موزع الصحف "الثائر"
بسام أبو الرب
حامد ضواية (43 عاما) موزع صحف، يصحو كعادته منذ العام 1988 فجرا ويذهب الى عمله لإيصال الصحف إلى مشتركيها، فهو لم يغب إلا اياما عن احياء مدينة نابلس الغربية والمركز التجاري، لأداء فريضة العمرة، يضاف لها أيامه العشرة بعد اعتقاله من قبل قوات الاحتلال.
ضواية الذي يمارس عمله كموزع صحف في مدينة نابلس منذ 28 عاما، تراه ثائرا على الوقت، وحتى على القانون في بعض الأحيان، فهو دائم الحركة من مكان لآخر، يركض من زاوية إلى أخرى، ليسجل انتصارا بإيصال الصحف في موعدها مع بداية كل صباح.
يحفظ أحياء المدينة وأماكن سكن المشتركين في الصحف عن ظهر قلب، ويحمل هم المواطن الذي يرغب الاطلاع على الأخبار بصحبة فنجان القهوة، كما يصف ضواية لـ"وفا" الذي رافقته، خلال جولته لتوزيع الصحف الصباحية.
ويقول "لم ينقطع إلا أياما عن توزيع الصحف، حتى في ظل منع التجول، الذي كانت تفرضه قوات الاحتلال، أو خلال الاجتياحات، ورغم طبيعة الطقس من تساقط الأمطار والثلوج على المدينة، التي تعرف بطبيعتها الجبلية".
ولا ينسى ضواية يوم مجزرة الحرم الابراهيمي في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، عندما اقدم مستوطن على قتل المصلين داخل الحرم في الخليل، فهو يوم فرض فيه منع التجول على مدينة نابلس، واستمر بتوزيع الصحف، وتم احتجازه لساعات، وتعرض للضرب، والتنكيل، وكان توزيع العمل وقتها مشيا على الأقدام.
أولاده الذكور الثلاثة أصبحوا ساعده الأيمن، ويخففون عن كاهله؛ من خلال توزيع أعداد من الصحف في المناطق التي يمرون منها خلال ذهابهم إلى جامعاتهم أو مدارسهم.
مدينة نابلس المعروفة بطبيعتها الجغرافية وموقعها على جبلي "عيبال" و"جرزيم"، يعمل بها أربعة من موزعي الصحف، الذين يتقاسمون المناطق، لإيصال الصحف في موعدها صباحا، بعضهم يستخدم المركبات، ومنهم من يعتمد على الدراجات النارية والهوائية لتوزيع الصحف.
ظروف الحياة الصعبة وحال الأسرة، كانت أحد العوامل التي فرضت على ضواية أن يعمل منذ سن السادسة عشرة في توزيع الصحف مع اندلاع الانتفاضة الأولى، فهو من يومها يركض، ويعدو بقدميه خطوة بعد خطوة.
الهم الأكبر حسب ضواية أن تصل الصحيفة بموعدها باكرا، حتى في أيام كان يوزع فيها معتمدا على قدميه في مدينة ذات طبيعة جبلية، فكان يجد صعوبة بإيصال الأعداد بذات الوقت، الأمر الذي جعله يتجه نحو استخدام الدراجة الهوائية، للتغلب على المسافات البعيدة، ثم الانتقال بعد ذلك إلى استخدام المركبة.
ويشير إلى أنه خلال فترة الاجتياحات الإسرائيلية عقب العام 2000، لم تكن الصحف توزع قبل الساعة الثامنة صباحا، وحتى مرات حتى العاشرة، بسبب الحصار الذي كان يفرض على المدينة، واغلاق مداخلها، وصعوبة ادخال الصحف .
ويؤكد ضواية انه خلال اجتياح الاحتلال لمدينة نابلس، كان يتعرض لإطلاق النار وقنابل الصوت، والتنكيل، والاحتجاز، ومصادرة الصحف منه، وتمزيقها، واجباره على ازالة الشعارات والاعلام، وقد تعرض للاعتقال خلال توزيعها، وتم التحقيق معه.
ولا ينسى ضواية استشهاد أحد المواطنين أمامه قرب جامعة النجاح، بعد اطلاق النار عليه من قبل جنود الاحتلال، اضافة إلى يوم استشهاد مصور تلفزيون فلسطين آنذاك نزيه دروزة، بعد ان نصحه بمغادرة المكان بلحظات، فكانت الصاعقة بأن يوزع خبر استشهاد صديقه دروزة، الذي وقف إلى جانبه في الكثير من الأحيان .
وفي حالات منع التجوال التي كانت تفرضها قوات الاحتلال على المدينة، كان ضواية يعتبر وسيلة اعلام ينقل أحوال المدينة، واخبارها للأهالي، فهو يحمل أنباء انتشار الاحتلال، واستشهاد أحدهم، أو حتى وفاة أحد المواطنين، كما كان يعطي تصورا لأصحاب المحال التجارية عن الأوضاع في مركز المدينة، ويساعد المواطنين في نقل ما يحتاجون في بعض المرات.
ومن المواقف الطريفة التي تعرض لها خلال اجتياح المدينة ومنع التجوال، أن بعض المشتركين عند طرق بابه كان يخرج حاملا بطاقته ورافعا يديه للأعلى، ظنا منه من جنود الاحتلال.
ويتمسك ضواية بعمله كموزع صحف، ويفتخر به، ولا يرى نفسه بعيدا عنه، فهو اليوم تربطه علاقة ود ومحبة مع المشتركين، وهم لا يعاملونه كموزع، بل كأحد أفراد العائلة، ويحتسي القهوة في بعض البيوت، ومنهم من يدعونه على مائدة الأفطار.
ورغم الثورة التكنولوجية وانتشار الواسع لشبكات الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن عددا من المواطنين يتمسكون بقراءة الصحف الورقية، التي أصبحت تواجه خطر الاندثار.