365 يوما والنيران تشتعل في مخيلة المسعف ديرية
بسام أبو الرب
يتابع ضابط الاسعاف يوسف ديرية (40 عاما) من بلدة عقربا جنوب نابلس، تسجيلا مصورا على إحدى الفضائيات، يظهر فيه خلال شهادته على ما جرى عقب احراق مستوطنين منزلا لعائلة دوابشة في قرية دوما، اواخر تموز من العام الماضي.
ديرية لا يغيب عنه مشهد الطفل الرضيع علي دوابشة (18 شهرا)، الذي طالت النيران جسده واصبح متفحما، عندما حمله بين يديه ملفوفا بقطعة قماش، ونقله الى مستشفى رفيديا في نابلس، فكانت الصاعقة عندما كشف عنه الغطاء ليجد قطعة سوداء غابت عنها الروح وبقي ما بقي منها.
وتصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لإحراق منزل عائلة سعد دوابشة، الذي نفذه مستوطنون في قرية دوما جنوب نابلس، وراح ضحيته الاب سعد (32 عاما) والام ريهام (27 عاما)، والطفل الرضيع علي (18 شهرا)، واصيب شقيقه احمد "الناجي الوحيد من بين افراد العائلة" بجروح وحروق بالغة.
يوم امس وصلت ديرية رسالة من سائق الاسعاف آنذاك نصها "متذكر علي يا يوسف"، اطاحت بقواه وخارت امام حروف حملت اسما بقي في الذاكرة ولم يغب عنها ابدا، حسب ما قال لـ"وفا".
ديرية جلس على كرسي واتكأ على طاولة، واخذ يتحدث عن ليلة استشهاد الرضيع علي، محاولا السيطرة على مشاعره من خلال رسم عدد كبير من "الدوائر" المتداخلة في بعضها لأكثر من ساعتين خلال حديثه.
نهض عن كرسيه ووقف قرب الباب ورفع يديه كأنه يحمل شيئا، وقال: "وصلت باب المنزل المحترق حتى فاجأني احدهم بجسد ملفوف بقطعة قماش، وقال "انقلها الى المستشفى"، فكانت الصاعقة عندما كشفت الغطاء فلم يخطر ببالي انه طفل رضيع (....).
واضاف منذ ذلك التاريخ، 365 يوما اتذكر ذلك المشهد، تعاملت مع الكثير من الحوادث الصعبة والخطيرة، واتذكرها احيانا، لكن مشهد الطفل علي كان الاكثر وقعا في نفسي، كلما يذكر اسم دوما يخطر ببالي علي، كلما صدفت احدا من القرية يخطر ببالي...
ويقول ديرية، حتى هاتفي لا يخلو من صور للطفل الرضيع علي، فحين يخطر ببالي اتفقد صوره بقرب رضاعة الحليب التي ما زالت حتى اليوم داخل المنزل، كلما رأيت طفلي الصغير كنان الذي يكبر علي بأيام يخطر ببالي.
مرت الاربعة ايام الاولى على ديرية وهو لم يستطع مفارقة قرية دوما، ومن حينها تولد لديه هاجس الخوف من حمل رضيع اخر بين يديه، فكلما تلقى اتصالا حول حادثة في قرية دوما، تجده اول الواصلين خاصة عقب احراق منزلين آخرين بذات الطريقة.
يقول ديرية انه "حتى مشهد والدي الرضيع علي، سعد وريهام ونجلهم احمد الناجي الوحيد من المحرقة كان رهيبا، فالنيران طالت اكثر من 70% من اجسادهم، حتى صوت الاب وهو يصرخ " علي .. علي"، او مشهد الام عندما عادت وحملت "وسادة"، ظنا منها انها انقذت جسد طفلها الرضيع فهو مشهد يعيد للاذهان ما جرى ابان جرائم الاحتلال في العام 1948 وتهجير الفلسطينيين من اراضيهم".
ويضيف ان الطفل احمد احتمى خلف باب المنزل من المستوطنين الذين نفذوا جريمتهم واخذوا يضربون والديه والنار تأكل من اجسادهم.
عام مر على جريمة احراق المستوطنين لعائلة دوابشة، التي لاقت استنكارا واسعا من المجتمع الدولي، ولم يصدر حكم بحق من نفذوا هذه الجريمة من عصابات تدفيع الثمن، بينما ما زال الطفل أحمد (6 سنوات) يعاني آثار حروق في جسده تحتاج لشهور اخرى حتى يتماثل للشفاء، ولكن يبقى السؤال: من يعالج حروق قلبه من مشهد وهول المحرقة وحرمانه والديه؟