نساء في مملكة النحل
الحارث الحصني
لا تجد سائدة إبراهيم (أم فايز) مصدر رزق لها ولأبنائها غير تربية النحل، مثلها مثل كثيرات سرن في طريق تربية النحل في الضفة الغربية.
بدأت أم فايز هذا العمل قبل أحد عشر عاما، على فترات متفاوتة كان آخرها قبل عامين، ضمن مشروع المستفيدين من منحة الأمير الوليد بن طلال، لتربية النحل في محافظة طوباس.
وتسكن أم فايز في بلدة عقابا شمال مدينة طوباس، وهي أم لثلاثة إناث ومثلهن من الذكور، أكبرهم فايز ابن الستة عشر عاما.
وتعتبر عقابا واحدة من البلدات الزراعية في المحافظة، وتنتشر فيها حقول مزروعة بأصناف مختلفة من الأشجار، تعتبر غذاء رئيسيا النحل.
أم فايز التي توفي زوجها قبل ثلاث سنوات، وشارفت على قضاء العقد الرابع من عمرها، تتحدث عن تجربتها في تربية النحل، بالتأكيد على أنها تستطيع القيام بكل ما يلزم، من وضع "البراويز" داخل صناديق الخلية، وقطف العسل من داخلها، ومراقبة الصناديق من الداخل.
"بعد عام على بداية هذا المشروع أصبحت بيننا علاقة وطيدة، تجعلني أحيانا أتنقل بين صناديق الخلايا دون اللباس المخصص، لكن لا يحدث ذلك في كل الأوقات؛ تحديدا بعد عملية استخراج العسل (...) أحيانا وأنا في مطبخ البيت، أعد قهوتي وحولي بعض النحلات التي يبدو أنها معجبة برائحة القهوة، دون إيذائي"، تقول أم فايز.
عندما كتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته "مملكة النحل" التي جاءت في 62 بيتا، وصف فيها الخلايا المنظمة، التي تحكمها "ملكة" تأمر وتنهي.
كان من المفترض اليوم أن تكون المرأة بين صناديق خلايا النحل؛ لكن حال دون ذلك عملية جراحية أجريت لها قبل أسابيع قليلة، ورغم ذلك فقد أجابت عن سؤال كيفية التعامل مع النحل في حال حدوث انقسام داخل الصندوق، وظهور ملكة جديدة وراءها أتباعها.
تقول: "سبب الطرد هو وجود ملكة جديدة، تبيض ليكون لها عاملات، ولأن النحل مملكة منظمة فلا يمكن أن تلتقي ملكتان في صندوق واحد، ولهذا تخرج الملكة القديمة، وهذا ما يسمى "الطرد، ومن خلاله تتم زيادة عدد الخلايا".
في بلدة عقابا سهل يمتد على مدّ النظر، فيه من الأشجار المثمرة والمحاصيل الحقلية والبعلية الكثير، كل هذا يحتاجه النحل؛ يحتاج أزهار الأشجار للغذاء وصنع العسل.
تعود أم فايز للحديث مرة أخرى عن المردود الاقتصادي لبيع العسل، وهو مصدر الرزق الوحيد لها: "لا يمكن تحديد المردود المالي للبيع، كل شيء يعتمد أساسا على فصل الشتاء؛.. الشتاء الوافر يعني أشجارا ونباتات مزهرة بشكل كبير، وهذا يعني كمية عسل ممتازة، والعكس صحيح".
تقول أم فايز إنها جنت الموسم الماضي أكثر من 40 كيلوغراما من العسل، أما الموسم الحالي فلم يتجاوز الإنتاج 15 كيلوغراما، وكل المحصول تبيعه في دولة الإمارات العربية المتحد، من خلال أقربائها المتواجدين هناك.
خلال السنوات الماضية، لوحظ توجه العديد من النساء إما بشكل فردي أو جماعي، إلى تربية النحل للحصول على مصدر رزق. وتعتبر فلسطين من الأماكن المناسبة لإقامة ممالك النحل المنتج للعسل.
لكن لا عسل دون ألم، ومن المعروف عن النحل أنه يموت فور لسعه لأي شخص. وتشير أم فايز إلى أنها تعرضت إلى عشرات اللسعات، البعض يخشى لسعة النحل، لكنها غير ذلك، "كل ما يأتي من النحل فيه شفاء."
في البلدة الواقعة شمال طوباس، هناك من يعين أم فايز، وهو ياسين غنام، ويقول إنه تعهد منذ بداية المشروع قبل سنتين بأن يقضي عنها بعض الأعمال، وبعد إجرائها العملية أصبح يقوم بكل شيء نيابة عنها.
رئيس قسم النحل في مديرية زراعة طوباس المهندس إيهاب ملحيس، يقول إنه يوجد في محافظة طوباس 116 مربي نحل، وما يقارب 4500 خلية نحل داخل صناديق، وتتراوح كمية إنتاج الخلية الواحدة سنويا بين 13 إلى 15 كيلوغراما من العسل.
ويضيف أن مربي النحل غالبا ما يجني العسل مرتين في السنة، إحداهما في شهر نسيان، والثانية في شهري آب و تموز.
ويتفاوت معدل المردود الاقتصادي لبيع العسل في المحافظة حسب الموسم، فمثلا وصل دخل المزارعين العام الماضي من بيع العسل إلى أكثر من ثلاثة ملايين شيقل، وانخفض الرقم هذا العام ليصل إلى ما يقارب 700 ألف شيقل.