خربة طانا صمود في وجه الاحتلال ولصوص الآثار
ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا واقع خربة طانا شرقي مدينة نابلس التي تشكو من ظروف معيشية صعبة في ظل ملاحقة إسرائيلية مستمرة من عمليات هدم للخيم والبركسات الزراعية ومصادرة صهاريج المياه، كان آخرها عملية هدم للمدرسة الوحيدة بحجة أن المنطقة تخضع للمناطق المصنفة (سي) حسب أوسلو. تبلغ مساحة الخربة 18 ألف دونم، صادرت قوات الاحتلال منها آلاف الدونمات وضمتها لمستوطنتي “ماخوراه” و”جعفات عوليم”، ويسكن في الخربة 30 عائلة من أهالي بيت فوريك، الذين يعتمدون في حياتهم على تربية المواشي التي يقدر عددها في طانا بحوالي 8000 رأس من الغنم.
سبب التسمية
سميت خربة طانا بهذا الإسم وفق معدة التقرير الصحفية عزيزة ظاهر، نسبة إلى أول شخص سكن المنطقة وكان يدعى “ظانا” ويحكى أن ظانا كان لديه 6 أبناء زوجهم جميعهم في يوم واحد وفي صباح يوم زفافهم ماتوا جميعهم دون معرفة السبب، وانتشرت قصته بين الأعراب، واشتهر ظانا بقصته الحزينة فأصبحت تعرف المنطقة باسمه بعد أن استبدل الناس القدماء حرف الظاء بالطاء لسهولة النطق، ومن يومها عُرفت بخربة طانا”.
منطقة عسكرية مغلقة
المؤرخ النابلسي عبد الله كلبونة يقول لمعدة التقرير أن أراضي خربة طانا هي جزء من أراضي بيت فوريك الممتدة حتى الأغوار المحاذية لنهر الأردن، وهي أراضي مملوكة لأهالي القرية بأوراق تثبت ذلك، إلا انه في أوائل السبعينات، تم إعلان منطقة طانا منطقة تدريب عسكرية مغلقة يحظر فيها البناء، بموجب قرار من وزير الجيش الإسرائيلي الأسبق “ايجال ألون” عام 1968 والمعروفة بخطة ألون الاستيطانية وتهدف إلى السيطرة على منطقة الأغوار كونها منطقة حيوية مع الحدود الأردنية، تم خلالها بناء عشرات المستوطنات في منطقة الأغوار والمناطق المحاذية لطانا التي تعتبر من أخصب الأراضي في المنطقة، إلا أن الاحتلال يستخدم أبشع أساليب القهر والتهجير لسكانها من هدم المساكن المسقوفة بالزينكو والبركسات الزراعية وإغلاق الكهوف التي يستخدمها السكان لإيوائهم من برد الشتاء وحر الصيف.
عيون المياه
يعتمد أهالي خربة طانا على عيون المياه الموجودة في الخربة في الشرب ويسقون أغنامهم منها ويقول إبراهيم عبد القادر الذي رافقنا في جولة في أنحاء الخربة :” في طانا نبعتان للمياه الأولى: عين طانا الفوقا والثانية: عين طانا التحتا، يستخدم السكان مياهها في ري أغنامهم واستخداماتهم اليومية عبر شبكة برابيش توزع على الأهالي، إلا أن المياه في شح متزايد مع مرور السنوات، فيبدو أن الاحتلال بحث عن مصدرها وقام بنقل الخطوط لمستوطناته القريبة فبالكاد تكفي المياه الأهالي.
وكانت المياه تتعرض لاعتداءات مستمرة من المستوطنين الذين يأتون للخربة بهدف الاستجمام والسباحة وتلويث المياه فكانوا يلقون فيها الأوساخ ويتبولون في المياه فاضطررنا إلى سقف برك المياه ومنعهم من السباحة فيها، وتمتد نبعة طانا الفوقا داخل نفق صخري يصل طوله إلى أكثر من 10 متر استطاع أن يدخله شبان من الخربة زحفا على بطونهم وصولا إلى مغارة امتدادها لا نهاية له، وأشار إلى انه تم إنشاء بركة سباحة في العين الفوقا بالتعاون مع بلدية بيت فوريك إلا أن جيش الاحتلال قام بهدمها قبل أسابيع.
