ندوة في "مدار": إسرائيل تصالحت مع تركيا لدعم رؤيتها الإقليمية وكسر عزلتها الدولية
قال مشاركون في ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" في رام الله، اليوم، إن إسرائيل تصالحت مع تركيا في سياق دعم الرؤية الإسرائيلية تجاه التغيرات الإقليمية وتوظيفها، وإحباط جهود عزلها دوليا.
واعتبر المتحدثون أن إسرائيل أرادت من خلال هذه الخطوة ثبيت واقع الحصار على غزة، وعزل القطاع وفصله تماما عن المسألة الفلسطينية بالمعنى السياسي، إلى جانب بروز عامل الغاز على الساحة الاقتصادية وإمكانية الإفادة من تركيا كممر إلى أوروبا في هذا الجانب.
واستبعد المشاركون أن تؤثر "الهزة التركية" على الاتفاق، كون الاتفاق لا يندرج فقط في إطار تلاقي المصالح السياسية، وإنما إطار مصالح أمنية واستراتيجية.
وشارك في الندوة التي عقدت تحت عنوان "العلاقات التركية- الإسرائيلية في ظل آخر التطورات"، مدير وحدة المشهد في "مدار" أنطوان شلحت، والباحث المتخصص في علاقات إسرائيل الدولية د. مهند مصطفى، وأدارت الندوة المديرة العامة لـ"مدار" د. هنيدة غانم.
وقالت غانم في تقديمها إن التغيرات في تركيا، والمتمثلة بالانقلاب وما تلاه، تطرح مزيدا من الأسئلة حول التطبيع التركي الاسرائيلي وصيرورته في واقع اقليمي متقلب.
من جانبه، أوضح الباحث مصطفى أنه لن يتحدث عن اعتبارات تركيا في الاتفاق، فموضوع المحاضرة هو إسرائيل وليس تركيا، وأنه لن يطرح من فاز من الاتفاق ومن خسر.
وتابع: أعتقد أن هذا كلام شعبوي لمؤيدي تركيا ومعارضيها في العالم العربي، والواقع أن كلا من تركيا واسرائيل تصرفتا كدولتين قوميتين بالأساس وفق مصالحهما القومية، وربما علينا كعرب وفلسطينيين أن نستفيد من التجربة ونتوقف عن التعامل مع الآخرين وفق منطق القضاة والرومانسية.
واعتبر مصطفى أن المصالحة الإسرائيلية التركية تأتي في إطار ما اسماه استعادة التوازن الاستراتيجي، حيث باتت إسرائيل ترى في التغيرات في المنطقة مساحة للفرص وبناء رؤية للمستقبل، وليس فقط كمصدر للأخطار.
وأكد أهمية محاولة إسرائيل كسر العزلة السياسية ونزع الشرعية في الدفع باتجاه حل الإشكال مع تركيا، وذلك عبر إعطاء وزن أكبر للبيئة الإقليمية على البيئة الدولية، وتطوير(سياسة الأطراف) التي كانت تركيا جزءا منها، إلى جانب الأهمية التاريخية والرمزية لتركيا.
وقال: هناك أهمية للحفاظ على العلاقات مع تركيا، كدولة إسلامية، يحكمها حزب ذو توجهات إسلامية.
وحول لعبة المصالح قال مصطفى: وقعت إسرائيل اتفاق المصالحة مع تركيا على الرغم من أنها كانت قد طورت علاقتها مع دول تتميز علاقتها مع تركيا بالتوتر الشديد حتى العدائية، وهي: مصر واليونان وقبرص وروسيا، ما يؤكد ذلك أن الأمن القومي الإسرائيلي ينطلق أولا وأخيرا من مصلحة إسرائيل، وليس من مصالح دول هي على علاقة معها، إلا إذا كان التغيير يضر بمصلحة أخرى أكبر من المصلحة التي تجنيها من الاتفاق.
ووصف بيئة المصالحة بقوله: جرت المصالحة في ظل النقاش الإسرائيلي حول مستقبل قطاع غزة، وأعتقد أن الاتفاق يثبّت الواقع القائم في القطاع، كما جرت في ظل ما سماه نتنياهو مؤخرا "انقلابا" في علاقات إسرائيل مع دول عربية.
وبدوره، تحدث شلحت بداية عن محاولة الانقلاب الفاشلة وما تلاها من تلكؤ إسرائيلي في إصدار موقف، معتبرا أن المقاربة الاسرائيلية عموما في الاقليم تراهن على الفوضى.
واستعرض القراءات الإسرائيلية للانقلاب، مضيفا: أن الانقلاب لن يؤثر على الاتفاق كونه يعبر عن مقاربة استراتيجية وامنية تتجاور الحدث السياسي الآني.
وقدّم شلحت قراءة تحليلية لاتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا بموجب المقاربات الإسرائيلية المختلفة له.
وأشار إلى أن هذه المقاربات رأت، في شبه إجماع، أن إسرائيل قدمت "تنازلين" كان لا بُدّ من تقديمهما في مقابل الفوائد العديدة التي ستعود عليها من الاتفاق، وهما: أولا اعتذرت عن الاعتداء على أسطول الحرية الذي كان في طريقه إلى قطاع غزة (2010)، وثانيا وعدت بإعطاء 20 مليون دولار لصندوق إنساني تركي للاهتمام بالمصابين الأتراك وعائلاتهم وعائلات القتلى، وهذا لا يعني تحمل المسؤولية أو الاعتراف بالذنب.
وقال: في المقابل، الأتراك سيسحبون أية دعوى ضد إسرائيل أو إسرائيليين، ولن يتعاونوا مع أي إجراء قضائي كهذا. أيضا سيتم استئناف العلاقة الدبلوماسية بالكامل من الطرفين. ورغم الاتفاق، فإن إسرائيل لم توافق على رفع الحصار المفروض على غزة أو حتى الحدّ منه.
ولفت إلى أن الأوساط الرسمية رأت أن الأمر الأهم هو أن الاتفاق يرسخ "حق" إسرائيل في فرض الحصار واستخدام القوة العسكرية من أجل تطبيقه.
وتطرّق شلحت إلى العناصر الجوهرية الرئيسة التي تقف في صلب العلاقات الثنائية الإسرائيلية - التركية، ولا سيما تلك التي لم تتآكل جراء القطيعة التي سادت بين الدولتين خلال الأعوام الستة الفائتة.
كما ركّـز على كيفية تجيير إسرائيل لاتفاق المصالحة للدفع قدما بـ"رؤيتها الإقليمية" التي باتت الشغل الشاغل لنتنياهو أخيرا فيما يتعلق أيضا وربما أساسا بالقضية الفلسطينية، حيث يريد نتنياهو ان تكون اسرائيل جزءا من الاقليم مدخلا للحل الفلسطيني وليس العكس.
ونوّه بأن كثيراً من المعلقين يرون أن الاتفاق بين تركيا وإسرائيل من شأنه أن يسهل بلورة "تحالف الاعتدال" الموالي لأميركا في المنطقة والذي سيجمع علناً وللمرة الأولى دولاً عربية وإسرائيل.