تلاميذ في زمن "التيه"!
يامن نوباني
179 طالبا وطالبة سيبدؤون عامهم الدراسي الجديد 2016-2017 في مدرسة الخان الأحمر الأساسية المختلطة، في التجمعات البدوية شرقي القدس، تحت تهديد جرافة ضخمة مجهزة لخلع غرفهم الصفية البدائية، بما تحويه من حجارة وجذوع أشجار وألواح صفيح وأخشاب.
لا ترى الجرافة الضخمة أمنيات أولئك الطلبة الأطفال، ولا تقدر المسافة التي يمشونها في الحر الشديد في اخفض بقعة في العالم، ليتعلموا جملة إعرابية أو بيت شعر أو مسألة حسابية.
القرار جاء من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وذلك بعد استدعائه للسفير الإيطالي قبل أيام، وإبلاغه بقرار إغلاق وهدم المدرسة، وادعى مكتب نتنياهو أن المدرسة مقامة في مناطق (C) التي تسيطر عليها قوات الاحتلال.
قرار الإغلاق لا يعتبر الأول من نوعه، فقد بدأت التهديدات بذلك منذ العام 2010.
المدرسة التي تأسست في العام 2009 بجهود المجتمع المحلي، وبدعم من جمعية 'فينتو ديتيرا' الايطالية، بدأت مشوارها بخمس غرف، تضم أربعة صفوف مختلطة، أما اليوم فتحوي تسعة صفوف، وغرفة إدارة، وغرفة مكتبة، وغرفة حاسوب، وغرفة مرافق صحية، وغرفة مطبخ، وغرفة معلمات.
يعمل في المدرسة المبنية من طين وإطارات بسبب منع الاحتلال البناء في المنطقة، (13) معلمة يأتين من مناطق بعيدة مختلفة، كبير نبالا وبيت أمر وبيت دقو.
مديرة المدرسة، حليمة زحالقة، قالت لـ"وفا"، إن المدرسة تطالب التربية والتعليم والحكومة الفلسطينية، توفير مركبتين لنقل المعلمات من رام الله وأبو ديس والخليل، اضافة إلى تخصيص علاوة صمود بسبب ما تعانيه المعلمات من صعوبة في الوصول والتدريس تحت تهديدات الاحتلال بالهدم والاغلاق.
زحالقة، لم تخف قلقها على الطلبة والهيئة التدريسية، من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، وخاصة ضابط "الإدارة المدنية" الاسرائيلية الذي اعتاد دخول المدرسة بسيارته ومع كلبه، مهددا بإغلاقها وهدمها.
وفي إطار حربه النفسية والتهجيرية، وضع الاحتلال في العام 2012 كتلا إسمنتية وتمديدات حديدية يزيد ارتفاعها عن متر ونصف للحيلولة دون مرور الطلبة والمركبات للمدرسة وتحذير سكان المنطقة من دخولها. كما صادر في بداية العام 2015 ألعاب الأطفال في المدرسة، ألعاب الزحلقة والمراجيح والسيسو، في إطار حربه النفسية والتهجيرية.
ليس من السهل أن يستدل الانسان على مدرسة الخان الأحمر، فلا طريق واضحة المعالم تدل عليها، ولا حتى اشارة واحدة تبين أن في الطريق مدرسة أو بشر وحياة.
في شارع الخان الأحمر، قبل اشارة المرور بعد عناتا، تتجه السيارة إلى الشمال وتدخل طريق ترابية مغبرة، تمشي عشرات الأمتار ثم تقف محتارة إلى الجهة التي ستمضي إليها، فإلى الامام وادي وحجارة تجعل من سلوكه أمرًا يحتاج إلى مغامرة، وعلى اليسار مستوطنة، بينما على اليمين تصطف سيارات للمستوطنين وينتشر العشرات منهم في أرض مصادرة يقومون بزراعتها بعد أن قاموا بتسييجها وقطعوا الطريق التي تمشي منها الى الامام.
ولأن الاحتلال دائم التواجد عن اليمين واليسار، تضطر أنت صاحب كل الاتجاهات إلى سلوك آخر.. اتجاه يبقيه الاحتلال لك سالكًا رغم وعورته. تمشي في الوادي الذي لا يتوقف عن اعطائك أكثر من خيار على مفترقات ترابية تحيطها الصخور، وسط هذا التيه تنقذك بعض الخيام المترامية بندرة في المكان، ورعاة الماشية، فتتجه يمينا وشمالا، صعودا وهبوطا، على مقربة من شوارع واسعة وجسور تعلوك. هناك.. على بعد مئات الأمتار فقط تجثم مستوطنتي" ميشور أدوميم" و"كفار ادوميم".
سيرشدك الذين تقابلهم صدفة إلى ثلاثة جسور، عليك أن تعبر من تحتها في طريقك للوصول، حيث ترتاح الماشية تحت ظل أعمدتها، بينما تستمر في وضوح الشمس تبحث عن ما لم يستطع الاحتلال إخفاءه وتظليله، وتصل بعد نصف ساعة من رحلة البحث عن مدرسة يطلقون عليها "مدرسة العجال/ الدواليب" نظرا لوجود إطارات السيارات بكثافة حول المدرسة وداخلها، بسبب منع الاحتلال البناء في المنطقة.
في المدرسة لا يهنأ التلاميذ حتى بشربة ماء من الصنبور الموضوع على مقربة من سياجها، ذلك أنهم تلاميذ في "زمن التيه"!