تناقضات رؤية د. فياض
كتب المحرر السياسي لـ"وفا":- قدّم د.سلام فياض في اللقاء الذي نظمه مركز مسارات في 11 تموز الحالي، ما أطلق عليه "رؤية سياسية" جاء فيها إن المطلوب هو برنامج مرحلي يمكن أن يجمع شمل الفلسطينيين ونظامهم السياسي ويوفر شروطا أفضل، سواء لمقاومة الاحتلال أو لأية عملية تفاوضية قادمة مع إسرائيل.
وقبل الخوض في مضمون هذه الرؤية الجديدة، فإنه لا بد من الإقرار بحق كل مواطن فلسطيني في أن يطرح ما يعتقد أنها وجهة نظره للخروج من واقع الانقسام وطي صفحته السوداء من تاريخ شعبنا.
ومن دون شك أن د. فياض الذي كان جزءا من صياغة المشهد السياسي والوطني الفلسطيني الراهن حيث كان رئيسا للوزراء ووزيرا للمالية، ومن ورائه الذين أصبحوا يقفون بعد خروجه من المشهد السياسي والوطني قد بذلوا جهدا كبيرا في نبش الوثائق الوطنية، سواء تلك المتعلقة ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية أو وثائق الوفاق والمصالحة الوطنية، لأن معظم المواقف المبثوثة في ثنايا رؤية فياض الجديدة هي في واقع الأمر جزء من أدبيات ووثائق برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، وبالتالي فإن الأمر الذي يثير الدهشة ويستدعي الشكوك هو تجاهل الدكتور فياض للجهة التي وضعت نصب عينيها تدمير الإنجازات الوطنية الكبرى التي حققها شعبنا وقواه المناضلة بهدي هذا البرنامج.
لقد كان على د. فياض أن يتحلى بالموضوعية، وأن يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وليس اللجوء إلى التعمية والتورية، وبالتالي التضليل خاصة أنه تقلد منصب رئيس الوزراء إثر الانقلاب الذي نفذته حركة "حماس" على السلطة الشرعية، وهو قبل غيره يعلم، ويعرف المرارات التي نجمت عن هذا الانقلاب والتداعيات المدمرة التي جلبها على شعبنا وأرضه ومؤسساته/ ومن باب التذكير فقط فإن د.فياض كان صاحب وصف "حماس" بعد انقلابها الدموي، بأنها "جماعة مناوئة للمشروع الوطني الفلسطيني".
إن قفز د. فياض عن هذه الحقائق التي عاشها وعايشها عن كثب، لم تسقط سهوا، وهو ما يستدعي السؤال، لماذا جاء برنامج د.فياض المرحلي محملا بكل هذه الحمولة من التسامح تجاه الانقلاب وتداعياته؟.
إن رؤية د. فياض الجديدة صيغت من داخل وقلب اللعبة الإقليمية والدولية التي كانت وراء الانقلاب ودعمته، والتي لا تنطلي على الشعب الفلسطيني الذي تمرس في النضال الوطني ويميز بدقة بين الغث والسمين.
إن معيار الحكم على أي برنامج سياسي يتمثل أولا وأخيرا، في مدى تعبيره عن مصالح وحقوق شعبنا الوطنية، وفي حفاظه ودفاعه عن استقلالية قرارنا الوطني وعدم ارتهانه لقوى خارجية سواء كانت إقليمية ودولية تحت أي ذريعة.
لقد دفع الشعب الفلسطيني أثمانا باهظة من دماء آلاف المناضلين من أبنائه، واستغرقت ثلاثة أجيال منهم، لاستعادة هويتنا الوطنية، وإنقاذها من خطر الشطب، وإعادة فلسطين إلى خارطة العالم تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها.
إن الصعوبات التي اصطدم بها برنامجنا .. برنامج حق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كثيرة ورافقته منذ بدايته، لكنها لا تشكك بأي حال من الأحوال بصحته وسلامته، بل تفرض على القوى الوطنية الفلسطينية رص صفوفها، وتشديد كفاحها من أجل تحقيقه.
إن رؤية د. فياض تكشف عن مهارته في القفز من خندق لآخر، والانتقال بخفة من مواقع العداء والخصومة إلى مواقع التحالف ومغازلة طرف بعينه، ما يدلل أن الأطراف الفلسطينية التي قدمت من خارج أتون النضال الوطني محملة على أجنحة مشاريع إقليمية ودولية وعابرة للوطنية الفلسطينية تجمعها مصلحة واحدة بالرغم مما يبدو تناقضا بينها، وهي العداء لمن يمثلون الإرادة الوطنية الحرة للشعب الفلسطيني، ويذودون عن قراره الوطني المستقل.
وخلاصة القول:
1 – إن ما طرحه د. فياض محاولة فاشلة للقضاء على الهوية الوطنية التي جسدها كفاح الشعب الفلسطيني لعشرات السنين.
2- إن العودة للحديث عن الهدنة ودولة ذات حدود مؤقتة يعني ببساطة التنازل عن القدس، الأمر الذي سيؤدي إلى تهويدها.
3 – أما الحديث عن سياسة التمكين، فهذا أسلوب حركة الإخوان المسلمين، والذي أدى إلى الفوضى والدمار الحالي على الأرض العربية.
4 – أما المطالبة بعدم التمسك بمبادئ الرباعية حسب د. فياض، فإن ذلك يدعو إلى السخرية لأن هذه المبادئ الظالمة هي ذاتها التي أفضت بالأوضاع إلى وضعها الراهن.
5 – إن دعوة د. فياض إلى إطار قيادي موحد هي بلا شك انسجام مع دعوات عديدة لخلق بديل عن م.ت.ف، والأمر الذي سيؤدي إلى ما ترغبه حماس من إفشال للمشروع الوطني، إلى جانب تحقيق ما فشلت فيه إسرائيل عبر حروبها الطويلة مع الشعب الفلسطيني في القضاء على الإطار الوحيد الذي جمع الشعب الفلسطيني، وحافظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وهو الذي أدى إلى اعتراف عربي ودولي وعالمي بحقوقنا وبأهدافنا وشعاراتنا وثوابتنا الوطنية.
إن الحديث عن صيغ جديدة "خلاقة" ملتبسة يطرب أعداء الشعب الفلسطيني، خاصة إذا كان الهدف منها الالتفاف على الثوابت الوطنية الفلسطينية أو تقويضها، وبالتالي طمس القضية الوطنية برمتها.