حسن بك: وعي مبكر بأطماع الصهيونية في فلسطين
يافا : بفضل رجل تنبه مبكرا للأخطار الصهيونية المحدقة بالأرض الفلسطينية، يمكن للسائر على كورنيش شاطيء يافا ان يرى مسجدا صامدا كرمز عربي، وسط الفنادق والمنشئات اليهودية، فيما كان يعرف يوما ما حي المنشية اليافي.
وتعرض هذا الشاطيء، الذي يعد الان احد انظف الشواطيء في العالم، بسبب الاهتمام الاسرائيلي به على مدار الساعة، الى هجمات متتالية عصفت بفضائه العربي، بعد هدم حي المنشية وتشريد سكانه الفلسطينيين، لذا يكتسب وجود المسجد الذي يحمل اسم (حسن بك)، وبني عام 1914، رمزا مهما.
ويعود الفضل لحسن بك بصري الجابي الدمشقي، الحاكم العثماني ليافا عام 1914-1917م، في بناء هذا المسجد، فهذا الرجل، الذي تشير مصادر عدة الى صفاته الايجابية التي تميز بها، على عكس كثيرين من القادة العثمانيين المحليين، تنبه مبكرا الى المخاطر الصهيونية، وحارب النشاط الصهيوني، والهجرة اليهودية، وهو ما جعله يوصف في الادبيات الصهيونية المتداولة حتى الان بـ "طاغية يافا"، واتهمته الحركة الصهيونية باستخدام الاساليب "الحديدية" في التعامل مع عناصرها، مثل اعتقال افرادها وطردهم خارج البلاد. والاشارة هنا الى مطاردته للعناصر الصهيونية التي تحمل جنسيات اجنبية وطردها.
وقد يكون من العجيب، ان الصور التي نشرتها مكتبة الكونغرس لحسن بيك، والتي التقطها مصورو الكولونيالية الاميركية في القدس اسم (طاغية يافا).
وحسب بعض مؤرخي الحركة الصهيونية، فان حسن بك، رأى في نشطاء الحركة الصهيونية في فلسطين، وكلاء لدول اجنبية لتنفيذ مشاريع انفصالية.
وعندما رأى تمدد الحي اليهودي في يافا، النواة التي شكلت مدينة تل ابيب الحالية، قرر بناء مسجده، لوقف هذا التمدد باتجاه يافا.
وفي عام 1921، قدمت المنظمة الصهيونية في لندن تقريرا بعنوان "فلسطين خلال الحرب"، للمؤتمر الصهيوني الثاني عشر، جاء فيه بان حسن بك: "كان أقسى من جميع المسؤولين الاتراك"، واشار التقرير الى ان حسن بك، لم يتورع من ان يقود بنفسه حملات مداهمة بعد منتصف الليل، لاعتقال نشطاء صهاينة.
وقد يكون من العجب ان ما تضمنه التقرير في وصف مساويء حسن بك من وجهة نظر صهيونية، يتطابق مع ما تمارسه قوات الاحتلال الاسرائيلي الان، خلال عمليات دهم المنازل الفلسطينية واعتقال المواطنين.
وزعم التقرير أن حسن بك اجبر الكثير من اصحاب الممتلكات على التنازل عنها، والتوقيع على وثائق تفيد بذلك، لأغراض تجميل المدينة، بدون مسوغ، في اشارة الى ان ذلك احد اساليبه في محاربة النشاط الصهيوني.
وحسب مصادر صهيونية معاصرة، فان حسن بك، كان يطلب المال باستمرار من المؤسسات اليهودية، من اجل تشييد مشاريعه العمرانية بما فيها مسجده، ومدارس اخرى، وان اللجان الممثلة لليهود كانت تبدي حماسة لذلك كي تتجنب غضبه.
وما بقي من حسن بك الان، هو المسجد الجميل الذي يحمل اسمه، واصبح يقع بين يافا وتل ابيب، وان كان على المستوى البعيد فشل في منع تمدد تل ابيب جنوبا، الا انه بقي، رغم العداء الصهيوني له والذي ما زال مستعرا حتى الان، وبعض تجليات هذا العداء لا يقتصر على سلسلة الاعتداءات التي تعرض لها مسجده الصامد وسط مجموعة من افخم الفنادق الاسرائيلية، ولكن الاستمرار في اغتيال شخصيته من خلال ترويج الحكايات عن "بطشه" و"ظلمه".
الف