشؤوم.
في هذه الورقة العلمية تناولت سرقة الكتب والمخطوطات في الأحياء العربيّة الواقعة في غربي القدس، عندما سقطت بيد العصابات الصهيونيّة عام 1948، معتمدًا على المصادر العربيّة المطبوعة، ومصدر شفوي واحد فقط. ولم أعد لمصادر إسرائيليّة، ولا مصادر صحفيّة فلسطينيّة أو غيرها، وذلك لأنني وجدت الأمر خطيراً، وبحاجة إِلى تدقيق، وتوثيق قد يمتد سنوات عديدة.
وعليه رأيت أن تكون هذه الورقة العلميّة ليست إِلاّ ملامح من عملية السلب الثقافي، الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وعاونها في ذلك كثيرون من الغرب من دون وجه حقّ، وهي ما تزال تمارسه حتى وقتنا هذا، من دون أن تلقى هذه الممارسة اليوم أي مقاومة تذكر، وعلى أي مستوى شعبيّ أو رسمي.
من قام بعملية السّلب الثقافي الفلسطيني، أربعة أطراف عملت تحت هدف واحد، وهي جنود العصابات الصهيونيّة، وجيش إسرائيل، وأمناء وعاملو المكتبة الوطنيّة الجامعيّة (مكتبة الجامعة العبرية)، وعامة اليهود. كما أسهم في عملية السلب بسبب العدوان الصهيوني، الحرائق التي التهمت الآلاف وربما عشرات آلاف الكتب، ووقوع كتب وربما أجزاء كبيرة من مكتبات فريسة للعوامل الطبيعيّة من عثّ وأرضة ورطوبة وغيرها، وبيعت آلاف الكتب، والوثائق بأثمان بخسة من جهلة إِلى من هم أكثر جهلاً؛ فاستخدموها وقودًا في أفرانهم، أو لوضع بعض المشتريات فيها.
عملية السّلب الثقافيّ التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني في القدس عام 1948م، تمّت في معظمها بقرارات حكوميّة إسرائيليّة، صدرت للجهات المختصّة، للتصرّف بالمسروقات، التي هي كنز ثقافيّ فلسطيني، لم تكن إسرائيل تحلم به أبداً، فقد وجدت في ذلك الكنز أساساً أقامت عليه بنيان مكتبتها الوطنيّة رسمياً، كما فعل ذلك مَنْ سَمّوا أنفسهم علماء وأدباء ومحقّقين لكتب التراث، ومبدعين في مجالات العلوم المختلفة.
كانت المسروقات والمنهوبات الثقافيّة الفلسطينيّة كثيرة، فقد شملت مكتبات كاملة لعائلات، وأدباء فلسطينيين، وهيئات فلسطينية عامة، ومدارس، وكليّات، ومساجد، وكنائس، وغيرها، فضلاً عن مقتنيات من الكتب المتنوّعة، التي كانت تملكها كلّ أسرة فلسطينيّة في منزلها، الذي أُجبرت على هجرانه قسراً.
سجّلت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة آلافًا كثيرة،رمما نهبته تحت عبارة "ممتلكات متروكة" أو "القيّم على أملاك الغائبين"، فيما قام بعض أمناء المكتبة والعاملين فيها ببيع ما استطاعوا من كتب في مزادات، وأتلفوا قسماً ثانياً، ودفنوا قسماً ثالثاً في أرشيف مكتباتهم الخاصة، ولم يسجلوه بهذا الاسم أو ذاك. وبعد خمسين عاماً مضت على السرقة، تمّ إزالة هذه العبارة عن أكثر الكتب، وصنّفت من جديد، وأدرجت في المكتبة، فقطعت العلاقة بين هذه الكتب والمكان الذي سرقت منه نهائياً، كما أن هذه المكتبة ما زالت تتلقى رسمياً كتباً ووثائق فلسطينية يسرقها جنود الاحتلال، والمستوطنون من الفلسطينيين في أثناء الاعتداءات أو ما يسمونه أعمال التفتيش، أو عمليات الاعتقال المستمرة منذ عام 1948 وحتى الآن.
الكتب التي سرقتها إسرائيل من فلسطينيي الأحياء العربية في القدس الغربيّة، توزّعت على فروع المعرفة المختلفة، وأهمها الآداب والتاريخ والعلوم الشرعيّة، والمصاحف وكتب الحديث النبويّ، والفلسفة والقانون، والطب والفلك والهندسة والصيدلة وغيرها، فضلاً عن الوثائق الرسمية والخاصة، والخرائط، والقطع الأثرية المتنوّعة. ويضاف إِلى ذلك دراسات وأبحاث لعلماء فلسطينيين كانت قيد الإعداد، وكتب تراث كانت قيد التحقيق، فربما قام هؤلاء اللصوص بإخراجها بأسمائهم، فنالوا عليها درجات علميّة، وألقاباً أكاديميّة، ومناصب، ووظائف رسميّة.
