يرزا تجابه العطش..
الحارث الحصني
يشد شاب حبل بئر عميقة ليخرج دلوا سعته عدة لترات من الماء الذي تتخله الشوائب.. وفي كل مرة يسكب الماء في رانات ليشرب قطيع من المواشي.. وفي ظهيرة حارة في خربة يرزا الواقعة في قلب السفوح الشمالية الشرقية للضفة الغربية، يبدو هذا العمل اليومي مرهقا جدا لسامي دراغمة.
إذ على سكان الخربة أن يتزودوا بالماء من هذه الآبار التي يعتقدون أنها حفرت في زمن الحكم الروماني لفلسطين، والذي استمر من عام 63 قبل الميلاد حتى 638 ميلادي.
يقول سكان خربة يرزا الذين يعتمدون في حياتهم على رعي المواشي والزراعية" أن هذه الآبار القديمة مصدرهم الوحيد للتزود بالماء".
في الخربة التي تقع حسب اتفاقيات "أوسلو" ضمن التصنيف "ج" عند سفح جبل جادر وهو واحد من أعلى جبال المنطقة ويطل على الحدود الشرقية لفلسطين، تنتشر هذه الآبار، تساعد الأهالي للبقاء في تلك المنطقة.
في يرزا وغيرها من الخرب والتجمعات التي تقع على امتداد المنطقة الشرقية من الضفة الغربية، تمنع القوات الاسرائيلية المحتلة الفلسطينيين من تنفيذ مشارع بنية تحتيه، لذلك يعيش المواطنون بدون شبكات مياه وكهرباء وشوارع.
مخلص مساعيد مسؤول لجنة المشاريع في يرزا، وهي لجنة تشرف على تسيير شؤون مواطني الخربة، يقول " في الخربة ما يقارب الثمانين بئرا، تم ترميم أكثر من خمسين لتصبح صالحة للاستخدام".
كان مساعيد يتحدث عن الآبار وعلى وجهه علامات الصدمة والخيبة، بعد أن دمرت جرافات الاحتلال قبل يومين، خط المياه الوحيد الذي كان من المفترض أن يغذي يرزا بالمياه، طوله "11" كيلو متر.
وحسب مساعيد، فقد بدأت عملية ترميم الآبار منذ العام 2005، واستطاعت جهات مانحة محلية ودولية المساعدة بترميم نحو 50 بئرا.
وقبل ذلك العام، كان مواطني الخربة يتزودون بالماء من هذه الآبار، ولكن بقدرة أقل على احتواء ماء أمطار الشتاء التي تتجمع فيها.
ويستطيع المار من شارع ترابي يستخدمه المواطنون لقضاء حاجاتهم، مشاهدة بعض الآبار المرممة من خلال التنقل بين سفوح الجبال المحيطة بالخربة.
وقد حفرت الآبار في أرضٍ صخرية وعلى امتداد الخربة القديمة التي لا يمكن الجزم بعمرها، وتظهر آثار جدران مهدمة وسلاسل حجرية يقول السكان أنها شيدت قبل عقود طويلة.
يقول مساعيد هو يقف عند حافة بئر في المنطقة، أن سعة آبار الجمع تتراوح بين 80- 200 كوب، وبعمق 8- 10 أمتار.
المواطنون في تلك الخربة التي تبعد عن مدينة طوباس شرقا أكثر من "10" كيلو متر، يعتمدون على تلك الآبار بشكل أساسي في حياتهم اليومية، ولكن في أيام الصيف الحارة مثل هذا اليوم، يلجأون إلى استخدام صهاريج لجلب المياه من مناطق بعيدة، وملء الآبار.
فوزي عنبوسي المولود في خربة يرزا ولم يغادرها لليوم، يملك بئرين للماء، يقول أنه يستخدم مياه الآبار للشرب، وسقاية الدواب، والأشجار، والورود التي تزين مكان سكنه.
"كنت أصل إلى قاع البئر، صحيح أن عمقه عشرة أمتار لكن ذلك أمر بسيط." هذا ما قاله.
ويسحب المواطنون المياه من الآبار من خلال وضع "برميل" فارغ عند حافة البئر، وتعبئته بالماء من البئر، ومن ثم وضع خرطوم مملوء بالماء ليسحب ما يحتويه "البرميل" من ماء، بطريقة السحب الانسيابي -على حد تعبيرهم.
ويقول عنبوسي، "إذا كان موسم الأمطار ايجابيا، فإن ما يتم جمعه في الآبار يكفينا باقي المواسم دون الحاجة لشراء صهاريج مياه، لكن إذا كان غير ذلك كما في العام الماضي، فإن مخزون المياه في الآبار لن يكفينا فصل الصيف، ونضطر لشراء المياه من بلدة طمون، أو من آبار أخرى بأثمانٍ باهظة".
ويلجأ ساكنو الخربة في حال نقص المياه لديهم، إلى طريقة أخرى من خلال شراء مياه آبار أخرى في المنطقة، كما حصل مع عنبوسي بعد أن دفع ثمن مياه بئرين "350" دينارا.
وتغطي مياه الآبار في المنطقة ما يقارب 40% من احتياجات السكان للمياه، وينتظر المواطنون إكمال ترميم ما تبقى من الآبار غير المرممة.
عند بئر آخر يتجمع قطيع من الأغنام حول أوعية شرب ملأها أحد الرعاة بالماء، يقول أن هذه الآبار هي معيلهم في مشربهم وسقي دوابهم، في عملية يومية يقوم بها ثلاثة على الأقل.
ترميم الآبار في السنوات الماضية ساعد على زيادة حجم مخزونها من المياه، قبل الترميم بأكثر من ضعفين، هذا ما قاله المواطنون.