شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات    مجزرة جديدة: عشرات الشهداء والجرحى في قصف للاحتلال على مشروع بيت لاهيا    3 شهداء بينهم لاعب رياضي في قصف الاحتلال حي الشجاعية وشمال القطاع    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي الصبرة جنوب مدينة غزة    لازريني: مجاعة محتملة شمال غزة وإسرائيل تستخدم الجوع كسلاح    شهيدان جراء قصف الاحتلال موقعا في قرية الشهداء جنوب جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على بلدة قباطية جنوب جنين    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومرافق في النصيرات وخان يونس    إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا  

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا

الآن

مُت يا حبيبي: عن الحرب وما لا نعرفه عنها

رام الله- وفا- نداء عوينة- مُت يا حبيبي؛ هو مطلع كتاب خالد جمعة الجديد الصادر، اليوم الأربعاء، عن وزارة الثقافة الفلسطينية، بعنوان "في الحرب، بعيدا عن الحرب". على مدى 220 صفحة؛ ستين باللغة العربية، تليها ترجمات للإنجليزية والفرنسية للينا الحسيني وللبلغارية لمايا تسينوفا، يقول لنا خالد جمعة ما لا يقالُ، ما لم يقله أحد بعد...

في كتابه، الذي أهداه إلى صديقه محمود العبادي، لا يكتب خالد جمعة عن الحرب فحسب، بل عمّا لا يُرى فيها؛ ما لا نراه نحن الجالسين أمام شاشات التلفاز نتفرّج على الأخبار كمن يشاهد فيلما ديستوبيّا. يرصد المدينة وأهلها في لحظة الهدوء وفي لحظات الموت الكثيرة، الخوف لا من الموت فحسب، بل على الموت من أن يكون قريبا أو فظيعا أو مشوّها. بدِقّة الساعة يحسب حوار البنت وأمها سرياليا فانتازيّا مظلما لا يشبه حديث المراهقات لأمهاتهن، هو حديث الموتى الخارجين إلى الحياة:

"دعيني أقول لك يا ابنتي ولا تخبري اخوتك الصغار، أقصد أولئك الذين بقوا على قيد الحياة: أنا خائفة من الموت، ولكن إذا كان لا بد من قضاء الله، فأنا خائفة أكثر من الموت متناثرة، حسنا يا أمي، ولا تخبري أبي بذلك: أنا مثلك تماما..."

مُربِكةٌ قراءة هذا الكتاب... تضعك أمام نفسك متعثرا بما لا تدركه من الحقائق، فأنت لا تعلم أيهما أعلى صوتا: الانفجار أم رعب الطفل الذي لا يستطيع الاحتماء حتى في حضن عائلته، ولا تعلم أيهما أكثر بشاعة: الموت أم البقاء بأرواح مهدومة وقدرة معدومة على الحياة.

يعيد جمعة تعريف الحرب في كتابه، يعيد صقل فهمنا لها، يفتح أعيننا على ما لا تقوله نشرات الأخبار ولا تقارير منظمات حقوق الإنسان، تلك التي لا تقول شيئا سوى الأرقام والحقائق الجافة. يفتح بصيرتنا على ما لا ترصده أعيننا، بتفاصيل مرهفة وإنسانية واسعة الرؤية، يتحدث عن الغضب الأجوف العاجز أمام الصواريخ والدبابات، عن الوهن الذي يصيب الكبار أمام أسئلة الأطفال، وعن جوعهم وعن صوتهم وضجيجهم.

لا يستطيع قارئ كتاب الحرب إلا أن يشعر بالاختناق، هذا الاختناق الضروري للمعرفة؛ لماذا علينا أن نعرف ما يدور في أرواح البشر المهددين بالموت، بفقد أجسادهم أو بيوتهم أو في أسوأ الأحوال فقد أحبائهم؟ هل الموت حقا أهون من الفقد؟ لماذا فُرِضَ علينا هذا الوجع؟ ما الذي نفعله به؟ ما الذي نفعله حياله؟ هي أسئلة لا يجيب عليها الكتاب، ولا يجيب عليها أحدٌ لكننا مجبرون عليها، بحكم الجغرافيا، وبحكم التاريخ، وبحكم ولادتنا في هذه البلاد المَدمية. لا يسعفنا الغضب، ولا الحقد، ولا الحكمة، لا نستطيع إلا أن نقف أمام عاصفة الموت وننتظر انقضاءها.

