"كنايف يا صبر"...
زهران معالي
يستيقظ الطفل عمران قعدان (16 عاما)، عند الساعة الخامسة فجرا كل يوم ليقطف ثمار الصبر في قريته عراق بورين جنوب نابلس، ليبيعها في أسواق المدينة؛ لكي يساعد عائلته ويوفر ما يحتاجه للعام الدراسي المقبل من مصاريف.
قعدان واحد من عدة بائعين للصبر في شارع غرناطة في نابلس، اعتاد منذ ثلاث سنوات على مرافقة والده في جني ثمار الصبر وبيعها في أسواق المدينة، تجذب مناداته "عسل الصبر، حلو الصبر.. الصبر طيب يا ناس"، المارين من الشارع الذي يشهد حركة مزدحمة خلال النهار.
يقول قعدان لـ"وفا": نأتي يوميا من الساعة السابعة صباحا لنبيع الصبر ونستمر حتى الثالثة عصرا، استريح ساعة واحدة وأعود لجني ثمار الصبر من أرضنا في القرية.
ويضيف، "كل عام أساعد والدي في بيع الصبر والتين بالعطلة الصيفية، حيث أجمع قسط المدرسة والملابس الخاصة بالعام الدراسي المقبل، بدنا نتسبب".
إبراهيم قعدان (59 عاما) والد عمران الذي يبيع الصبر منذ عشرة أعوام، يؤكد لـ"وفا" أن صبر عراق بورين يتميز بالحلاوة عن القرى المجاورة الأخرى؛ بسبب ارتفاع البلدة عن سطح البحر ووجودها بمنطقة جبلية، فكلما كان الصبر مزروعا بمناطق مرتفعة يكون طعمه ألذ وأطيب من المناطق المنخفضة والقريبة من المنازل.
ويرتدي قاطفو الصبر عادة قفازات وسترة تحميهم من تناثر أشواك نبتة الصبر بفعل الرياح، وتعتبر فترة الصباح "الندى" أفضل الأوقات لقطف الثمار؛ لسكون الجو ورطوبته وهدوء الرياح، وفق قعدان الوالد.
ويوضح أنه يشتري من المواطنين صناديق الصبر بالإضافة لما يجنيه من أرضه، ويبيع يوميا ما يقارب 30 صندوقا، إذ يصل متوسط بيعه اليومي 100 شيقل.
ولا تخلو مهنة بائعي الصبر من المشاكل والصعوبات، حيث يشتكي البائعون من إجبارهم من قبل موظفي البلدية على دفع 10 شواقل يوميا مقابل "أرضية" لوضع منتجاتهم على أرصفة الشوارع، كما يواجهون خطر قطعان الخنازير التي يطلقها الاحتلال، وذلك أثناء قطفهم ثمار الصبر.
على مقربة من قعدان، كان أحمد رمضان (57 عاما) يقوم بتقشير ثمر الصبر ويضعها بعلب ويغلفها. تحدث لـ"وفا"، قائلا "تحاشيا للشوك يفضل بعض المواطنين شراء الصبر مقشرا، وهذا يكلف 8 شواقل إضافية على ثمن الصندوق وهو أجر زهيد مقارنة مع عمل يتطلب حذرا".
وينادي رمضان بأعلى صوته "حلو الصبر، جبلي الصبر، تلاوي الصبر، كنايف الصبر" في إشارة للكنافة، ضاحكا "الصبر من أطيب الحلويات في مدينة نابلس، كنافة نابلس وفاكهتها".
وتحدث رمضان ابن قرية تل التي تعتبر أكثر القرى في محافظة نابلس إنتاجا للصبر، عن الفوائد العلاجية له، قائلا "الصبر له العديد من الفوائد أهمها تسهيل عملية الهضم، كل الأطباء لا يستطيعون أن ينظفوا معدتك، إلا أن من يتناول في موسم الصبر يوميا خمسة أكواز أؤكد له أنه لن يعاني من أي أمراض، بالإضافة لمد الجسم بالسكر الطبيعي والنشاط والحيوية".
ويوضح رمضان الذي يبدأ عمله من الساعة السابعة صباحا حتى الرابعة عصرا، أن بلدة تل تنتج يوميا ما يقارب ألف دلو من الصبر تباع في أسواق نابلس وبقية محافظات الضفة الغربية
ويضيف أنه يحصل يوميا على 100 شيقل كمصدر رزق لعائلته المكونة من 10 أفراد.
هذا العام بدأ موسم الصبر مبكرا، فالعادة أن يبدأ الموسم في الخامس عشر من تموز، إلا أنه نضج في الثاني من تموز ويستمر حتى منتصف آب المقبل، الأمر الذي يبقيه محافظا على أسعاره المرتفعة، فقد بيع دلو الصبر ويتسع ستة كيلوغرامات بـ25 شيقلا بداية الموسم، في حين يباع حاليا بـ15 شيقلا، قال رمضان.
في شارع العدل بالمدينة، كان يقف الفتى أحمد قادوس (16 عاما) من عراق بورين أمام دلوين من الصبر، اعتاد أن يبيع الصبر في الشارع منذ عامين بعد أن يقطف ما يقارب ستة دلاء يوميا من أرض جده.
ويضيف "أعمل بكل المواسم بالعنب والصبر والتين والزيتون، أحب الأرض؛ كونها رمز القوة والقومية الفلسطينية التي يجب أن نحافظ عليها، أذهب للعب والملعب، ولكن أنظم وقتي بين العمل في الأرض واللعب والدراسة".
وحسب رئيس قسم البستنة في مديرية زراعة نابلس المهندس محمد عاشور، فإن 320 دونما مزروعة بالصبر، تنتج سنويا ما يقارب 160 طنا.
ويشير عاشور لـ"وفا"، إلى أن الصبر يشكل مردودا اقتصاديا لكثير من العائلات؛ كون تكاليف إنتاجه قليلة جدا؛ فلا يحتاج للسماد والري ويقتصر فقط على القطف، وتبدأ نبتة الصبر بالإنتاج بعد عامين من الزراعة، وتعد قرية تل الأشهر في إنتاج الصبر بين 56 قرية تتبع للمحافظة.
وتشهد أرصفة الشوارع والأسواق ومداخل القرى والمحافظات خلال فصل الصيف انتشارا لباعة الصبر، الذين يتفننون بطرق عرضه في عبوات مختلفة.