"ليلة الشعلة" في نابلس
زهران معالي
تتميز مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعادات وطقوس دينية واجتماعية قديمة، ميزتها عن غيرها من المحافظات الفلسطينية، بعض تلك العادات تلاشت أو اندثرت نتيجة ظروف عدة، إلا أن محاولات أهل المدينة لإعادة دبّ الحياة في بعضها والمحافظة عليها ظلت قائمة.
إحياء "ليلة الشعلة" أو ليلة النصف من شعبان إحدى تلك العادات التي أعاد أهل المدينة إحياءها مساء أمس السبت، في خان الوكالة بالبلدة القديمة للسنة الثانية، بعد انقطاع دام نحو 50 عاما، على وقع المدائح النبوية والأهازيج والابتهالات الدينية.
الاحتفال بليلة النصف من شعبان تضمن إيقادا للشعلة بين صلاتي المغرب والعشاء، ومدائح نبوية قدمتها ثلاث فرق صوفية وهي "دمشق الصغرى"، و"أحباب المصطفى"، و"عدة الشيخ نظمي"، وجاء بدعوة من منظمة "تطوع" وبالتعاون مع بلدية نابلس، وغرفة التجارة والصناعة، والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، ومركز أوتار، وجمعية صناع الغد.
نابلس هي المدينة العربية الوحيدة التي تحيي هذه المناسبة الموروثة عن الآباء والأجداد، تشاطرها فيها مدينة دمشق نوعا ما، وفق ما أوضح مسؤول منظمة تطوع في الشمال العميد المتقاعد عبد الإله الأتيرة.
وأوضح الأتيرة لـ"وفا"، أن "ليلة الشعلة مباركة احتفل بها أجدادنا وآباؤنا، وأوقف الاحتلال الغاشم الاحتفال بها"، مؤكدا أن نابلس مدينة عريقة ولها حضارة ممتدة بالأرض، وهدف الاحتفال إعادة إحياء المورث الديني والاجتماعي الذي يذكّر الناس بأن شهر رمضان قادم".
وأشار إلى أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان يحمل ثلاثة رسائل، أهمهما للاحتلال الإسرائيلي بأننا متمسكون بحضارتنا وتراثنا وديننا واستمرار حياتنا، ويهدف لرسم البسمة على وجوه الأطفال ولإعادة اللحمة النابلسية والنهوض بها على كل المستويات.
بدوه، أوضح عريف الحفل وعضو منظمة تطوع طريف عاشور، أن ليلة الشعلة أو ليلة النصف من شعبان ليلة دينية بامتياز يقال إن الأعمال ترفع فيها إلى الله تعالى؛ ولأجل ذلك كانت تفتح المساجد ما بين المغرب والعشاء، من أجل القرآن الكريم والابتهال لله تعالى لترفع الأعمال لله بهذه الهيئة الدينية.
وأضاف أن أهالي نابلس اعتادوا على إحياء هذه الليلة استعدادا لشهر رمضان الذي يحل بعد أسبوعين، وهي الليلة التي انتقلت فيها القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة كما قال العلماء، مؤكدا "لذلك نجهد لتكون حفلة دينية بامتياز، بتلاوة القرآن الكريم والمدائح النبوية للرسول الكريم والموشحات الصوفية التي قدمتها فرق عدة وفرقة عدة الشيخ نظمي، بالإضافة لحفل خاص للأطفال وتوزيع الهدايا ليتذكروا هذه الليلة".
من جهته، أشار رئيس لجنة بلدية نابلس سميح طبيلة، إلى أن المدينة تميزت عبر التاريخ بطقوسها وعاداتها بمختلف المناسبات الدينية والاجتماعية التي توارثتها الأجيال المتعاقبة، وأن تلك العادات ترسخ أواصر المحبة والألفة والتكافل بين المواطنين، وقد غدت سمة مميزة يهتم بها المجتمع النابلسي.
وأوضح طبيلة أن البلدية بالشراكة مع المؤسسات المختلفة، كرست جهودها لدعم المبادرات التي تعكس أصالة مدينة نابلس وتشجع القيم، خاصة لدى الفئات الشابة، آخذة بعين الاعتبار المواءمة بين الحداثة والأصالة وعدم إغفال الموروث الحضاري والثقافي.
من جانبه، استعرض الشيخ موسى الخراز أهم العادات التي تنفرد فيها نابلس، ومنها طبخ اللبن بالعكوب وصنع الكنافة النابلسية و"الشعبونية" وطحن القمح لصناعة القرشلة وإطعامها للأطفال.
واستذكر راعي كنيسة الروم الكاثوليك في نابلس الأب يوسف سعادة، في حديثه لـ"وفا"، طفولته في المدينة التي لجأ إليها من حيفا، قائلا: كنا أطفالا نأتي من رفيديا لجامع النصر في البلدة القديمة لنشارك في مسيرة الشعلة، كانت ذكريات جميلة نستمتع بما تقدمه فرقة الشيخ نظمي الصوفية.
وأضاف أن إعادة إحياء ليلة الشعلة في نابلس يحيي ضمير الإنسان وتراث مدينة نابلس لآلاف السنين الماضية، داعيا إلى المحافظة على التاريخ والتراث باعتباره الهوية والتاريخ الذي يعكس حقيقة وجودنا الراسخ في هذه الأرض.
ويقيم أهالي نابلس خلال شهر شعبان موائد واحتفالات، بما يطلق عليه "الشعبونية"، حيث يستضيف كبير العائلة بناته وأخواته وعماته وأبنائهن في بيته لعدة أيام، ويقدم لهن المأكولات والحلويات، وتجتمع كل الأسرة على مائدة شهر شعبان ويتبادلون الأحاديث والحكايا، ويتبادلون الأغاني القديمة التي تغنيها النسوة في الأفراح، إلا أنها مع مرور السنوات وازدياد أعباء وتكاليف الحياة، بدأت هذه العادة بالانحسار بين أهالي نابلس، وبات الأمر يقتصر على دعوة الأب لبناته وبناتهن وأخواته وعماته على وجبة الغداء ليوم واحد.