الشهيدان رمزي وأنيس.. جثمانان معتقلان عادا إلى عين عريك
عطا خليل- شهيدان لم تفرقهما إلا حفرة القبر جسداً، عاشا أخوين واستشهدا شقيقين جمعهما حب فلسطين والموت دونها، والنضال من أجل حريتها.
سالت دماؤهما سوية في عملية عسكرية نفذها ثلاثة من رفاق السلاح في النقب في الحادي عشر من تشرين الأول عام 1991. ربما لا نستطيع تحديد صداقة رمزي شاهين وأنيس خليل، إلا إذا سألنا كل صخرة، وشجرة وشارع وساحة، وكل مسجد وكنيسة في عين عريك. إلا أننا مع ذلك نستطيع أن نبدأ حكايتهما مع بداية عام 1988، حيث أصبحا مطاردين.
في عام 1989 أغلقت قوات الاحتلال منزل الشهيدين أنيس ورمزي نتيجة لنشاطهما، وكان إغلاق المنازل أسلوباً عقابياً متبعاً في مواجهة الانتفاضة المتصاعدة، مع أساليب أخرى.
وعندما أحسا بالخطر، خرجا إلى مصر متسللين، ومن ثم تنقلا بين معسكرات تابعة للمقاومة في تونس،وليبيا، والعراق، وكانا يخططان للعودة إلى الوطن في عملية استشهادية.
في 18/11/1991، أبلغ الصليب الأحمر مؤسسة الحق بوقوع عملية عسكرية على الحدود المصرية، ونشرت صحيفة الشعب المقدسية خبراً عن استشهاد ثلاثة في العملية المذكورة وهم :رمزي شاهين، وأنيس خليل، وسمير أبو عرجا.
اشترك الشهداء الثلاثة معاً في دورية للوصول إلى الوطن واختطاف جنود احتلال عبر صحراء النقب، وقد اشتبكوا مع قوات الاحتلال لمدة ثماني ساعات متواصلة، واستطاعوا قتل عدد من الجنود في عملية نوعية حملت اسم (مجموعة حراس الأقصى والقبر المقدس) ، وتم احتجاز جثامين الثلاثة من قوات الاحتلال انتقاماً للخسائر التي خلفوها في صفوف الجنود.
وبعد نشر أسماء الشهداء توجه ذوو رمزي وأنيس إلى مؤسسة الحق، لتبدأ عملية بحث عنهما استمرت سنوات.
ونتيجة لجهود مشتركة بين مؤسسة الحق والشهيد المحامي محمد أبو شعبان الذي قضى اغتيالاً في غزة ، سلمت سلطات الاحتلال جثة الشهيد سمير أبو العرجا لذويه، ولم تفلح الجهود لإعادة جثماني رمزي وأنيس، وتم توكيل محامية لاستعادة الجثمانين ودفنهما في عين عريك.
رد المستشار القضائي لحكومة الاحتلال على مطالبات المحامية بتسليم الجثمانين، برسالة تفيد بأنه تمت الموافقة على إعادة جثماني رمزي وأنيس بقرار من ما يسمى "قائد المنطقة الوسطى" في جيش الاحتلال، وبالتنسيق مع ما تسمى "الإدارة المدنية" للاحتلال، وأنه يجب الاتصال مع هذه الإدارة في منطقة أريحا والحصول على التفاصيل، باعتبار أن الجثمانين مدفونان في مقبرة فصايل.
ونفت القيادة الاحتلالية العسكرية في المنطقة آنذاك أن يكون في كشوفاتها أي ذكر لرمزي وأنيس.
وطلبت تلك القيادة عبر المحامية تزويدها بمعلومات لتساعدها في عملية البحث ومنها: التاريخ المحدد لمغادرة الشابين، وتحديد مكان استشهادهما في سيناء، ونوع السلاح الذي كان بحوزتهما، وصور للشابين، وكافة المعلومات الطبية اللازمة عنهما، وغير ذلك من المعلومات حاولت الأسرتان توفيرها ما أمكن.
ومع ذلك مرت السنوات دون أن ترد القيادة العسكرية الاحتلالية بأي جواب، بينما عاشت عائلتا رمزي وأنيس في قلق الانتظار.
عمّت الفرحة في قرية عين عريك وتبادل الناس في قرى رام الله الغربية التهاني ووزعت الحلوى حين وصل خبر للأسرتين عام 1993 من أسير كان في معتقل (الخيام) جنوب لبنان، أن رمزي وأنيس موجودان في (الخيام) على الأرجح وأن اسميهما محفوران على زنازين السجن.
لكن الفرحة لم تتم ، فمؤسسة الحق أرسلت حينها رسائل لمنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة الشرق الأوسط، اللتان حاولتا الدخول لمعتقل الخيام لكن دون جدوى.
كانت العائلتان تدركان أن سلطات الاحتلال تماطل، والتصور آنذاك هو أن الاحتلال يريد أن يحتفظ بجثتي أنيس ورمزي تحسباً لأية عمليات تبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
بعد سنوات من غياب رمزي وأنيس، وغياب الأم والأحبة دون معرفة مصير الشهيدين، أنجزت صفقة (وفاء الأحرار) في شهر تشرين الثاني عام 2011، وسلمت سلطات الاحتلال رفات 90 شهيداً. لم يدرج اسم كل من أنيس ورمزي ضمن هذه القائمة، وبقي احتمال أن يكونا جثمانين لم تعرف هويتهما يعودان لأنيس ورمزي. فيما أجريت فحوصات الحمض النووي في الأردن لحسم الأمر.
يوم الأحد 12/8/2012، أعلن مدير عام الطب الشرعي في وزارة العدل د.زياد الأشهب، التعرف على جثماني رمزي وأنيس .
وفي اليوم التالي، كانت رام الله تشهد الفصل الأخير من حكاية رمزي وأنيس، من مجمع فلسطين الطبي انطلق الموكب إلى عين عريك، ومن مسجد وكنيسة عين عريك شُيع الصديقان الشهيدان إلى مثواهما الأخير.
علم فلسطين زين القرية، بيوتها شوارعها، سيارتها، وكل من فيها سار في موكب التشييع يحمل عَلَم الوطن، فيما تجسدت الوحدة الدينية مرة أخرى من خلال موكب التشييع حيث المسيحي في مقبرة شقيقه المسلم والمسلم في مقبرة شقيقه المسيحي، وصوت القرآن يمتزج بصوت جرس الكنيسة.
على أحد جدران البيوت قرأت عبارة (أجمل الأمهات هي التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً)، أمهات الشهداء اللواتي تنقلن في أزقة القرية، يشيعن أبناءهن ضمن موكب المشيعين، بعزيمة قوية وصبر لا حدود له، بعد واحد وعشرين عاماً والأبناء محتجزون في مقبرة لا يمكن الوصول إليها.