ضيوف معرض الكتاب والإحساس الأول في فلسطين
يامن نوباني
لأنها فلسطين، حلم البعيدين والقريبين، أقلامهم، أفكارهم، حكاياتهم، حتى لو لم يكونوا أبناءها، ولم يخرج منها أجدادهم، تظل حنينهم، وجنونهم حين يُصرون على المجيء إليها، مؤمنون بأنهم في وطنهم وعلى ترابهم، مع الانسان الطيب المظلوم، الصابر كل يوم على انتزاعه، الشاهد على تركه منسيًا، مع الذي يملأه الأمل لمستقبل تعود فيه الأرض ويعود فيه الإنسان..
في كل لقاء صحفي كان وزير الثقافة، الشاعر إيهاب بسيسو يصر على قوله: نريدهم ليتقاسموا معنا الماء، والهواء، والخبز، والزيت، والزيتون، ويعيشوا معنا ويحسوا فلسطين عن قرب.
فوصل منهم من وصل، وبقيت فلسطين تنتظر المحرومين منها والحالمين فيها، عدد من الشعراء والكتاب والمثقفين، من ضيوف فلسطين، حاورتهم "وفا" حول إحساسهم الأول بوجودهم على أرض فلسطين.
الشاعرة إكرام عبدي من المغرب: حاولت زيارة فلسطين أكثر من مرة، دون أن أتمكن من ذلك، فبقيت زيارة فلسطين غصة في قلبي، لكنني سرعان ما امتلأت سعادة وابتهاجا لأنني هنا في فلسطين.
الشاعر يوسف رزوقة من تونس: لأول مرة أزور فلسطين، ترابها، زعفرانها، تتميز بعبقرية المكان، أرض خصبة بأهلها وأشيائها الجميلة، شامخة بنضالها، لولا الحواجز المبثوثة في كل مكان، والتي نأمل أن نراها زالت في مستقبل الأيام، لينعم الإنسان الفلسطيني بالحرية واستقلالية القرار، وبأرض حدودها فلسطين من الماء إلى الماء وذاك حلمنا جميعا.
حرصت أن أكون في أرض فلسطين حتى أتهجى الأمكنة، وأزور البلدان والمدائن التي طالما سمعت بها، فزرت الخليل والحرم الإبراهيمي، وكانت لي إطلالات كثيرة في رام الله، ولقاءات مع أهلها المبدعين، وهي فرصة ذهبية لكي نجسر هذا التواصل من أجل المزيد من التحاضن والتحاور وأن نكون عائلة عربية واحدة.
الشاعر سامي الذيبي من تونس: هذه زيارتي الأولى لفلسطين، لم أكن أتوقع أن يكون معرض الكتاب في مثل هذه الأناقة والترتيب، جنود الخفاء الذين عملوا على إنجاحه، كل من التقيتهم رأوا ذلك، ويعتبرونه مميزا جدا، وهذا على خلاف الفكرة التي جئت بها إلى فلسطين المحتلة تطوقها الأسلاك الشائكة، وكأن هذا المحتل هو أيضا سجين، وجدت الفلسطينيين هم الذين يحتلون جنودا ومستوطنات تطوقها الأسلاك الشائكة، فكأنما هذا المحتل الصهيوني هو أيضا سجين الفزع والخوف، وإنه سينفجر حتما على نفسه.
المخرج خالد الناصري من سوريا: ذاكرتنا مع فلسطين مرتبطة بذاكرة أجدادنا، وهي ذاكرة متوقفة عند عام 1948، كل شيء نعرفه عن فلسطين مرسوم ومنقول، الأرض، الحياة، الإنسان. وبقيت لنا تخيلاتنا، وما نعرفه ونسمعه من الناس والأصدقاء الذي يأتون ويغادرون فلسطين، ذاكرة فكرية نظرية وليست عملية.