وقد تناولت هذه الورقة العلمية، الحديث عن عملية السلب الثقافيّ التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني، وبخاصة سرقة الكتب والوثائق والمكتبات الفلسطينية في أحياء مدينة القدس الشريف الغربية، التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، وهجّرت أصحابها منها قسراً، على النحو الآتي:
أولاً- مكتبـات العلماء والعامـة
تعرّضت مكتبات مئات بل أكثر من علماء، وأدباء فلسطين المقدسيين، التي بنوها بشق الأنفس، وعلى مدى سنوات العمر، للسرقة والنّهب، وكذلك مكتبات آلاف بل عشرات الآلاف من مكتبات عامة الناس في القدس، للسرقة والنهب، وأهم مكتبات الأفراد من العلماء والأدباء التي سُرقت هي:
1- مكتبة أحمد سامح الخالدي وزوجه عنبرة
كانَ أحمد سامح الخالدي مديراً للكليّة العربيّة، أكثر من عشرين سنة، وعمل في المعارف، مدّة طويلة، وقد حرص على تثقيف نفسه في مجال التربيّة وعلم النّفس؛ فحصل على درجة الماجستير في التربية، وألّف وترجم عدّة مؤلفات في التربيّة وعلم النّفس، كما أنجز مؤلفات عديدة في تاريخ فلسطين، والعرب والمسلمين، وكانَ يحبّ القراءة، واقتناء الكتب، ولا شك في أنه تمكّن من تكوين مكتبة غنيّة في مختلف فروع المعرفة، وبخاصة في التربيّة والتاريخ والآداب، فضلاً عمّا يكون ورثه من مكتبات أفراد عائلة الخالدي المعروفة بتوارث العلم واقتناء الكتب، والتأليف في فروع العلم المختلفة.( )
في عام 1948م احتلت العصابات الصهيونيّة الأحياء الغربية الجديدة من بيت المقدس، ومنها حي الطالبية في جبل المكبر الذي كانت تقوم عليه الكليّة العربيّة، التي كانَ يقيم في منزل مجاور لها مديرها أحمد سامح الخالدي. وقد ذكر ابنه وليد أنه نقل مكتبته من القدس إِلى بيروت، وبقيت في بيروت إِلى وفاته، حيث تقاسمها أولاده فيما بينهم من بعده.( )
هنا نلاحظ أن وليدَ الخالدي، لم يشر إِلى كيفيّة نقل والده مقتنيات مكتبته من القدس إِلى بيروت، وهل نقلها كلّها، أم معظمها، أَم أهمّها؟ وهل ترك شيئًا منها في منزله، وبخاصة المجلات، والجرائد، والمخطوطات، وكتب ممّا كانَ ينشغل بتأليفه، وهل ظروف الحرب يمكن أن تسمح لإنسان الاهتمام بنقل مكتبة مثل مكتبة أحمد سامح الخالدي؟! وبخاصة أنه هاجر إِلى بيروت، ولم ينتقل إِلى الأحياء الشرقيّة الّتي بقيت بيد الحكم العربيّ الأردني، وبالتالي يكون تمكّنه من نقل مكتبته، كما تمكّن أبو أحمد هرماس من مدينة حلحول قرب الخليل، الموظف في مكتب المعارف البريطاني من نقل كثير من كتب مكتبة الكليّة العربيّة، بعد أن هدأت الحرب إِلى مكتبة المدرسة الرشيديّة.( )
كما علينا ملاحظة قول وليد الخالدي نفسه، وفي الصفحة ذاتها عن مكتبات عدد من أسرة الخالدي، وآلاف المواطنين العرب في أحياء القدس الغربية حيث قال: "إن إسرائيل احتلت الأحياء الغربية في نيسان وأيار 1948م ما أدى إِلى ضياع معظم كتب الأسرة المقيمة في القدس، وهو ما حصل لآلاف العرب المقدسيين، حيث ضاعت هي الأخرى في القدس".( )
ويعزز ما أذهب إليه قول خيرية قاسميّة في ترجمتها لعنبرة سلام الخالدي "وأتت الهجرة من القدس (1948م) لتقضي على البقيّة ممّا كانت تحتفظ به من أوراق شخصيّة مدّة عشرين عاماً، قضتها في فلسطين".( ) حيث كانت تزوّجت من أحمد سامح الخالدي في بيروت، ثمّ انتقلت للسكن معه في القدس عام 1929م، واستمرت إِلى النكبة.
بناءً على ما سبق، فإنّني أكاد أقطع بأن جزءاً من مقتنيات مكتبة أحمد سامح الخالدي، نُهبت كما نُهبت ممتلكات فلسطينيّة كثيرة، وبخاصة أن فِرَقاً إسرائيليّة خاصة، كانت شكلت لنهب الكتب من منازل، ومدارس، ومساجد، وكنائس، ومؤسسات العرب الفلسطينيين عند احتلالها.
2- مكتبة إسحق موسى الحسينيّ
كانَ إسحق موسى الحسيني أديباً، وروائياً، ومحقّقاً، ومربّياً، وقبل النكبة كانَ أسس في بيته بالقدس مكتبة غنيّة بأمهات الكتب الأدبيّة، والتاريخيّة، واللغويّة، والإسلاميّة، فضلاً عن مؤلفاته العديدة. وبلغ عدد مقتنياتها ما يزيد على الأربعة آلاف مجلد، من بينها كتب عُرضت في معرض الكتاب العربي الفلسطيني الأول، الذي أقامته في المدة ما بين (11-20) تشرين الأول سنة 1946م، لجنة الثقافة العربيّة في فلسطين، في نادي الاتحاد الأرثوذكسي العربي بالقدس، وكانَ إسحق موسى الحسيني سكرتير اللجنة. وقد أعدّت اللجنة فهرساً للكتب المعروضة، بلغ عددها أكثر من (800) كتاب بالعربيّة فضلاً عن كتب كثيرة بلغات أخرى.
وفي تقديمه للفهرس، عبّر إسحق موسى الحسيني عن أمل اللجنة، بإنشاء دار كتب عربيّة مركزيّة بالقدس تقوم بجمع شتات التراث العربي الإسلامي في فلسطين. وقد احترقت هذه المكتبة في العدوان الصهيوني على الأحياء الفلسطينيّة في القدس سنة 1948م.( )
3- مكتبة إسعاف النّشاشيبي
ولد إسعاف في بيت المقدس لأسرة ثريّة ثراءً امتدّ قرونًا، وتعَود بداية ثراء الأسرة إِلى القرن الثامن الهجري، ونشأ وتعلّم في بيت المقدس، ثمّ أكمل المرحلة الإبتدائية في دار الحكمة ببيروت. وبالرغم من عدم تكميل تحصيله العلمي إِلاّ أنّ تتلمذه على الشيخ عبدالله البستاني في دار الكلمة طبعه بطابعه اللغوي، فأصبح من أشدّ علماء العصر رعاية للعربيّة، وعُرف بأديب العربيّة، ومعجم لسان العرب المتحرّك، وتكنّى بأبي الفضل لولعه ببديع الزمان الهمذاني (ت398هـ) مبدع فن المقامة.
أثرى إسعاف المكتبة العربيّة بأكثر من أحد عشر كتاباً في اللّغة والفكر والتاريخ، والفكر الإسلامي، ومئات المقالات اللغوية والثقافيّة.( )
كانَ من نتائج العدوان الصهيونيّ على الأحياء العربيّة في القدس، ومنها حي وادي الجوز، حيث كانَ يقع منزل الأديب والمربي إسعاف النّشاشيبي، حدوث فوضى عارمة، تمكّن خلالها بعض الجهلة، ممّن لا خَلاق لهم، من نهب ما استطاعت أيديهم الوصول إليه، وبيعه بأبخس الأثمان لأي مشترٍ. وفي هذا الشأن تمكّن بعض هؤلاء من نهب وسلب جزء من مقتنيات مكتبة الأديب إسعاف النشاشيبي، وبيعها، قال يعقوب العودات في ذلك عن مصير مكتبة النشاشيبي وما شاهده بأم عينه: "مكتبة لا تشبهها مكتبة... أطبق عليها مَنْ لا خلاق لهم في نكبة (1948م)، عندما اجتاح بعض المرتزقة أحياء القدس العربيّة زعمًا منهم أَنّها أحياء يهوديّة، فنهبوا مكتبة إسعاف، وحملوها إِلى مدينة الزرقاء بالأردن، وباعوها على مشهد منّي (أي يعقوب العودات صاحب كتاب: من أعلام الفكر) بالرّطل لأصحاب الأفران، فذهبت طعمة للنيران".( )
4- مكتبة توفيق كنعان
كانَ توفيق كنعان طبيباً فلسطينياً بارعاً، أسهم في تخفيف الويلات، التي كانت تنهال انهيالاً على الشعب الفلسطيني في النصف الأول من القرن العشرين الماضي، ولم يكتف بذلك بل نحا منحى لم يكن يخطر ببال طبيب غير توفيق، ألا وهو دراسة التراث الفلسطيني التقليدي، والآثار، والمزارات، والأولياء في فلسطين. وأتقن عدّة لغات منها الألمانيّة، والإنجليزيّة فضلاً عن العربيّة.
