الحياة مع رصاصة..
بسام ابو الرب
نائما كان. بعد عناء من رعي الأغنام لساعات طويلة في اليوم العاشر من أيلول عام 2001، ألقى المواطن محمود فوزي عينبوسي (38 عاما)، من خربة يرزا شرق طوباس، بجسده على فراشه أمام ساحة مسكنه وغط في النوم. في ذلك اليوم القائظ كانت يرزا أشبه بميدان حرب بفعل التدريبات العسكرية المكثفة التي كانت تنفذها قوات الاحتلال بالذخيرة الحية.
هي لحظات، باغتته فيها رصاصة "طائشة" استقرت أسفل ظهره، أقضت مضجعه وما زالت تعيش معه لأكثر من 15 عاما، بعد ان نصحه الأطباء بإبقائها مكانها، لأن تحريكها قد يؤدي الى مضاعفات تصل الى الشلل في الأطراف.
عينبوسي يعرف أنواع الرصاص الذي يعثر عليه دائما ويتناثر فوق الصخور بأراضي الخربة، ومع كل منها حكاية وذكرى لأهالي يرزا، فمنهم من سقطت بقربه وهو جالس يحتسي الشاي، وأخريات سقطن بالقرب من نسوة تجمعن أمام مسكن إحداهن، (...).
خربة يرزا التي تبعد حوالي 11 كم عن مدينة طوباس، لم يطأ قدم سكانها شارعا مؤديا الى أراضيها قبل عشر سنوات، فكان سكانها قبل العام 2005 يسلكون طرقا وعرة بين الجبال للوصول الى مساكنهم، فيما يحصل بعضهم على الكهرباء عبر الخلايا الشمسية ولوقت محدود.
ويذكر العينبوسي تاريخ إصابته ودخوله إلى المستشفى بالحدث العالمي الأكبر عند استهداف برج التجاري العالمي في الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من أيلول عام 2001، فيقول: "وقتها كنت نائما على سرير المستشفى بمدينة جنين".
" أكثر من 15 عاما وكل يوم فيها أنام واستيقظ على وجع في الظهر نتيجة الرصاصة التي أصبحت جزءا من حياتي ولا تفارقني" يضيف عينبوسي.
ويتابع " ليلة الإصابة لن أنساها أبدا، وقتها كنت في المسكن لوحدي، وعندما شعرت بالرصاصة ركبت الحصان وذهبت الى طوباس مسافة 11 كم بين الجبال؛ فلم يكن بعد طريق يوصل الى الخربة تسهل على المواطنين الحركة عبر الجرارات او المركبات".
عينبوسي لم ينس يوما وجع الرصاصة الدخيلة التي استوطنت جسمه.
وقف على صخرة بعد أن جمع ما حولها من الرصاص، ثم عاد بنظره الى مساكن الخربة التي أقيمت قبل العام 1967، وقال: "لا يوجد منزل إلا وأصيب به أحد جراء تدريبات الاحتلال، وأتذكر حادثة تلك المرأة التي كانت تغسل الصحون وأصابتها رصاصة، وذلك الشاب الذي أصابته الرصاصة أثناء رعي الأغنام..و..و..".
وتقوم قوات الاحتلال بشكل شبه مستمر بتدريبات عسكرية في مناطق الأغوار الشمالية، حيث أجبرت أكثر من 25 عائلة بالأمس واليوم، على إخلاء مساكنها والرحيل عنها في مناطق الراس الأحمر شرق طمّون، وخربة ابزيق، وقرى بردلة، وكردلة، بالأغوار الشمالية، حيث تُجبر المواطنين على الرحيل من أماكن سكناهم، إضافة الى ما تقوم به من تشديد اجراءاتها على الحواجز العسكرية ومنع مصادر المياه والكهرباء، وتدمر المشاريع التي تمولها المؤسسات الدولية، وهدم مسكان المواطنين وحظائر أغنامهم .
أكثر من 32 مواطنا استشهدوا، وأصيب أكثر من 370 آخرين جراء تدريبات الاحتلال ومخلفاته، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، حسب مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس والأغوار الشمالية معتز بشارات .
بشارات أكد أن قوات الاحتلال تجري تدريبات عسكرية في مناطق الأغوار بشكل ممنهج وتستهدف المواطنين ومنازلهم؛ من أجل التضييق عليهم وترحليهم من المنطقة التي أصبحت مرتعا للآليات والجنود العسكريين.
"إن التدريبات العسكرية تخلف خسائر بشرية؛ إما بالرصاص أو مخلفات الجيش من قنابل وذخائر حية" قال بشارات، مضيفا ان هناك خسائر مادية في الأراضي والمزروعات في المنطقة، عدا الحرب النفسية التي يعيشها الأهالي جراء سياسة الإخلاء من مساكنهم أيام البرد القارص أو أيام الحر اللافح بالصيف.
حال عينبوسي يعكس واقع يعيشه المواطنون بالأغوار ومدى تمسكهم بأرضهم رغم مضايقات الاحتلال، من مصادرات وترحيل وتدريبات عسكرية.