موزع الابتسامات في نابلس
زهران معالي
تفتقد مدينة نابلس خلال ساعات النهار الأولى يوميا منذ بداية شهر رمضان، جزءا من تفاصيلها، واحد من الذين لم يتواجدوا في ميادينها هو أحمد بشكار، الذي يمكن مشاهدته على مدار أيام السنة من قبل المتجولين وسط المدينة أثناء سعيهم إلى أعمالهم.
في ميدان الشهداء وسط مدينة نابلس، يشد سمع المارين معزوفة موسيقية يوميا تعدل مزاجهم وتزين صباحاتهم، موحدة الأداء ومضبوطة الإيقاع دون قائد، فكل بائع للقهوة على الدوار هناك صانع للموسيقى، والابتسامة.
حامل دلة القهوة بيده اليسرى، ويداعب بإبهام وسبابة يده اليمنى فناجين معدنية يطرب على إيقاعها المارين، مناديا "دمعة..دمعة" بابتسامة لا تفارق شفتيه، يقف بشكار (29 عاما) منذ أربع سنوات في ميدان الشهداء ليبيع القهوة السادة والحلوة.
بشكار عرف بين بقية بائعي القهوة وسط نابلس وسكان المدينة بأنه موزع الابتسامات، فكل من عرفه في هذا الشارع عرف ابتسامته، التي تكاد لا تفارق شفتيه، كان ينطلق مثل كل الباعة عند الساعة الرابعة فجرا من بيته لعمله.
يوميا، يصطف نحو 100 من محبي المعشوقة السمراء عند موزع الابتسامات قبل توجههم للعمل، بعضهم ذات مزاج سيء يعدله بالابتسامة التي تغير مزاجهم، قال بشكار.
يستمر أحمد في عزف موسيقاه بطرق فناجينه المعدنية، مرتديا قبعة تقيه من حر الصيف وعدسات طبية، في توزيع قهوته بوجه بشوش في ميدان الشهداء حتى الثامنة صباحا، ثم ينتقل لينثر الابتسامة في شوارع المدينة، التي اعتادت على ابتسامته ولمع صيته في بيوت العزاء فيها.
يقول أحمد "يطلبوني في بيوت العزاء لابتسامتي، ولكوني نشيط وقهوتي طيبة. (...)، هذا سر إقبال الناس علي لتقديم القهوة في بيوت العزاء في المدينة".
إلى جانب عمله في بيوت العزاء، يكون أحمد متواجدا في الأفراح وافتتاح المحلات التجارية في المدينة لتقديم القهوة للمهنئين، حاملا شعار "اضحك للدنيا الدنيا تضحك لك".
أحمد الذي بدأ مسيرته العملية في سن السادسة في بيع الحلويات والترمس في الأفراح وبيع مواد التنظيف، تزوج بعد شراء منزل في أحد أحياء نابلس وأنجبت زوجته طفلا أسمياه ياسر، ولم يكن عمله في بيع القهوة مفاجئا، فهو سليل عائلة تعمل في هذه المهنة، فوالده يعمل ببيع القهوة منذ 50 عاما.
قبل فترة قصيرة، اشترى أحمد مركبة مناسبة لعمله، ويواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي أحيانا أثناء توجهه لعمله فجرا، ما يضطره للبحث عن طرقا أكثر أمنا من شرهم، كونه أسير أمضى أربع سنوات في سجون الاحتلال.
رغم طفولة أحمد المصبوغة بالشقاء والتعب والبحث عن لقمة العيش في دروب من الشوك واضطراره لترك المدرسة في سن الثالثة عشرة والعمل في عدة محلات لبيع الملابس، إلا أن البسمة لا تفارقه حتى في أحلك الأوقات وفق قوله.
ومهنة بيع القهوة في دلال معدنية، هي مهنة معروفة ليس في نابلس فقط، وإنما في بقية المدن الفلسطينية، وأيضا في دول عربية ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية قريبة من فلسطين، كل هؤلاء غالبا يمكن رؤيتهم في مراكز المدن ومداخلها.
في قاع نابلس ومركزها التاريخي والأثري والتجاري يمكن رؤية هذا الإنسان الفلسطيني، وهو يسعى ليس فقط لبيع القهوة المرة، إنما لتوزيع الابتسامات الحلوة كما يراها كل من يعرفه.