تزوّج توفيق كنعان من الألمانيّة مارغوت أيلندر سنة 1912م بالقدس، التي كانت ابنة مستورد ألمانيّ كبير وكان يقيم بالقدس مدداً متفاوتة، وقد أهدى العروسين قطعة أرض في منطقة المصرارة، فأقاما عليها بيتهما الخاص سنة 1913م.
في هذا البيت الكائن في حيّ المصرارة وهو أحد أقرب الأحياء الحديثة إِلى البلدة القديمة، تمكّن توفيق كنعان من فتح عيادة طبيّة لمعالجة المواطنين المقدسيين، فكانت العيادة العربية الوحيدة في المدينة كلّها إِلى جانب ثلاث عيادات لأطباء غير عرب ينتمون إِلى أرمينيا وإيطاليا وبريطانيا. كما تمكن من إنشاء مكتبة أثراها بآلاف الكتب القيمة، ومتنوّعة المعارف، ويَظهر تنوّع معارفها من خلال تنوّع مؤلّفات توفيق كنعان نفسه.
هذه المكتبة القيمة تعرّضت للنهب والسّلب تحت بصر صاحبها، وأسرته، الذين كانوا يُشاهدون اللصوص اليهود يستولون عليها، ويضعونها في العربات، ويذهبون بها بعيداً إِلى حيث لا يعرفون.
ففي 22 شباط 1948م، ازداد انهمار قذائف مدافع الهاون، والرصاص على منازل المواطنين المقدسيين العرب في حيّ المصرارة، ومنها منزل توفيق كنعان، الذي لم يمض على بنائه إِلاّ ثلاثة عقود ونصف، وفي نهاية شهر شباط اضطر توفيق كنعان، وأسرته للهرب من منزلهم حفاظاً على أنفسهم، من قذائف العدو ورصاصه. وذلك بعد أن تمكّن توفيق كنعان من نقل مجموعة حجبه، و(250) أيقونة من منزله إِلى منظمة دوليّة في القدس، لحمايتها. لكنّه على الأرجح اضطر للرّحيل قبل أن ينقل مكتبته حيث أصيب البيت إصابة مباشرة في التاسع من شهر أيار سنة 1948م، فغادر البيت بحقيبة صغيرة، وضع فيها ثياباً لكلّ أفراد أسرته. ودخل المدينة القديمة ليلاً، بترتيب مسبق مع بطريركية اللاتين عبر باب صغير، يؤدي إِلى سطح دير اللاتين.
منح بطريرك الروم الأرثوذكس عائلة توفيق كنعان غرفة للعيش فيها، لعلّه يعود إِلى بيته في المصرارة قريباً، لكنّه مكث في هذه الغرفة عامين ونصف.( )
وتصف ابنة توفيق كنعان حياة والدها، ووالدتها أوّل أيام سُكناهما في هذه الغرفة، فتقول السيّدة ليلى منطورة: "يومياً كانَ أبي وأمي يذهبان إِلى سور القدس، يرقبان بيتهما، ويشهدانه يُنهب يوماً بعد يوم، المكتبة الثمينة الرائعة، الّتي كانت أمي ترعاها بكثير من الفخر وقليل من الغيرة؛ مخطوطاته الّتي كانت تراجعها، أثاثها الفاخر، كانت تُحمَّل في شاحنات تذهب بها بعيداً... وأخيراً شهدا إحراق البيت، كانَ ذلك واحداً من أقسى ما عاناه أبي وأُمي، ولا أَعتقد أنهما كانا قادرين على نسيانه".( )
وبذلك فقد توفيق كنعان بيته ومكتبته، التي كانَ فيها ثلاث مخطوطات من مؤلّفاته التي كانَ قد أعدّها للنّشر. وقد أخبرت السيّدة ليلى منطورة السيّد خالد الناشف مدير معهد الآثار في جامعة بيرزيت سنة 1995م أنّها رأت بعض كتب أبيها في مكتبة الجامعة العبريّة بالقدس المحتلة.( )
5- مكتبة الشيخ حسام الدين جار الله
ولد الشيخ حسام الدين في القدس في العشر الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وتعلم فيها ثم سافر إلى القاهرة فدرس في الأزهر الشريف، وسمع دروس الإمام محمد عبده، وبعد أن حصل على إجازة الأزهر عاد إلى القدس وعمل فيها، وفي سنة 1926 عُيّن ناظراً للعدلية (وزيراً) وقاضياً للقضاة في حكومة حسن خالد أبو الهدى في إمارة شرق الأردن. ثم عمل في المجلس الإسلامي الأعلى إلى أن توفي سنة 1954 في القدس.
استطاع الشيخ حسام الدين جار الله أن يكوّن مكتبة عامرة، ضمت حوالي ألفي كتاب مطبوع ومخطوط في العلوم الإسلامية، واللغة العربية وآدابها، ومنها مخطوطة نادرة للقرآن الكريم، كانت مجلدة بجلد غزال، وكانت مكتبة الشيخ حسام الدين محفوظة في عدة خزائن. وفي حرب عام 1948 قامت العصابات الصهيونية بسرقة مقتنيات هذه المكتبة القيّمة بما فيها مخطوطة القرآن الكريم المذكورة.(12)
6- مكتبة خليل بيدس
ولد خليل بيدس في الناصرة، ونشأ وتعلم في مدارسها، وطاف بلاد الشام معلماً، وأسس مجلة النفائس في حيفا، ثم النفائس العصرية في القدس، فلاقت رواجاً عظيماً في مصر والشام.
أنشأ خليل بيدس في بيته بحي البقعة الفوقا مكتبة قيمة ضمت مخطوطات قديمة العهد، وكتباً ثمينة، فضلاً عن مؤلفاته التي زادت على الخمسة والثلاثين مؤلفاً في الأدب واللغة والتاريخ، والترجمة، والتربية، والآثار. وعن مجلة النفائس العصرية، ومقالاته الكثيرة والمتنوعة التي نشرها في صحف ومجلات عربية وأميركية.