بيت الشيخ مدرسة الخربة
بمجرد دخولك إلى الخربة تقع عيناك على البناء الوحيد الذي بقي قائما منذ 150 عام، وهو البناء الوحيد الذي بقي قائما في الخربة من الحجر، يأوي إليه الناس عندما تهدم بيوتهم وتصادر خيمهم، وقد شيد هذا المبنى من الحجر والطين، وحسب الثمانيني أبو سلمان فقد أقيم هذا المبنى إبان الحكم العثماني، واستخدم في حينه كمقر لجباية الضرائب، وبقي شامخا متحديا كل العوامل الزمنية الجوية والبشرية التي أحاطت بالخربة، وتعتليه سماعة لرفع الأذان وتحيط به المغر والكهوف من كل ناحية وتوجد أسفله فتحات وسراديب.
وقد تم تحويله مؤخرا إلى مدرسة بعد تكرار هدم مدرسة الخربة بالجرافات الإسرائيلية لأكثر من مرة، وتضم أربعة طلبة (بنتان وولدان) وجميعهم أخوة، بعد أن اضطر الأهالي لترحيل أبنائهم إلى مدارس بيت فوريك نظرا لعدم توفر جو دراسي مناسب. وفي ذات السياق أشار المدرس عبد اللطيف خطاطبة الذي مازال يشكل عنوانا للصمود منذ 11 عاما في تدريس أطفال طانا، إلى انه بعد أن تم هدم المدرسة وتحويل الدراسة إلى بيت الشيخ، زادت معاناة الطلبة لعدم توفر مياه للشرب ومرافق عامة لقضاء الحاجة الأمر الذي أدى إلى ترحيل أكثرهم لمدارس بيت فوريك”.
معالم أثرية بأيدي اللصوص
إضافة إلى بيت الشيخ، تزخر طانا بمعالم أثرية هامة تعود إلى العصر الروماني، يقول المواطن الستيني أبو إياد: “تحتوي الخربة على آثار تدل على أن المنطقة كانت مملكة في الزمن الغابر، تدل عليها المباني الحجرية التي هدمت بفعل عوامل الزمن، إضافة إلى وجود محكمة وهي كهف كبير داخله تفرعات كثيرة وممرات طويلة وفي سقفه فتحة كبيرة منحوتة بإتقان وفي داخلها مشنقة كانت تستخدم لتنفيذ أحكام الإعدام، وتحتوي على قبور أثرية.
وبين محمود البيراوي مدير دائرة آثار نابلس أن طانا تضم معالم بركة رومانية قديمة بقي منها بقايا جدار كانت تمر عبرها قناة مياه استخدمها الرومان عدا عن الآبار الرومانية القديمة والكهوف والمغر المنحوتة بالصخر. وتطرق البيراوي إلى أن خربة طانا من أكثر المناطق الأثرية التي يستهدفها لصوص الآثار ويجرون فيها حفريات على مستوى عميق بهدف التنقيب عن آثارها، وأحيانا يعثرون على دفينات ثمينة وقطع فخارية وزجاجية تعود إلى حقب وعصور قديمة إضافة إلى العملات التي يبيعونها إلى سماسرة الآثار الإسرائيليين واغلبها توضع في المتاحف الإسرائيلية، وإذا تمت ملاحقتهم والقبض عليهم يتم مصادرتها منهم وتحويلهم إلى القضاء العام.