"هل أقول إنه كان عليك أن تؤجل غضبك وحقدك وانفجارك وحزنك ودمعك وجوعك ورفة روحك وأسماء شهدائك ولوعة عينيك من المشهد وانتفاضة روحك مع صورة كل طفل وضجيج قلبك مع كل صوت يأتيك من غزة ليقول لك: أنا خائف، الطائرة مرعبة، لا لا، الدبابة أكثر رعبا... وتحاول أن تقول له إنك اتصلت مع الله في مكالمة قصيرة وقال لك إنه لن يأخذ هذا الصوت على الأقل الآن، ويؤلمك أن يغلق الهاتف وهو يصدق ما قلت كي يستطيع النوم لنصف ساعة قبل أن يعاود الرعب مرة أخرى؟ ماذا أقول؟"

في كتاب الحرب، المدينة أيضا لها روح، لها أبناء تحفظهم غيبا، ولها طيارات ورقية ولها خاصرة يحيط بها النعناع البلدي ولها أيضا خوف تتسلل لتختبئ منه... للمدينة جسدٌ مجرّحٌ وروحٌ، وللأرواح كلها مدينة واحدة، في ترابها ينام الشهداء وفي سمائها تحلق طائرات الحرب.

للمدينة ملامح يذكرها جمعة في كتابه واحدة واحدة؛ سوق الشجاعية وشوارع البريج ودير البلح، وشاطئ السودانية وخزاعة ومركزها الثقافي وأطفالها المذهلون، مخيم خان يونس والقرارة وأشجار البرتقال والعنب والتين ورفح ومخيم الشابورة، وشارع الهدد، وشارع اسدود وسوق المخيم، وحي الجنينة، وتل السلطان، ومخيمات يبنا والبرازيل والشعوت وبلوك "أو"، ودوار العودة، والمقبرتان الشرقية والغربية، وأصدقاؤه الشهداء الذين يرقدون هناك، حي السلام، والحدود مع مصر وطريق المطار المليئة بأشجار اللوز.

للمدينة وجهٌ، وللحرب قصصٌ كثيرة يسرد منها خالد جمعة قصة الطفلة سما ومجزرة عائلة اللوح وقصة تجريف قبر أخته وزوجها وقصص كثيرة أخرى تترك غصتين: غصة الفاجعة التي حلّت بأبطالها وغصة الأسئلة العديدة مثل: ما بعد؟ من سيعيد بناء المنزل؟ من سيجلس حول مائدة العشاء؟ كيف سيكبر الأطفال الذي بقوا بأجساد كاملة أو ناقصة؟ ماذا سيحدث عندما تنتهي الحرب؟

لا يتخطى خالد جمعة الجانب البشري فينا ولا ينساه، يكتب بمرارة عن أبسط الرغبات، والأمنيات، يصيغ تفاصيل الحياة بغضب هادئ، ويقدم صورة الباقين والذين رحلوا، يقدمها للفلسطيني أولا، وللعالم، دقيقة في معناها، شاملة في رؤيتها، وقصدية بكل ما تحمل من عفوية وصدق، ليعيد تعريف المفاهيم المبهمة، ويضع وجوها للكلمات المفرغة...

عندما تنتهي الحرب، "ستمضي، أعرف أنك ستمضي، أعرف أن الجراح مع الوقت ستخف وتمضي، أعرف أنك سنفرغ ذاكرتك وستمضي، أعرف أن المدينة سترفع ركامها وتمضي، وستبني بيوتها وتمضي، ستمشي على عكازتين وتمضي، وسيعود النقاش في الحب، في أولويات الحياة، في آخر أجهزة الجوال، كل هذا سيعود حين تمضي، لكن حسرة ما ستضاف إلى سواد أيامك، لن يفهمها أحد إلا الذي يعرف معنى أن تقشر الحرب كل ما حولك، وتبقيك وحيدا، حتى وإن كنت قويا في طريق الحياة".

عندما تنتهي الحرب نرى أن غزة كما كنا نعرفها أصبحت ذاكرة، كلها تبدلت ملامحها أو اختفت، لكنها ربما، ما زالت بخير أو ستكون يوما ما بخير:

"سأقول لكِ صباح الخير أيتها المدينة المستحمة بالوجع

سيقول الكثيرون أي خير؟

وحدكِ ستفهمين ما أعني".

 

 

kh

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024