حاول خليل بيدس البقاء في منزله بحي البقعة الفوقا عندما بدأت العصابات الصهيونية حربها على الأحياء العربية في غربي القدس، لكنه لما سمع بفظائعها ضد المواطنين العرب هرب من بيته وهو شيخ كبير مشياً على الأقدام فأنقذه أهل سلوان وهو مغمى عليه. وقد سرق اليهود مكتبته الثمينه بكل محتوياتها، ومنها معجم عربي كبير كان مخطوطاً وقد أعده للطبع.
يقول يعقوب العودات في ذلك: "وفي بيت المقدس أسس خليل مكتبة فريدة حوت مخطوطات قديمة العهد، وكتباً ثمينة، لكنه أرغم على تركها في منزله بالقدس لتأخذها العصابات الصهيونية غنيمة باردة عندما اغتصبت فلسطين العربية في أيار 1948."(13)
ويتابع سرد قصة مكتبة بيدس عندما يذكر مؤلفاته فيقول: "معجم عربي كبير بقي مخطوطاً، ووقعت النكبة الأولى سنة 1948، فسرقه اليهود مع كافة كتبه، ومخطوطاته، ومؤلفاته، ومنها مجلته الشهيرة (النفائس العصرية)، وحديث السجون، ومقالاته في الأهرام، والمقطّم، وصحف مصرية، وأميركية."(14)
7- مكتبة خليل السكاكينيّ
وُلد خليل السكاكيني في بيت المقدس سنة 1878م، وتعلّم في مدارسها، وبرع في مجالات عديدة لكنه رأى في التعليم رسالة سامية، فانخرط في سلكه معلّماً، ومربّياً وأنشأ المدرسة الدستوريّة بالقدس. وألّف عديداً من الكتب التعليميّة، كما نشط في المجالات الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة. وقد استطاع خلال حياته جمع كثير من الكتب التي تلبي رغبته العلميّة المتنوّعة المَنازِع، وأقام مكتبة في منزله؛ كانت غنيّة بأصناف من كتب التربيّة والتاريخ والأدب والسياسة وغيرها.(15)
سكن خليل في حي القطمون بالقدس الغربيّة، وكانَ منزله وسط الحيّ، فكانت بيوت الحيّ تحيطه، وكأنها سور حصين له. وقد دخل السنة السبعين من عمره يوم الجمعة 23/1/1948م وحيّه محاصر، ويتعرّض للقصف من العصابات الصهيونيّة، حيث كانَ الحي منعزلاً عن بقية الأحياء العربيّة، وكأنه جزيرة مالطة – على حدّ قول السكاكيني نفسه-، وكانَ أفراد العصابات الصهيونيّة يتسلّلون إِليه للتدمير والنسف، كما فعلوا في الأسبوع الأول من السنة 1948م حيث نسفوا فندق سميراميس، فقتلوا عدداً كبيراً من النزلاء وأصحاب الفندق.
وعلى الرغم من قسوة الحياة تحت الحصار، واصل خليل السكاكيني العيش في بيته، ومع جيرانه وأصدقائه، وشارك في حراسة الحيّ، حتى في أشدّ اللحظات قسوة يوم 30/3/1948م حيث أصبح الحيّ مثل فوهة بركان تتطاير منه الحمم، ويعلو اللهيب، وينبعث الدّخان. فبدأ الناس بالهجرة إِلى المدينة القديمة أو بيت جالا أو عمّان أو مصر أو غيرها. ولم يبق إِلاّ القليل، كانَ منهم خليل السكاكينيّ، لكنّه اضطر لمغادرة منزله يوم الجمعة 30/4/1948م الساعة السادسة صباحاً متوجهاً إِلى مصر. وذلك بعدما بلغت الحرب ذروتها، ليلة الخميس 29/4/1948م، فشعر وكأن البيت سيسقط على رأسه وأسرته، وقد جاءه بطل معركة القطمون إبراهيم أبو ديّة الصوريفي (من قرية بيت صوريف قرب الخليل). وقد أُصيب بجراح، وأعلمه أن أكثر رجاله قد قُتلوا.(16)
عندما غادر خليل السكاكيني منزله في حيّ القطمون، كانَ قد حرص على أن يأخذ بعض أشيائه العزيزة عليه، التي لا يستغني عنها في رحلته، التي كانَ يأمل أن لا تطول، وممّا حرص على أخذه كاملاً كانَ "دفاتره وأوراقه"، لكنه نسيها جميعها في ظل انهيال الرّصاص عليهم من كلّ جانب، حتى عندما تحرّكت السيارة، التي أقلّتهم من القدس إِلى القاهرة في السادسة صباحاً.(17)
وقد ذكر خليل السكاكيني في كلمة ألقاها في النادي الأرثوذكسي في مصر الجديدة يوم الإثنين 11/10/1948م بعنوان "لئلا ننسى" أن مكتبته نُهبت من قبل العصابات الصهيونيّة، وألقاها ثانية في النادي الشرقي بالقاهرة يوم الجمعة 5/11/1948م. جاء فيها:
حرصت أن آخذ دفاتري، وأوراقي لعلي أحتاج إِليها، ولكن نسيت الجميع... .
حرصت أن آخذ نرجيلتي، وهي دماغي الثاني، ولكن أخذت النربيج، ونسيت النرجيلة.
تركنا الدار والثياب والأثاث والمكتبة والمؤونة، والبيانو العظيم الذي لا نجد له مثيلاً، والثلاجة الكهربائية الكبيرة، وفوق ذلك تركنا الأمانات الثمينة التي أرسلها إلينا أصحابها على اعتقاد منهم أن بيتنا ممنّع صعب، إذا تطاولت إليه الأعناق جُذّت، وهي تقدّر بألوف من الجنيهات.
لا أذكر تلك الساعة الهائلة، التي خرجنا فيها من الدار، والقنابل تتساقط حولنا، والرّصاص يتطاير فوق رؤوسنا، إِلاّ دققت يداً بيد، وقلت: "كيف نسينا أن نأخذ معنا كلّ ما في الخزانة من زجاجات؟! ألا تعست العجلة!!".
الوداع يا مكتبي! يا دار الحكمة، يا رواق الفلسفة، يا معهد العلم، يا ندوة الأدب! كم أحببت فيك الليالي الطوال: أقرأ وأكتب، واللّيل ساج، والناس نيام. ولا يهوّن من وجدي إِلاّ أني نقلت يومياتي، وهي كثيرة، تملأ ألوفاً من الصفحات، إِلى مكان أمين. فقد كانَ من ديدني منذ الحداثة أن أكتب كلّ يوم ما يمرّ بي من أحوال، وما يعنّ بي من خواطر، وما توحيه إليّ مُطالعاتي، وما ألتقطه من مخالطة الرّجال ذوي العقول... كل هذه اليوميات عزيزة عليّ كأنها أفلاذ كبدي... .
