"أريئيل"... تصيب المطوي بمقتل
رشا حرزالله
لم يبق في وادي المطوي بسلفيت سوى أربعة مزارعين، من أصل عشرات، لا يعلم المزارع السلفيتي جمال الحمد عددهم بالضبط؛ تركوا أراضيهم لأنهم لم يستطيعوا تحمل المزيد، ومن بقي في أرضه كما يؤكد جمال لأنه "أدمن الرائحة كما أدمن الزراعة".
ولا يقصد الحمد رائحة الزعتر أو الميرمية، تلك الروائح التي عرفت عن فلسطين ووسمت بها وبتراثها، إنما هي رائحة مياه الصرف الصحي، ووجوده مع المزارعين الثلاثة يقتضي أن تعمل يد في الأرض والأخرى تكمم الأنف، كلما تشتد رائحة المياه العادة المنبعثة من مجرى الواد، الذي سببه المستوطنات المحيطة، بالذات مستوطنة "أرئيل" كبرى المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي سلفيت.
رغم اليد التي تعمل بكد، إلا أن مزروعات جمال تفقد نضارتها السابقة، فـ "النيماتودا" أو ما تعرف بـ "الديدان الاسطوانية" أتت على البقدونس والفاصولياء والملوخية بشكل كبير، خاصة مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، وازدياد تدفق مياه المستوطنات المحملة بالمواد الكيماوية.
"منذ فترة زرعت أرضي بعشرين شتلة، لكنها لم تنبت بسبب تملح التربة نتيجة مياه مجاري المستوطنات خاصة مستوطنة "أريئيل"، قال جمال ذلك بينما كان ينحني ليلتقط مزيدا من بقدونس بات الذبول واضحا على ورقاته.
وأضاف: "لم تعد ضمة البقدونس والملوخية خضراء يانعة كما في السابق حتى أشجار الزيتون، ذبلت بسبب مرض عين الطاووس الذي يظهر على الأوراق والثمار على شكل بقع سوداء داكنة".
"حتى نسمة الهواء باتت تؤثر على النباتات، في وادي المطوي لا هواء نقي، جميعه محمل بالمواد الكيماوية الخطرة، لكنهم مضطرون للبقاء لأن وجودهم هنا محافظة على الأرض التي ربما تلتهمها الجرافات الاسرائيلية في أية لحظة، كونها واقعة ضمن المناطق المصنفة "C".
"هؤلاء "الملعونين" يستغلون انشغالنا للقدوم هنا، قال الحمد، مضيفا: "يأتون ليضايقوننا، كما أن عينهم مفتحة على مخزون الماء هنا في خزان وادي المطوي".
قبل 30 سنه لم يكن المزارع في تلك المنطقة يستخدم أي نوع من الأدوية، لكن اليوم ونتيجة مياه المجاري، لم تعد التربة صالحة، وحتى مع استخدام جمال للأدوية والعلاجات، فالأمراض التي تسببت بها للتربة والمزروعات، أدت إلى تآكل العضويات في الأرض، وانعكس ذلك على الإنتاجية.
يعتب جمال على الجهات والمؤسسات الحكومية التي تصرف ميزانياتها على المؤسسات الأخرى، وتترك سلفيت في المواجهة وحدها، فغالبا ما تخبرهم مديرية زراعة سلفيت أنها لا تمتلك الإمكانيات الكافية من سماد وأدوية وبذور وغيره، وتعمل معنا وفق ما هو متاح لأن ميزانيتها محدودة، وتكتفي بإرشادنا بالكلام، رغم أن سلفيت محافظة زراعية.
وتساءل جمال بحسرة: "كيف يصرف على المؤسسات الأخرى ميزانيات ضخمة بينما نحن في سلفيت نعاني، رغم أننا بلد زراعي؟"
تحوي سلفيت نحو 99 نبعة مياه، معظمها تحت سيطرة الاحتلال؛ في فصل الصيف تقل نسبة المياه في المحافظة لذا غالبا ما تأتي دائرة مياه الاحتلال للكشف عنها.
مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية سلفيت أشرف زهد، قال إن مياه المجاري هذه تجعل من الحياة صعبة في تلك المنطقة، لأنها تؤثر على كافة مناحي الحياة، فهي تحتوي على مواد كيميائية و بيولوجية وكلاهما يتسببان بأمراض للإنسان والحيوان
وأضاف: "الأمراض التي أصلها كيميائي تكون بسبب المعادن الثقيلة أو المواد غير العضوية التي تدخل إلى نسيج التربة ومنها إلى النباتات، وتنتقل بعدها إلى الإنسان، مما يسبب له أمراض خطيرة منها السرطان والقولون، والبيولوجي التي سببها الكائنات الحيه الدقيقة التي تحدث أمراضا في الجهاز الهضمي وهذا ما نلمسه في قرى بروقين وكفر الديك.
كما أثرت مياه مجاري وادي المطوي على حياة البداوة، حيث أن الأبقار والأغنام تأكل من الأعشاب النامية في تلك المنطقة وتشرب من المياه هناك، وكل ذلك يتسبب بأمراض مسجلة لدى دائرة صحة سلفيت منها الأميبا والتهاب الكبد الوبائي وغيرهما.
وأوضح زهد أنه لوحظ في الصيف تكاثر لبعوضة "اللشمانيا" وتجمعها على مياه المجاري، وهي تصيب الجلد بنوع من الالتهاب، وتمتد على مساحة من جسم الانسان، وتعمل مضاعفات إذا لم يتم اكتشافها، وغالبا ما تستهدف الوجه، وهناك نسب عاليه من سكان سلفيت يصابون بها سنويا.
كما اشتكى عدد من المزارعين ومربي الأغنام والأبقار لدائرة الصحة من أن مياه مجاري المستوطنات أدت إلى حدوث حالات إجهاض للمواشي، وهذا لم يكن موجود قديما، الأمر الذي يتسبب لهم بخسائر وعدم تكاثر كما يجب للحيوانات، الأمر الذي يضطرهم إلى شراء الأدوية التي تثقل عليهم وهي نوعا ما مرتفعة السعر، حسب زهد.
منذ عام 1978 بدأت مستوطنة "أرئيل" بضخ مياهها العادمة إلى سلفيت، ومع الأيام حدثت ملوحة للتربة، الأمر الذي منع نمو بعض النباتات وموت العديد من الأشتال، إضافة إلى أن تجمع الخنازير البرية حول الوادي جعل سكان سلفيت والقرى المجاورة يعانون نتيجة ذلك خوفا وفزعا، ناهيك عن المنظر البيئي السيئ الذي يشوه جمالية المطوي.
24 مستوطنة إسرائيلية تلتهم معظم أراضي سلفيت، أبرزها "أرئيل"، التي تحوي جامعة، على مقاعدها نحو 25 ألف مستوطن ومستوطنة، وهناك مستوطنة "كفار تفوح"، وتجمع "بركان" الاستيطاني الصناعي، ويعد من أكبر التجمعات الصناعية الاحتلالية.
وعلى طول الطريق المؤدية للمدينة، ترى بشكل واضح حركة الجرافات الإسرائيلية، التي لا تكل ولا تمل لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية الجديدة.
يشير زهد إلى أن الحوض المائي في سلفيت يعد أكبر حوض في فلسطين التاريخية، حيث يمتد من سلفيت وينتهي في مصر وهذه معلومات لا يعرفها الكثيرون، تسرق "إسرائيل" من مياهه 95%، وتبيع منه للفلسطينيين ما نسبته 5% وهذه الكمية موجودة في آبار ارتوازية ضحلة لا تكفي سد احتياجات المدينة.
من المفترض أن يكون لسلفيت محطة تنقية ومعالجة منذ عام 1996، بعدما وافقت سلطات الاحتلال على المنطقة التي ستقوم به المحطة، لكنها عادت ورفضت المشروع لاشتراطها أن تكون هذه المحطة مشتركة تعالج مياه المستوطنات أيضا وهو ما رفضته بلدية سلفيت، كون هذا يعطي شرعية لوجود الاحتلال على أرضنا.
ونحن نهم بمغادرة المطوي، استدار المزارع جمال الحمد نحونا وقال بصوت مرتفع :"أخبروا الجهات المختصة أن عليها تشجيع الناس لتزرع وتفلح أرضها، خوفا من أن يأتوا هنا للاستجمام فيجدوا بيوت المستوطنين فوق أرضي.