حين تأتي إلى هنا تأتي لتفتش عن تفاصيل ذاكرتك، وعندك ذاكرة معرفية تشكلت عن الأشياء، كانت الأيام الأولى صعبة، فأنت كفلسطيني مهجر لم تعش أبدا بوطنك، تأتي لتتلمس إحساسك بالوطن، ثم تبدأ التفتيش بقصص في الذاكرة، وما سمعته من الأجداد، وفي أي مكان تذهب إليه يتحدث الناس إليك على أساس أنك ابن البلد، فجأة تصدمك هذه الفكرة، حين يقابلك الناس بإحساس أنك من هُنا، هذا المكان لك. تأتي لتبحث عن مكان جدودك وحكاياتهم، فتبدأ بتلمس حياة الناس، والحديث بتفاصيل أكثر عن حياة الناس في فلسطين بحاجة إلى معاشرة طويلة لم أتمكن منها بعد.
الشاعر عبد الله الصديق من المغرب: المجيء إلى فلسطين بالنسبة لي كمغربي ولكل العرب هو محبة كبيرة للشعب الفلسطيني، ونظرة ميتافزيقية تجعل الفلسطيني من طينة لا تشبه طينة باقي البشر، وهذا موجود في مخيلتنا ومرتبط بنا في القضية الفلسطينية، التي يسري إيماننا بها كما يسري حليب الامهات في الرضع.
والمجيء هنا يقتضي معايشة تجربة المعبر والحاجز، فتشعر خلال ساعات أنك بت إنسانا محتلا، وأن شعورك الزمني هو شعور ثابت ومقيم، شعور بالعجز والأسى والقهر.
ثم تصل رام الله، فتنسيك في وقت قياسي تجربة المعبر والحاجز، تمنحك بلاغة المكان والناس والمعمار، المحبة التي تصلك من الإنسان في الشارع هي أضعاف مما تعطيه أنت، لأنك بالنسبة إليه تمنحه شعورا بأنه ليس وحيدا، أنت القادم من بعيد تشعره أنه ليس لقمة سائغة في فم المحتل وليس منسيا.
الكاتب نائل العدوان من الأردن: إحساسي في فلسطين إحساس من هو بين أهله وأصدقائه، إحساس مختلط، يحمل الفرح في ابتسامة الأهل الطيبين ودفء مشاعرهم وحفاوتهم، وشعورا آخر بحزن دفين يغص القلب لرؤية التضييق والحصار المفروض على الإنسان الفلسطيني من قوى الاحتلال الصهيوني .
لم أشعر ولو للحظة أنني ضيف، بل في بيتي وبين أصدقائي، فهذا الشارع أعرفه جيدا، وذلك الجبل تسلقته مرارا، وكم لعبت صغيرا مع الفراش الذي يطير في سماء فلسطين، شعور بأن فلسطين تعانق الأردن، وأنهما حال واحدة .
هذا الجمال الإنساني يغلف القلوب في فلسطين، جمال ينبض بمحبة تحسها بمجرد أن تخطو رجلاك فوق أرض فلسطين، تؤطرها ثقافة تشع وشعب يريد الحياة رغما عن القساوة التي تواجهه، شعب يحب القراءة والأدب ويعتني بمثقفيه، يحتفي بالمبدعين ويدعم الأدباء فلسطينيين وعربا.
لقد أدهشني الشوق الذي يحمله المواطن الفلسطيني لأشقائه العرب، وحجم المشاعر الطيبة التي يكنها لكل من زار فلسطين، لكن منظر الحواجز والمستوطنات المنتشرة بين المدن الفلسطينية كان مدعاة لحزن وحسرة كبيرين، في كل مرة تنتقل فيها من مدينة إلى مدينة كأنك تنتقل من بلد الى أخرى، ناهيك عن المخاطر التي تحف الانتقال نفسه واحتمالية الاصطدام لأي أمر مع جندي أو مستوطن .
لفت انتباهي أن الفلسطيني إن أراد السؤال عن المدينة التي يسكنها فلسطيني آخر يقول له: من أي بلد أنت؟ غدت المدن بفعل الاحتلال بلدانا ذات حدود تحتاج لدخولها عبور نقط تفتيش وحواجز ووثائق لا يقبل أن تنتهي صلاحيتها.
هكذا شاهدوا وعرفوا فلسطين، ولو لأيام قليلة، لا تكفي أحيانا لوصف حوار مع صديق، أو بيت استقبلهم، أو شارع مشوا فيه، أو ريف توقفوا قبالته، لكنهم أخذوا رائحة فلسطين، وسيكتبون في قادم الأيام عنها، وسيتحدثون مطولا عن الوطن الجميل والمسلوب، عن أرضه وإنسانه وثقافته.