الوداع يا كتبي النّفيسة، القيّمة، المختارة. أقول كتبي وأنا أعني أولاً: أني لم أرثها عن الآباء والأجداد... وثانياً، أني لم استعرها من الناس، ولكنها من إنشاء هذا العاجز الواقف أمامكم... مَنْ يُصدّق أن بعض الأطباء كانوا يستعيرون منّي بعض الكتب الطبيّة؛ لأن هذه الكتب لا توجد إِلّا في مكتبتي... لم تعرض مشكلة في اللّغة في إحدى دوائر الحكومة إِلّا سألوني عنها؛ لأنهم يعرفون أن مظانّ هذه المشكلة لا توجد إِلا في مكتبتي، وقد أكون من العارفين بهذه المظان.
الوداع يا كتبي! لست أدري ما حلّ بك بعد رحيلنا، أنتُهِبتِ، أحرقتِ، أنُقِلت معززة مكرمة إِلى مكتبة عامة أو خاصة، أَصِرْتِ إِلى دكاكين البقالين يلفّ بأوراقك البصل؟!.
الوداع يا كتبي! يعز عليّ أن أُحرم منك، وأنا على أهبة الرّحيل من هذه الدنيا. وهل يستطيع مَنْ كانَ مثلي على أهبة الرحيل، والبقية الباقية من عمره لا تزيد عن أربعين أو خمسين سنة!! أن ينشئ مكتبة جديدة؟
يعزّ عليّ أن أُحرم منك، وقد كنتِ غذائي الرّوحي، وكنتُ ولا أزال شرهاً إِلى هذا الغذاء. لقد كنت أُلازمك في ليلي ونهاري، ولم يزرني أحد في الليل، أو النهار إِلاّ وجدني مكباً على كتبي...".(18)
وقد كانت مكتبة خليل السكاكيني، بما تضمه من مقتنيات علميّة متنوّعة، تشبه دار الحكمة في بغداد، أيام عزّها، وهي رواق فلسفة، ومعهد علم له ولزملائه. وقد كوّن المكتبة بنفسه، فهو لم يرثها عن أب أو جد، ولم يستعر أيّاً منها، بل كلّها اقتناها بنفسه، ووفق رغباته، واهتماماته، فتراوحت كتبها بين كتب الطب واللغة، وما بينهما من مسافة واسعة.
لقد بكى خليل السكاكيني مكتبته، بكاء الأم الثكلى؛ لأسباب عديدة منها أنه أنشأها على مدى سنوات عمره كتاباً كتاباً، وأنه كانَ يُفيد منها كلّ من يسأله عن مسألة فرداً أو جماعة، وأنه حُرمها وهو على أُهبة الرحيل عن هذه الدّنيا، وهي غذاؤه الروحي، الذي افتقده مرغماً، ولا يستطيع إنشاء مكتبة بديلة، تسدُّ شرهه لهذا الغذاء الروحي، وأنه لم يعرف مصيرها أكان النهب، أم الحرق، أم النقل إِلى مكتبة عامة أو خاصة. أم إِلى أيدي الجهّال. وذلك الشيء الوحيد، الذي قد يخفّف من حزنه الشديد على مكتبته.
8- مكتبة عبدالله مخلص (المخلصيّة)
استطاع عبدالله مخلص في أثناء إقامته بفلسطين إنشاء مكتبة عامرة بالكتب، والمخطوطات، والوثائق، والآثار القيّمة عُرفت باسم "المخلصيّة"، وقد كوّنها أولاً في عكا، حيث كانت مقرّ إقامته وعمله، ثمّ نقلها إِلى حي الشيخ جرّاح بالقدس، حيث سكن فيه عندما تولى إدارة الأوقاف العامة المقدسية.
كانت المكتبة المخلصيّة غنيّة بآلاف من الوثائق، والمخطوطات العربيّة والإسلاميّة بعامة، ومن التراث الفلسطيني بخاصة، فكانت الكتب الموجودة فيها ممّا يتعلّق بتراث فلسطين، لا تضاهيها فيه أَيّة مكتبة أُخرى. كما أنها حوت مؤلّفات عبدالله مخلص المتنوّعة، التي لم تنشر بعد، والقطع الأثريّة، التي جمعها خلال عشرات السنوات من مختلف المناطق الفلسطينيّة، وكانَ يُدوِّن ملاحظاته عليها.(19)
وقد استطاع عبدالله مخلص نقل هذه المكتبة قبل انتهاء الاحتلال البريطاني لفلسطين إِلى دير(راهبات القلب المقدس) القربان الكائن مقابل المستشفى الفرنسي سنة 1948م، وكانت تضم حينها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب منها (110) كتب مخطوطة. وقد قامت العصابات الصهيونيّة بنسف الدّير وتدميره في الحرب.
وهنا توجد روايتان حول مصير كتب المكتبة المخلصية؛ الأولى، تقول إنّ العصابات الصهيونيّة كانت تعرف بوجود المكتبة، فقامت بسرقتها، ونهبها قبل النسف، ثمّ نسفت الدّير لتغطية جريمتها، وهذه الرواية هي الصحيحة؛ لأنّ مقبولة بنت عبدالله مخلص ذكرتها وقالت: "إن ضابطاً أردنياً أخبرها أن اليهود قد نقلوا صناديق خشبية في سيارات نقل قبل نسف الدّير"(20)،وعليه يرجّح كامل العسلي أن كتب مكتبة عبدالله مخلص وصلت الجامعة العبريّة في القدس، وهذا ما يؤكده يعقوب العودات؛ إذ قال في المكتبة ومصيرها:"جمع مكتبة قليلة النّظير في فلسطين، ومعظمها في الكتب العربيّة الإسلاميّة، الّتي عني بها كبار المستشرقين... شعر بالخطر المحدق بمكتبته، فنقلها نجله السيّد صلاح مخلص، بطلب من والده إلى دير القربان، مقابل المستشفى الفرنسي بالقدس، لكن اليهود دكّوا هذا الدّير بقنابلهم منعاً للدّبابات العربيّة من الوصول إِلى بناية البريد القديمة، فانهارت كنيسة الدّير، وغدت ركاماً، وبعد أن هدأت الحالة، وبسم الزمان لإسرائيل، أزاح اليهود تلك الأنقاض، وغنموا مكتبة مترعة بنفائس الكتب والمخطوطات".(21)
والرواية الثانية، تقول أن النّسف تمّ، فضاعت الكتب، فيما ضاع من تراث فلسطين الثقافيّ، ولم تثمر كلّ المحاولات التي بذلت لإنقاذ هذه المكتبة القيّمة.
