"التوجيهي".. عين على الامتحان وأخرى على المستقبل
وفا- (فضل عطاونة):
دخلت نحو 88 ألف عائلة فلسطينية، اليوم الأربعاء، ما يمكن اعتبارها حالة "طوارئ" مع بدء تقديم أولى امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي".
لا شيء يمكن وصفه في حالة "التوجيهي" سوى: نفير عام، واستعدادات عالية، وتأجيل مواعيد الزفاف، وحظر تجول داخل المنازل، وثمة تعليمات أخرى تقضي بخفض صوت أجهزة التلفاز والتحدث بهمس عند الكلام، والنوم مبكرا، وعدم استقبال الزوار على مدار شهر كامل باعتبارها الفترة المحددة للامتحانات.
"يلازمنا القلق والخوف منذ عام، ونعمل على تهيئة الأجواء قدر المستطاع، وندفع من مصروف البيت للدروس الخصوصية، لعلها تساعد على النجاح والحصول على معدل يمكنه من الدخول إلى الجامعة"، بهذه الكلمات استطاعت الأم سمية احمد التعبير عن أجواء عائلتها مع تأدية ابنها خليل لأولى امتحانات "التوجيهي"، مشيرة إلى أنها انتظرت 17 عاما للوصول إلى هذه اللحظة التي ترى ابنها فيها تخرج من المدرسة ووضع قدمه على عتبة مرحلة ثانية من الحياة التعليمية.
أم خليل صاحبة التجربة الأولى في هذا المضمار، قالت: "التوجيهي" مرحلة مهمة تحدد مصير الطلبة "ذكورا وإناثا"، وترسم مستقبلهم وملامح حياتهم القادمة"، فيما اعتبرت "أم ثائر" من سكان بلدة حلحول أن التوجيهي شبح يلازم الطلبة ويدب الخوف والرعب في قلوبهم، وتمنت أن ينتهي على خير وان يمنح الله ابنتها سحر النجاح وتقطف ثمار تعبها.
وتحدثت "أم ثائر" عما أسمته الآثار الاجتماعية المترتبة على نجاح أو رسوب طلبة التوجيهي، وانعكاسات ذلك على الطالب نفسه، وانتقدت النظام التعليمي المتعلق بالتوجيهي، ووصفته بالنظام "المتخلف" الذي لا يعكس قدرات الطالب أو إمكانياته، مشيرة إلى أن الكثيرين من الطلبة يتعثرون، رغم تميز بعضهم في السنوات الدراسية السابقة، بسبب الخوف والقلق وحجم وتعدد المواد وما يحيط تقديم الامتحان من إجراءات وتدابير في المنزل والمدرسة وقاعات تقديم الامتحانات.
ويتفق الطالب عيسى القواسمي من مدرسة الحسين بن علي الثانوية في الخليل، مع الأم "أم ثائر" معتبرا أن نظام التوجيهي الفلسطيني خصوصا والعربي عموما لا يرتقي إلى مصاف الدول التي تتبع أنظمة تعليمية أكثر تطورا ولا تحدد مصير ومستقبل طلبتها بعام دراسي واحد اسمه "التوجيهي"، وقال اكبر مشكلة تواجهني وزملائي من طلبة الثانوية العامة هو الخوف والقلق من الامتحان الوزاري أو النهائي، الذي يستعرض فيه واضعو الامتحان عضلاتهم على الطلبة، وذلك من خلال وضع أسئلة "تعجيزية" مشيرا إلى نتائج الامتحانات المتدنية والتي تصل إلى خمسين بالمائة وأحيانا أكثر أو اقل من ذلك، وقال: "لا يعقل أن نصف الطلبة في أي مجتمع كان يمكن أن يكونوا مقصرين!!".
وينظر سامر أبو سنينة الطالب في مدرسة طارق بن زياد الثانوية، بعين على الامتحان وبالأخرى على المستقبل، ويرى أن المواظبة على الدراسة والتركيز هي احد أسرار النجاح، ويستشهد بالمثل القائل "من جد وجد ومن سار على الدرب وصل" وقال: "أنا أؤمن بأن من يجد ويجتهد، لن ينال إلا النجاح والتفوق، فعلى الطالب أن يؤدي ما عليه وينتظر جزاء اجتهاده".
وأضاف أن بعض المعلمين هم السبب وراء خوف الطلبة، لأنهم بدلا من تشجيع الطلبة على الجد والاجتهاد والدراسة المتواصلة، يقومون بتخويفهم من صعوبة الأسئلة، ظنا منهم أن ذلك يحببهم على الدراسة والاهتمام. ويعتقد أن بعض من يقوم بوضع الأسئلة النهائية هم أساتذة جامعات، او خارج دائرة المدارس، وبذلك تأتي الأسئلة عكس ما يتوقعها الطالب.
وعبر علي الزهور من مدرسة الشهيد داوود العطاونة الثانوية عن قلقه بدء تقديم الامتحانات، وقال: "من شدة الخوف الذي يعتريني من الامتحان وصلت لدرجة أنني عندما افتح الكتاب للقراءة، اشعر بصداع كبير في راسي، والضغط يرتفع عندي، حتى أنني فتحت صيدلية في غرفتي، معظمها أدوية للصداع، وعلى الرغم من دراستي المتواصلة، وحفظي للمواد جيدا، إلا أنني دائما أخاف من الأسئلة، كوني لا اعلم طبيعتها".
المرشد الاجتماعي الأستاذ محمد عمرو أشار إلى ان واجب الأسرة، توفير الأجواء الهادئة بعيدا عن التوتر وأجواء الرعب، والإلحاح الزائد والمراقبة، وفرض القوانين الصارمة، من الإقامة الجبرية ومنع التجوال. وأكد أن الراحة النفسية للطالب، وتوفير الأجواء دون إظهار القلق والخوف أمام الطالب، تساهم بصورة مباشرة في تبديد القلق والخوف والحصول على نتائج جيدة.
وقال: "إن مراحل صعبة وعديدة يواجهها طالب التوجيهي، أهمها الضغوطات الكثيرة من الأهالي، وخاصة في الأشهر الأخيرة قبيل تقديم الامتحان، والتحذيرات والتوصيات المتكررة للطالب، مما يجعله متوترا وخائفا، إلى جانب الضغوطات الذي يعيشها الطالب من الامتحان نفسه، ودعا عمرو ذوي طلبة التوجيهي إلى التفكير بواقعية وعقلانية والاستناد إلى الحوار الأسري، واعتبار مرحلة الثانوية العامة ليست نهاية المطاف.
وكان نحو 88768 طالبا وطالبة، منهم 52367 في الضفة، و36401 في قطاع غزة، قد توجهوا، اليوم الأربعاء، لتأدية أول امتحانات الثانوية العامة.