دور الشرطة السياحية
من جهته يقول ضابط الآثار في الشرطة السياحية في نابلس الملازم أول مهند زامل:” من أبرز المشاكل والعراقيل التي تواجهنا في عملنا، وجود الحفريات والتنقيبات الأثرية في المناطق المصنفة سي والواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية إذ يلزمنا تنسيق أمني مع الاحتلال الإسرائيلي لدخول المنطقة وملاحقة لصوص الآثار، وفي الغالب يتم رفض التنسيق، الأمر الذي يسهل على لصوص الآثار عملهم، وفي إحدى المرات قمنا بملاحقتهم والقبض عليهم أثناء التنقيب وتم ضبط حوالي 72 قطعة زجاجية وفخارية وعملات قديمة قمنا بمصادرتها ومصادرة معدات الحفر وتحويل لصوص الآثار إلى القضاء العام إلا أن القوانين والأحكام غير رادعة، ويتابع زامل ” في احد الأيام قمنا بعملية مداهمة لمجموعة كبيرة من اللصوص في طانا كانوا ينقبون عن آثار وقطع فخارية حال وصول التبليغ بذلك دون تنسيق امني مع الاحتلال، وعند وصولنا قاموا بالاعتداء علينا وضربنا بمعداتهم الثقيلة ومهاجمتنا بطريقة بشعة، وقد تعاون رعاة الأغنام معهم ضد عناصر الشرطة”، وبين زامل أن الكثير من الخرب الفلسطينية تتعرض للتنقيب المستمر عن الآثار مثل خربة تل الفخار القريبة من بيت دجن وخربة فقاس وخربة الجعوانة وغيرها، وجميعها تخضع للسيطرة الإسرائيلية.
مسار سياحي
وعن دور دائرة الآثار ووزارة السياحة في تعزيز صمود أهالي خربة طانا، أكد البيراوي أن طانا من المواقع الأثرية المهمة التي تسعى وزارة السياحة إلى تفعيلها سياحيا من خلال خطة تم وضعها بالتعاون بين دائرة الآثار ومؤسسات المجتمع المدني والمحلي، لتسيير مسار بيئي يصل بين بلدة بيت فوريك وخربة طانا لتشجيع السياحة الريفية في منطقة طانا، في محاولة لتسليط الأنظار وتوجيهها نحو طانا وتشجيع السياحة الريفية في المنطقة، لتعزيز صمود أهل طانا في المنطقة وتثبيتهم في أراضيهم.
خلايا شمسية تنير طانا
نفذ مركز بحوث الطاقة في جامعة النجاح الوطنية وبالتعاون مع مؤسسة سيبا الاسبانية مشروع إنارة في خربة طانا يعتمد على نظام الخلايا الشمسية اللامركزية، وحول هذا المشروع تحدث الدكتور عماد بريك مدير المركز قائلا:” استهدف المشروع 15 خربة موزعة في أنحاء الضفة الغربية وقد شمل خربة طانا فتم تزويد 14 عائلة تسكن الكهوف بشكل دائم بخلايا شمسية، إضافة إلى مشروع نقل للمياه من العيون الموجودة بالمنطقة إلى السكان للاستفادة منها.
وقد ساهم مشروع الخلايا الشمسية بشكل كبير في تثبيت المواطنين في أراضيهم وشجعهم على الاستقرار والتواجد في الخربة والحد من هجرتهم، ويوضح بريك أن المشروع يواجه إشكاليات مع جيش الاحتلال الذي يرى أن التطور في هذه التجمعات يشكل صموداً وتثبيتاً للسكان فيها التي يعمل على ترحيلهم منها، وأكد على أن المشروع سيستكمل خلال الأشهر القادمة لتزويد بقية العائلات بخلايا شمسية، لتمكينهم من الاستمرارية في البقاء على أراضيهم.”
زراعة بأسمدة عضوية
يعتمد أهالي طانا على الزراعة واهم المحاصيل التي يزرعونها القمح والشعير لتسد حاجة مواشيهم وأغنامهم من الغذاء، يقول المزارع إبراهيم أبو محمود الذي يملك 270 رأس من الأغنام “استغل الأرض بزراعة محاصيل القمح والشعير لتوفير طعام للمواشي إلا أن المحصول هذا العام لم يكن ناجحا بسبب الجفاف وقلة الأمطار مقارنة مع الأعوام السابقة”. مؤكدا على ضرورة التفات المسؤولين للمزارع في طانا ودعمه في توفير جزء من الأعلاف التي يزداد سعرها يوما بعد يوم، وتوفير البذور اللازمة للزراعة للتخفيف عن المزارع.
