مملكة الفخار
فاطمة ابراهيم
هنا في قرية جبع جنوب مدينة جنين، آخر مملكة للفخار، في شمال الضفة الغربية.
قبو صغير كان مهد جمال الفاخوري وأجداده، لتطويع الصلصال وتشكيله منذ ما يقارب 400 عام، العائلة التي يقال إنها قدمت من سيناء إلى جبع وحملت اسم المهنة التي تعمل بها؛ بنت ممكلة الفخار الخاصة بها في جنين، لتكون ثالث بؤرة لهذه الصناعة اليدوية في فلسطين بعد الخليل وغزة.
أخذ جمال الحرفة عن والده منذ أن كان طفلا في الثانية عشرة من عمره، وهو يعتز بهذه المهنة لأنها صنعته كما صنعها.
صناعة الفخار واحدة من أقدم الحرف التي عرفتها البشرية، في فلسطين استخدمت الأولني الفخارية منذ العهد الكنعاني القديم، واعتبر الفخار مرجعا أساسيا في دراسة تاريخ هذه البلاد والحقب التي مرت عليها، وحتى وقت قريب كان الفلاحون يفضلون الجرار الفخارية لحفظ القمح والعدس والزيت، ويشربون الماء واللبن في أوان فخارية، قبل دخول الصناعات الزجاجية والبلاستيكية الرخيصة وسهلة التصنيع.
جمال ما زال يشرب من "قلة" فخارية صنعها بنفسة، معتقداً أن لاستخدامها فؤائد، ويقول "سابقا كانت الأسواق مفتوحة، وكنا نبيع بضاعتنا في مدن الداخل الفلسطيني، لكن قل الطلب عليها بعد انتفاضة الأقصى. اليوم يقتصر الطلب على أشكال محددة حيث يتم اعتبارها جزءاً من التراث والزينة".
تمر عملية صناعة وتشكيل الفخار بثلاث مراحل، أولاها جمع الطين وتخميره ثم عجنه، قبل أن ينقل إلى دولاب يدوي ويشكل بعدها ويترك في الشمس ليجف، وأخيرا يحرق في أفران خاصة على درجة حرارة عالية جدا.
"عملية التشكيل هي أبسط عملية في عملنا هذا .. لان جمع الطين من جبال القرية ثم عجنة وتخميره هو أصعب مرحلة في صناعة الفخار ناهيك عن جلوسنا أمام الفرن الذي تصل حرارته إلى 180 درجة لوقت طويل". يضيف جمال.
بعد أكثر من 30 عاما في مداعبة الصلصال، يحاول جمال نقل سر التناغم بين أصابعه وعجينة الفخار إلى أبناءه، فالمهنة التي أصبحت بدمه كما يقول وشغلت عقلة؛ تحتاج لعزوة كي تبقى وتحافظ على مملكتها.