ولا شك لديّ في أنّ هذه المحاولات دلّت العصابات على هذا الكنز الثمين، إن لم يكن يعرف ما في الدّير، فأصرّ على هدمه لتغطية جريمة السّرقة. إذ قليلاً ما لجأ الاحتلال لنسف أديرة أو كنائس في القدس.(22)
9- مكتبة نقولا زيادة
كانَ نقولا زيادة مؤرّخاً وأديباً ورحالة فلسطيني، درس في الكليّة العربيّة بالقدس، ثمَّ عمل بها بعد ذلك مدّة، وأنشأ مكتبة غنيّة بالكتب، التي اقتناها في مجالات العلوم المتنوعة، فضلاً عمّا كانت تضمّه من أوراق ووثائق، وصور خاصة به شخصيّاً، نهبت من قبل العصابات الصهيونيّة، عندما احتلت منزله بالقدس عام 1948م.
وقد ذكر في مذكراته، بحسرة وحزن شديدين، بعض ما نُهب من مكتبتهربالقدس، ومن ذلك:
1- أوراق ووثائق خاصة منها الوصل الذي أخذه مدير ناحية القرداحة (بسوريا) الشيخ علي من ابن مختار القرية، ثمّ الذي أخذه ابن مختار القرداحة عند مرافقتهما (نقولا زيادة وزميله درويش المقدادي) إِلى قرية باينا مركز محافظة صلاح الدّين (بسوريا) - سّمتها الحكومة السوريّة بعد الاستقلال بهذا الاسم، نسبة إِلى قلعة صلاح الدّين، وهي قلعة ضخمة تسيطر على شبكة الطرق، التي تصل الساحل السوري بالداخل، وكانت زمن حروب الفرنجة قلعة للحشاشين الباطنيّة مع قلعة مصياف. وكانت تعرف باسم قلعة صهيون – وقد أخذه المحافظ بعدما سلمهما إِليه وفيه: "بتاريخه أَدناه وصلني أنا مختار... الشخصين من فلسطين، درويش المقدادي، ونقولا زيادة، على أَن أُسلّمهما لمحافظ صهيون في مركز باينا".(23)
وكانَ مما تمّ نّهبه أيضاً، في هذه الأوراق الصور، التي كانَ التقطها نقولا زيادة في رحلته إِلى الساحل السوريّ قال: "وجميع الصور المتعلّقة بهذه الرحلة لمّا نُهب بيتي في القدس سنة 1948م".(24)
2- لمّا كانَ نقولا زيادة كثير الرّحلات، ومؤرّخاً، كانَ يهتمّ بشراء الكتب التاريخيّة المهمّة، ولا شكّ في أنه كانَ يشتري الكتاب القيم والمصدر. ومن تلك الكتب التي اشتراها في إحدى رحلاته كتاب عن تاريخ مدينة حماة السوريّة. وحافظ عليه في مكتبته بالقدس، لكن نصيبه كانَ النّهب عام 1948م مع مقتنيات مكتبته القيّمة وأثاث بيته قال: "وجدتُ كتاباً عن تاريخ حماة، حملتُه معي، وحافظت عليه إِلى سنة 1948م، لمّا كانَ حظّه السّلب، كما أصاب أَوراقي وكتبي، وأثاث بيتي".(24)
3- كانَ نقولا زيادة حريصاً على تدوين يومياته بدقة، فيسجلها يوماً بيوم في دفتر خاص، كما يدوّن فيه مشاعره، وعواطفه إزاء ما يمرّ به من أحداث، وقد نهب ذلك الدفتر، الذي كان سجل فيه مشاعره عندما رأى منظراً طبيعياً أَخّاذاً، وذلك في نهاية رحلة قام بها من زحلة بلبنان إِلى دمشق. قال: "أذكر أنني دوّنت ليلتها لمّا وصلنا دمشق بضعة سطور أصف بها شعوري، لكنّ الكلمات التي كتبتها وقتها لا أذكرها، والدّفتر ضاع في القدس سنة 1948م، إِلا أنّني لا أنسى الانطباع".(26)
ثانيًا- مكتبات دوائر حكومة الاحتلال البريطاني
أنشأت حكومة الاحتلال البريطاني في القدس، مكتبات متخصّصة لعدد من دوائرها الرسميّة، واقتنت لها كتباً بالعربيّة والإنجليزيّة وغيرهما، ممّا يدخل في اختصاص كلّ دائرة، وذلك لمساعدة العاملين فيها على القيام بعملهم على خير وجه، ووفق قواعد علميّة إِلى حدّ ما.
كما أنّ تلك الدوائر كانت تمتلك أوراقاً ووثائق وإحصائيات وخرائط، ووسائل تعليميّة ومختبرات، ومعدّات كثيرة ومتنوّعة.
ومن الدوائر التي أنشأت فيها مكتبات دائرة الزراعة سنة (1920م)، ودائرة المعارف سنة (1920م)، ومحكمة العدل العليا سنة (1925م)، ودائرة الإحصاءات سنة (1936م)، ودار الإذاعة سنة (1936م)، ودائرة المطبوعات سنة (1944م).
عندما احتل أفراد العصابات الصهيونيّة الأحياء العربيّة في غربيّ القدس، قاموا بسرقة ونهب مكتبات الدوائر الحكوميّة الموجودة في تلك الأحياء، وألحقوها بالدوائر التي أقامتها حكومة الاحتلال الإسرائيليّة، وبذلك يكون أساس دوائر حكومة الاحتلال الإسرائيلي قائماً على النّهب والسّلب.(27)
ثالثًا- مكتبات المساجد
كانت المساجد أوّل مدرسة في الإسلام، وقد لعب المسجد دوراً مهمّاً في تعليم المسلمين طوال القرون الثلاثة الأولى في عمر الحضارة الإسلاميّة، إِلى أن وجدت المدرسة في بداية القرن الرابع الهجري، ثمّ وجدت بشكل منظم على يد الوزير السلجوقي نظام الملك (ت485هـ) في منتصف القرن الخامس الهجري. لكنّ المسجد لم يفقد دوره في إثراء الحياة العلميّة في العالم الإسلامي، بل استمرّ مدّة طويلة من الزمن، ولا زالت كثير من المساجد تقوم بدور علميّ بارز في إثراء الثقافة العربيّة الإسلاميّة، بل وفي تعليم الناشئة، حيث استطاع عدد منها أن يحتضن جامعة متكاملة كما هو الحال في الجامع الأزهر، الذي لا زال يؤدي دوره العلمي منذ ما يزيد على الألف سنة.
وكانت تنتشر عشرات المساجد في الأحياء العربيّة في غربيّ القدس، وهذه ولا شك في ذلك كانَ كلّ منها يمتلك خزانة كتب تتناسب ومساحة المسجد، وعدد المصلين الذين يؤمونه. وتلك الخزانات كانت عامرة بنسخ من القرآن الكريم وتفاسيره، وكتب الحديث الشريف وشروحه، فضلاً عن كتب اللّغة والأدب، والتاريخ وغيرها من الكتب التي تهدى لمكتبة المسجد من المؤلفين أنفسهم، أو من مكتبات بعض ممن يتوفاهم الله ولا يهتم ورثتهم ببعض مقتنيات مكتباتهم أو كلها.
