"سبعينية" في المدرسة الابتدائية
فاطمة إبراهيم
قبل شروق الشمس تتحضر النساء في بلدة جبع جنوب جنين للذهاب الى الأراضي الزراعية لجني محصول الزيتون، فتراهن يمسكن صرة الطعام، وبعض مفارش الزيتون، ويركبن في الصندوق الخلفي "للمجارير" الزراعية، لكن عريفة ملايشة المرأة السبعينية، اختارت أن تبدأ نهارها بشكل مغاير، فهي تمسك كيسا صغيرا بلون زهري، تضع فيه قلما ودفترا وتتجه مسرعة نحو المدرسة الابتدائية في البلدة، كي تنتظم في صفوفها وتتعلم القراءة والكتابة.
قبل 3 سنوات التحقت عريفة ببرنامج محو الأمية الذي نظمته مديرية تربية جنين في قرى وبلدات المدينة، وضم في تلك الفترة 25 سيدة صنفن "الأقل حظا" في التعليم داخل المجتمع الفلسطيني الذي وصل عدد الأميين فيه لعام 2011 حوالي 120 ألف شخص وفقا لإحصائية الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
في كل يوم مدرسي، تقطع عريقة طريقا طويلا معبدا بالحجارة من بيتها إلى المدرسة ذهابا وإيابا، حاملة دفترها الصغير وقلم رصاص، يجاورها في الطريق زميلات مقاعد الدراسة اللاتي يصغرنها بأكثر من سبعة عقود، يسلمن على بعضهن وتضحك معهن، وما أن تصل إلى ساحة المدرسة حتى تهلل وجوه المعلمات مرحبة بها، تسايرهن عريفة قبل التوجه إلى غرفة الصف وبدء حصة اللغة العربية التي لا ينتهي عادة إلا بأنشودة ترددها الصغيرات لزميلتهن المسنة.
تقول عريفة: "بدأت أقرأ الأحرف الكلمات، وشيئا فشيئا أصبحت أجيد القراءة والكتابة، والآن أسعى للتعلم أكثر كي أتخطى أي صعوبة تواجهني في القراءة أو حتى في المواد الدراسية الأخرى".
وترى أنها لو تمكنت من الدراسة في سن مبكرة لكانت موظفة اليوم تتلقى راتبا، ولكان لها قرارها الخاص، وتضيف: "ألا تعرفون ان للمرأة حقوقا تشارك بها الرجل في كل المجالات سواء المجلس التشريعي أو البلدي أو حتى في المؤسسات الخاصة".
تعيش ملايشة وحيدة في منزلها المكون من غرفة واحد آيلة للسقوط منذ أكثر من 20 عاما، إذ رحلت عن الدنيا والدتها التي حالت رعايتها والعناية بها دون ارتباط عريفة بزوج، في حين قاطعها أخوتها العشرة، وابتعد عنها أهل القرية وأعتبرها بعضهم "متخلفة عقليا"، ولا يسأل عن حالها أي قريب أو بعيد سوى من جاورها في المسكن.
تقول:" لو عاد بي الزمن لكنت تزوجت بأي طريقة، كي لا أبقى وحيدة، اليوم لا أحد يزورني أبدا، أعيش من مخصصات الشؤون الاجتماعية والتي تصرف لي كل 3 أشهر، لكن إخوتي لا يتعرفون علي، تمر الأعياد ولا أرى أحدا منهم. لا أحد يهتم بي سوى جيراني فقط".
وعلى الرغم من ظروف معيشتها الصعبة، إلا أن حلمها يتجاوز تعلم القراءة والكتابة إلى دخول عالم التكنولوجيا، إذ باتت تتقن استخدام الهاتف النقال، وبدأت تتعلم أساسيات التعامل مع الحاسوب، لتتمكن من أداء دورٍ إيجابي في مجتمعها خلال ما تبقى في عمرها من سنين.