بلد الينابيع عطشى..
زهران معالي
حاملة سلة زجاجات فارغة بيدها اليسرى وممسكة بزنار ثوبها السلفيتي بيدها الأخرى، تضطر السبعينية حفيظة عبد الجبار، لسلك طرق وعرة ومنحدرة منذ بداية شهر رمضان المبارك، للوصول للعين القبلية في سلفيت لتعبئة المياه، بعد أن تعمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقليص كميات المياه الواصلة لمحافظات شمال الضفة الغربية.
فتحت صنبور مياه العين وبدأت تملأ الزجاجات بالمياه العذبة، حالها كحال أهالي المدينة، وعادت بذاكرتها لسنوات خلت، متحدثة لـ"وفا": "الاحتلال أعادنا خمسين عاما للوراء بقطع المياه عن المحافظة، مياه البلدية غير متوفرة ولا تصل بالشكل الكافي لعائلتي، ونحن في حاجة للمياه، لا بد من توفرها خاصة في شهر رمضان الكريم لتروي عطش الصائم وتقي حر الصيف".
وتوضح عبد الجبار أن الناس يضطرون للتزود من مياه الينابيع بعد صلاة العصر وقبل موعد الإفطار؛ كما كان الحال سابقا؛ حيث كانت النساء تقف طوابير لتعبئة المياه من عدة عيون وهي "العين القبلية، والمطوة وفريزة، والنطف" وغيرها الكثير والتي أقدمت سلطات الاحتلال على سرقة مياهها.
ورغم وجود قرابة مئة ينبوع من المياه في سلفيت وتربعها على حوض المياه الغربي الذي يعتبر الأكبر في الضفة الغربية، إلا أن سلطات الاحتلال تمنع المواطنين من حفر آبار ارتوازية، وتتحكم في مصدر حياتهم، في الوقت الذي ينعم به المستوطنون خاصة في "أرئيل" بالمياه.
المواطنة أم حافظ تحضر برفقة زوجها وولديها يوميا لتعبئة المياه من العين القبلية، قالت "نملأ 20 زجاجة من المياه يوميا، نضطر لغسل أواني الطعام والاستحمام باستخدام زجاجات المياه، كنا العام الماضي بألف نعمة".
وتضيف أن مأساة المواطنين بعدم توفر آبار جمع للمياه في منازلهم نتيجة جغرافية المدينة.
بدوره، قال مدير دائرة المياه والصرف الصحي في بلدية سلفيت صالح عفانة لـ"وفا"، إن سلطات الاحتلال أقدمت في 4 حزيران الماضي على قطع المياه بشكل مفاجئ لمدة 24 ساعة ودون إنذار، إلا أنها أعادت ضخ المياه بكميات لا تتجاوز 35% من الكميات التي تحتاجها البلدية.
وأكد أن البلدية تزود مدينة سلفيت وقرية فرخة وخربة قيس بالمياه، وتحتاج يوميا إلى 2500 متر مكعب من المياه، إلا أن سلطات الاحتلال قلصت تلك الكميات إلى 800 متر مكعب فقط، الأمر الذي أدى لأزمة حقيقة تهدد 20 ألف مواطن، خاصة في شهر رمضان المبارك.
وأوضح عفانة أن البلدية شكلت لجنة طوارئ لإدارة أزمة انقطاع المياه، حيث تم تقسيم المدينة إلى ثلاث مناطق (الشمالية والوسطى والجنوبية) إضافة إلى قرية فرخة وضاحية خربة قيس، بحيث يتم تزويد كل منطقة بالمياه ليوم واحد، وتم تزويد بعض المنازل بصهاريج مياه نتيجة عدم وصول المياه بسبب جغرافية المدينة.
وأشار إلى أن البلدية ناشدت المواطنين بترشيد استهلاك المياه، وتركيب خزانات إضافية في المنازل لتخزين المياه لعدة أيام.
وقال عفانة، "لا يمكن أن نكون فوق أكبر حوض مائي ونعاني من العطش، قدمنا عدة حلول لكي لا نبقى تحت رحمة الاحتلال، فالمستوطنات تنعم بالمياه على مدار الساعة، قدمت البلدية للحكومة الفلسطينية منذ 1997 حتى اليوم أكثر من 15 طلبا لحفر بئر مياه ارتوازي للمدينة؛ إلا أن الإجابة واضحة بأن الاحتلال يرفض السماح بحفر أي بئر في الحوض الغربي".
ولا يخفي عفانة تخوفات البلدية من انتشار الأمراض نتيجة نقص المياه وقلة الاستحمام خاصة لدى الأطفال وكبار السن، بالإضافة لجفاف المحاصيل الزراعية، ولتأثر مصانع الحجر والباطون اقتصاديا وتراجعها، لعدم مقدرة البلدية على توفير المياه لتلك المصانع.
من جهته، أوضح الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي لـ"وفا"، أن محافظة سلفيت تحتوي على 99 ينبوعا وتقع فوق الحوض الغربي الغزير بالمياه وهو أكبر حوض للمياه في الضفة الغربية، ومع ذلك تقوم سلطات الاحتلال بتعطيش هذه المدينة وسلب مياهها وتزويد المستوطنات بها.
وأوضح أن المواطن في سلفيت يستهلك يوميا 80 لترا من المياه إلا أن الأزمة الأخيرة أدت لتقليص الكمية إلى 20 لترا، في حين يستهلك المستوطنون في مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي المدينة عشرات الأضعاف.
وأضاف معالي، "في الوقت التي تمنع فيه دولة الاحتلال حفر آبار ارتوازية في محافظة سلفيت تقوم بحفر آبار لصالح المستوطنات كالبئر الارتوازي قرب قرية مردة الذي يغذي مستوطنة "أرئيل"، مؤكدا أن الثروة المائية في سلفيت تستغل للاحتلال في تل أبيب".
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال استغلت الثغرة في اتفاق أوسلو الذي رحل مشكلة المياه لمفاوضات الحل النهائي، وقامت بالتلاعب بنسب وكميات المياه في شمال الضفة الغربية.