وعندما احتلت العصابات الصهيونيّة الأحياء العربيّة في غرب القدس ربيع 1948م، قامت بتدمير، ونسف الغالبية العظمى من المساجد، وتحويل ما تبقى إِلى استخدامات متنوّعة للمستوطنين اليهود. ولا شك لديّ في أن أفراد تلك العصابات، فضلاً عن العاملين في مكتبة الجامعة العبريّة الذين رافقوا أفراد تلك العصابات، قد قاموا بنهب وسلب ما استطاعوا من مقتنيات هذه المساجد، وما رأوا فيه قيمة ثقافيّة وتراثيّة، ثمّ أحرقوا أو أتلفوا ما لم يرقهم منها.
رابعاً- مكتبات الكنائس والأديرة
تضم الأحياء العربيّة في غرب القدس كثيراً من الكنائس والأديرة، وأغلبها كانَ يعود إِلى منتصف القرن الثالث عشر الهجريّ/ التاسع عشر الميلادي، ذلك أن النصارى العرب، وغيرهم كانوا وما زالوا يعيشون جنباً إِلى جنب مع المسلمين العرب في فلسطين، ولا شك في أنّ هذه الكنائس والأديرة كانت تحتوي مكتبات خاصة بها، فضلاً عن خزائن كتب خاصة برجال الدين الذين كانوا يعمرونها. وقد دمّرت العصابات الصهيونيّة بعض هذه الكنائس والأديرة، كما أن أفرادها اقتحموا أماكن العبادة تلك، واستولوا على ما وجدوه فيها من غنائم متنوّعة ومنها الكتب.
لم أعثر في المصادر التي عُدت إليها على حالات محدّدة من نهب مكتبات في هذه الكنائس والأديرة، لكن ما حدث مع مكتبة عبدالله مخلص (المخلصيّة)، التي وضعها وديعة في دير راهبات القلب المقدّس (القربان) يدفعني للجزم بأنّ السيارات اليهودية، والتي تحدّث عنها الضابط الأردني لمقبولة بنت عبدالله مخلص، والتي كانت تنقل صناديق خشبية من الدّير قبل نسفه، بأن هذه السيارات لم تنقل مكتبة عبدالله مخلص والقطع الأثرية التي كانت لديه فقط، بل نقلت مكتبة الدّير، وخزائن كتب الرهبان والقساوسة الخاصة. إذ ما كانَ عبدالله مخلص ليضع مكتبته في عُهدة دير ورهبان وقساوسة لم يكن فيه مكتبة، ولم يكن لديهم كتب، وبالتالي فهم قَدّروا قيمة الكتب، فسعوا لحمايتها وحفظها من السرقة والنّهب عندما قبلوا أن يحفظوها في ديرهم، لا بل في مكتبة ديرهم.
خامسًا- مكتبات المؤسسات التعليمية
ضمت القرى والأحياء الغربية بالقدس، عدداً لا بأس به من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. وكان لكل مدرسة من هذه المدارس مكتبة عامة، تضم كتباً ومجلات وجرائد ووثائق وخرائط متنوعة، وكانت مقتنيات كل مكتبة تتناسب وحجم المدرسة وعدد الطلبة فيها.
واستناداً لما أورده عبداللطيف الطيباوي عن أوضاع المكتبات المدرسية في أواخر الاحتلال البريطاني لفلسطين، فإن متوسط عدد الكتب في مدرسة القرية كان (200) كتاب، وفي المدرسة الابتدائية الكاملة (600) كتاب، وفي المدرسة الثانوية (1200) كتاب.(28)
ولا شك في أن أفراد العصابات الصهيونية الذين اقتحموا تلك المؤسسات التعليمية، فضلاً عن غيرهم من المستوطنين، قد سرقوا ونهبوا مقتنيات هذه المكتبات جميعها.
أُسست الكليّة العربيّة في القدس عام 1918م، وافتتحت رسمياً في 28/10/1919م، وقد خُطّط لها أن تكون أوّل كليّة جامعيّة فلسطينيّة، وأقيم لها مبنى جميل ضخم على أرض مساحتها (47) دونمًا في منطقة الطالبية، على السفح الجنوبي الغربي لجبل المكبّر، وكانت الكليّة تضم مكتبة ضخمة، تحتوي على كتب قيّمة في مختلف فروع العلم، وقد كانَ عدد الكتب فيها سنة 1946م يزيد على (7122) كتاباً، وبذلك عدّها مصطفى الدّباغ أكبر المكتبات الأكاديميّة في القدس الشريف.(29)
وبالرّغم مما قيل عن نقل كتب مكتبة الكليّة العربيّة إِلى المدرسة الرشيدية في باب الزاهرة، إِلاّ أن السيّد فهمي الأنصاري أفادني أن الصّواب هو أن السيّد "أبو أحمد هرماس" من مدينة حلحول قرب مدينة خليل الرحمن، الذي كانَ يعمل في مكتب المعارف، نقلَ ما استطاع من كتب المكتبة في سيارة (بكب) إِلى مكتبة المدرسة الرشيديّة بإذن من مديرها السيّد جودت القباني، واستمرّت الكتب المنقولة في المدرسة الرشيديّة إلى سنة 1961م، حيث نُقلَ القباني ونقلَ أفضل الكتب في نظره إِلى دار المعلمين في عمّان، فأخذ ما استطاع من كتب الكليّة العربيّة معه.(30)
وبذلك يتضح أن كتباً كثيرة من مكتبة الكليّة العربيّة، فضلاً عن المجلات والجرائد، وكتب الطلبة والمعلمين، الذين كانوا يسكنون في السكن الداخلي في الكليّة، وقعت ضحية النهب والسلب، الذي مارسه أفراد العصابات الصهيونيّة الذين احتلوا مبنى الكليّة.
الخاتمة
بعد أن أنهيت كتابة هذه الورقة العلميّة المختصرة أستطيع القول أنني توصلت إِلى نتائج وتوصيات عديدة، أهمها:
أولا- النتائج
1- إنّ عمليّة السّرقة والنّهب التي حدثت للكتب الفلسطينيّة مهما كانَ مصدرها، وسواء أكان من الأفراد أم العامة أم العائلات، أم المساجد أم الكنائس والأديرة، أم غيرها بحاجة إِلى دراسة جادة تعتمد ما قاله أو يمكن أن يقوله أصحابها، واستقصاء الأرشفيات الخاصة بذلك، بهدف بيان حقيقية عملية الهدم الثقافيّ الذي تعرّضت له فلسطين، التي لا تقلّ عن هدم المجتمع والدّولة وسرقة الأرض والمنزل.