من جهته أكد الثمانيني أبو سلمان أن طانا تتمتع بتربة خصبة صالحة للزراعة كونها مسمّدة عضويا بروث وزبل الحيوانات فهم لا يحتاجون إلى استخدام الأسمدة الكيماوية، إضافة إلى وجود المياه، فهو يقضي جل وقته في زراعة أرضه بالنباتات والخضروات التي تكفيه لسد حاجة عائلته، إضافة إلى زراعة أشجار التين والتوت التي هي الأخرى مستهدفة إسرائيليا ويتم تجريفها باستمرار من الجيش الإسرائيلي، فهم يقلعون ونحن نزرع كما يقول أبو سلمان، ويضيف” أن الشجرة هي اكبر سلاح نقاوم به جرافاتهم، فعلى أهالي طانا جميعهم أن يزرعوا الأشجار أمام كهوفهم فوجودها يعزز وجودنا ويثبت لنا ملكية أراضينا”.
محميات رعوية
نفذ مركز أبحاث الأراضي بدعم من مؤسسة اوكسفام البلجيكية مشروع المحميات الرعوية في طانا، بين محمود الصيفي المهندس الزراعي المشرف على المشروع أنه استهدف طانا منذ أربعة شهور بخمس محميات رعوية على مساحة 300 دونم تم تسييجها وزراعتها بشجيرات الاكاسيا والمورينغا والسدر، والأراضي جميعها ملكية عامة، وتم توزيع صهاريج مياه في جميع المحميات ويتم ريها مرتين في الشهر، ويهدف المشروع إلى تأمين مناطق رعوية في طانا تكون جاهزة بعد 3 سنوات، ستساهم في تخفيف العبء عن المزارع من خلال استغنائه عن شراء الأعلاف.
ولفت إلى أن المشروع استهدف الخرب والتجمعات السكانية الموجودة ضمن المناطق المصنفة (سي) مثل خربة الطويل قرب عقربة وخربة النجادة شرق يطا، في خطوة لتعزيز وتثبيت صمود المواطن والمزارع في أرضه”.
مكب نفايات بيت فوريك مكرهة بيئية
على الطريق الواصل بين بلدة بيت فوريك وخربة طانا وعلى بعد 3 كم من طانا، تنتشر أطنان من نفايات بيت فوريك إضافة إلى إطارات السيارات التي يتم التخلص منها بحرقها، الأمر الذي يسبب تلوثا بيئيا يضر بأهالي المنطقة جراء تصاعد السنة الدخان، وبحسب المزارع عبد القادر فالمكب يشكل ضررا كبيرا على المواشي التي تأكل أكياس النايلون المتبعثرة على أطراف المراعي ما يؤدي إلى موتها في أحيان كثيرة، ناهيك عن تسبب الشرر وألسنة اللهب المتطايرة إلى امتداد النيران إلى قمم الجبال وحرق مساحات شاسعة منها والقضاء على النباتات الرعوية، أضف إلى ذلك أن وجود المكب لا يشكل واجهة حضارية لمدخل خربة طانا، وقد طالب بلدية بيت فوريك بضرورة إيجاد بديل وحل سريع لهذا المكب.
دور بلدية بيت فوريك
بعد مناقشة مشكلة المكب معه وعد الحاج عارف حنني رئيس بلدية بيت فوريك التي تتبع لها خربة طانا، انه سيتم النظر قريبا بإيجاد حل لمشكلة المكب كأن يتم طمر النفايات في الوادي العميق الموجود في أسفل الطريق الواصلة بين البلدة وخربة طانا بدلا من حرقها إلى أن يتم إيجاد حل دائم لمشكلة المكب، وحول دور البلدية في تعزيز صمود أهالي خربة طانا، أكد حنني أن العمل جارٍ على قدم وساق في سبيل تعبيد الطريق الواصل بين بيت فوريك وخربة طانا للتسهيل على المواطنين، إضافة إلى إعادة تأهيل المغر والكهوف والآبار الرومانية في طانا قبل حلول الشتاء القادم كخطوة داعمة في سبيل تعزيز صمود أهلها وتثبيتهم في مواقعهم وأراضيهم، لافتا إلى انه تم ترميم وتأهيل 46 بئراً رومانية قديمة سعتها تتراوح بين (40-50) كوباً.
ويرى أن حل مشكلة المكب لا يكون بالدعم المادي فقط، فأهالي الخربة عانوا الكثير وصمدوا بقوة في وجه اعتداءات الهدم المتكررة، فالأمر بات بحاجة ماسة إلى حلّ قانوني بالضغط الدولي على الإسرائيليين، عبر السماح للأهالي بإنشاء غرف وبركسات زراعية وضمان عدم التعرض لهم”.