2- إنّ ما حدث للكتب دليل على أن ذلك حدث للآثار والتراث والفلكلور، وأدوات الزراعة والمنازل والصناعة، والوثائق والأوراق الشخصيّة والخرائط، وكلّ متعلّقات الشعب الفلسطينيّ، وهذه كلّها بحاجة إِلى استقصاء ودراسة علميّة.
3- إنّ كثيراً من المخطوطات العربية غير المحقّقة في فروع العلم المختلفة، والمخطوطات المحقّقة التي أعدّها محقّقوها للنشر زمن النكبة، أو التي كانت قيد التّحقيق، والمؤلّفات المخطوطة التي أعدّها العلماء الفلسطينيون في مجالات علمية متنوّعة، وكانت جاهزة للنّشر، أو شبه جاهزة قد سرقت ونهبت من قبل الإسرائيليين زمن النكبة، وهذه وحدها بحاجة إلى بحث مستقل، أرجح أن يقود إلى نتائج مهمّة جداً، وقد تؤدّي إلى سحب شهادات ومؤلّفات ممّن ادّعوها من الإسرائيليين.
4- إنّ ما سبق يعزّ على أصحابه كما فلذات الأكباد، وليس أدَلّ على ذلك مما باح به خليل السكاكيني يناجي مكتبته أمام العامة في القاهرة بعد شهور من افتقادها، قال: "الوداع يا كتبي! لست أدري ما حلّ بك بعد رحيلنا، أنْتُهبتِ، أَحُرقتِ، أَنُقلتِ مُعزّزة مكرّمة إِلى مكتبة عامة أو خاصة... يعزُّ عليّ أن أُحرم مِنْكِ، وقد كُنتِ غذائي الرّوحي، وكنتُ، ولا أَزال شرها إِلى هذا الغذاء".
5- إن عملية سرقة الكتب والوثائق والمخطوطات الفلسطينية، بل سرقة الثقافة الفلسطينية بمكوناتها كلها ما زالت مستمرة منذ النكبة، وحتى يومنا هذا، وهي لن تتوقف إلا بدحر الاحتلال عن أرض فلسطين. وليس أدل على ذلك من وجود كتاب الدكتور عادل أبو عمشة الذي أهداه لمكتبة مسجد قرية سالم في محافظة نابلس، فسرقه جنود الاحتلال ونقلوه إلى مكتبة الجامعة العبرية بالقدس، كما أن جنود الاحتلال يسرقون كتباً ووثائق ومخطوطات، وأجهزة حاسوب بكل ما تحمله من مواد ثقافية ووسائل تخزين المعلومات الإلكترونية كثيرة، عند اقتحامهم المنازل والمؤسسات الرسمية والخاصة والمساجد والمدارس والجامعات بشكل يومي.
ثانيا- التوصيات
1- لا بد من تجاوز مرحلة الكلام وإثارة أسئلة لا معنى لها حول كيف تمت السرقة، ومن السارق، وهل علمت الحكومة الصهيونية وقادة جيشها أم لا؟، وصناعة الأفلام، والبكاء، ومظاهر التضامن، وإظهار كل مظاهر العطف مع فلسطين، وأهلها إلى البدء بالعمل وذلك التجاوز يجب أن يكون فلسطينياً، وعربياً، وإسلامياً، وعالمياً.
2- أولى خطوات بدء العمل تكون بتأسيس جمعية غير ربحية من ذوي الشأن، يكون لها تمويل وقفي قادر على تحقيق أهدافه، وتبدأ العمل من أجل استرجاع هذا الموروث الثقافي والتراثي والفلكلوري، الذي يكمل في أهميته الأرض الفلسطينية، والإنسان الفلسطيني، بطريقة قانونية، ومن خلال طرق كل السبل والمحافل الدولية اللازمة بدءاً من اليونسكو وانتهاء بأي وسيلة مناسبة. وذلك في مكتبة وطنية شاملة، تكون ذاكرة الشعب الفلسطيني في أرضه.
الهـوامش
------------------------
))العودات، من أعلام الفكر، ص80.
))وليد الخالديّ، المكتبة الخالدية، ص82.
))الأنصاري، مكالمة هاتفية. أفادني فيها أن أبا أحمد هرماس نقل ما استطاع من مكتبة الكلية العربية في سيارة شحن، فكانت كتب تسقط منه على أرض المكتبة نفسها، وفي الممر من المكتبة إلى سيارة النقل أمام مبنى الكلية العربية، وفي الطريق من مبنى الكلية العربية إلى مبنى المدرسة الرشيدية.
))وليد الخالديّ، المكتبة الخالدية، ص82.
))خيرية قاسمية، المذكرات والسير: الموسوعة الفلسطينيّة، قسم2م3ص849.
))العودات، من أعلام الفكر، ص116؛ العسلي، المكتبات: الموسوعة الفلسطينيّة، قسم2م3ص296، 306؛ محمد حمادة، من أعلام فلسطين، ص259.
))العودات، من أعلام الفكر، ص626.
))العودات، من أعلام الفكر، ص627.
))الناشف، توفيق كنعان، ص57.
))الناشف، توفيق كنعان، ص81.
))الناشف، توفيق كنعان، ص88.
(12) العسلي، المكتبات: الموسوعة الفلسطينية، قسم2 م3 ص306؛ جريدة الدستور، عمان، يوم الأحد 20/5/2012.
(13) العودات، من أعلام الفكر، ص68.
(14) العودات، من أعلام الفكر، ص70.
(15)خيرية قاسمية، المذكرات والسير: الموسوعة الفلسطينيّة، قسم2م3، ص827.
(16)السكاكيني، كذا أنا يا دنيا، ص387-390.
(17) السكاكيني، كذا أنا يا دنيا، ص392.
(18)السكاكيني، كذا أنا يا دنيا، ص391-394.
(19)ياغي، أكتب عن عبدالله مخلص، ص118.
(20)العسلي، تراث فلسطين، ص20.
(21)العودات، من أعلام الفكر، ص575.
(22)العسلي، المكتبات: الموسوعة الفلسطينيّة، قسم2م3ص306؛ تراث فلسطين، ص20؛ ياغي، أكتب عن عبدالله مخلص، ص118.
(23) الجراح، حول العالم في 76 عامًا، ص112-113.
(24) الجراح، حول العالم في 76 عامًا، ص166.
(25) الجراح، حول العالم في 76 عامًا، ص132.
(26) الجراح، حول العالم في 76 عامًا، ص136.
(27)العارف، المفصل، ص450؛ العسلي، المكتبات: الموسوعة الفلسطينيّة، قسم2م3ص295.
(28) الدّباغ، بلادنا فلسطين، ج4قسم2ص234.
(29) الأنصاري، مكالمة هاتفية.
------
* نُشِرت هذه الدراسة في مجلة "شؤون فلسطينية" - العدد 260