وطن على سفوح "الحمرا"
شادي جرارعة
غرفة من اللّبن تتّربع على سفح تلة تطل على حاجز "الحمرا " في منطقة الأغوار، كرفان، وبركس للمواشي كل ما يملكه المواطن محمود بشارات (34 عاما).
"قمت بالبناء مباشرة وأجريت تعديلات على المكان بعد عملية الهدم الأخيرة التي طالت غرفا من الطوب كانت قيد الإنشاء وبركساً كان يأوي بداخله المواشي". يقول بشارات
ويضيف "أضفت كرفانا وعملت على بناء بركسٍ جديد للمواشي وتثبيت الغرفة التي نسكن فيها منذ ولادتي فقد تعرض سقفها لخراب جزئي نتيجة للأحوال الجوية التي مرت علينا.. نحن الآن بين فكي كماشة؛ فالاحتلال يمارس هوايته بهدم منزلنا ومداهمته كل فترة، والمجلس المحلي، وللأسف، لا يقدم لنا اي خدمات او مقومات للعيش ودائما ما يصعب علينا الأمور بالحصول على أدنى حقوقنا لترميم منازلنا او الحصول على الكهرباء بشكل منتظم".
ويقول بشارات أنه يدفع 45 شيقلا شهريا لعمليات الصيانة المفروضة من المجلس المحلي التابع لمنطقة فروش بيت دجن، غير أن مشاكل الكهرباء عندهم كثيرة لعدم وجود بنية تحتية لها، ما يحرمهم من شرب الماء البارد، وهي أدنى المتطلبات، في ظل الحر الشديد التي تمتاز به المنطقة معظم أيام السنة.
ويشير بشارات الى أن المنطقة تحظى بالعديد من المشاريع غير أنها لا تطال ساكني هذه المناطق المهمشة، من ترميم او كرفانات وغيرها، وغالبا لا يعلم سكان هذه المناطق البعيدة والنائية بهذه المشاريع.
ويلوح بشارات بيده باتجاه بعض المساكن المقابلة له، ويقول "هؤلاء لا يعلمون أي شيء عن المشاريع، منازلهم تتعرض دائما للهدم من قوات الاحتلال، ومن السيول الجارفة التي تتعرض لها المنطقة، فهم يتواجدون على اسفل المنحدر، والحجة دائما حاضرة من المجلس بأنهم وضعوا الاعلان على أبواب المحال التجارية منذ خمسة عشر يوماً، لكنهم يعلقونها قبل انتهاء التسجيل بيوم واحد".
مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس معتز بشارات، يقول "إن قوات الاحتلال وما تسمى الادارة المدنية الاسرائيلية تشن منذ مطلع العام حرباً شرسة على ساكني الاغوار، فقد قامت بست عمليات هدم، وإخطار 58 عائلة بهدم منازلها، ومصادرة ما يقارب 12 آلية زراعية، وستين أخطاراً بحجة تنفيذ تدريبات عسكرية وتدمير خطوط المياه والطرق".
ويضيف بشارات "قوات الاحتلال تنتهج خططاً منظمة لإخلاء الاغوار وتهجيرها من سكانها للسيطرة على الاراضي الزراعية فيها وبناء المستوطنات".
"نحن ننتظر الهدم الجديد في أي لحظة فقد كانوا هنا منذ يومين لكنهم لم يخطرونا او يخبرونا بأي شيء"، تقول الحاجة زعل (64 عاما) التي كانت تعبئ قوارير المياه وتحضر الطابون لإعداد الخبز.
وأضافت "قوات الاحتلال تأتي الينا بين الحين والآخر وتتفقد المكان وتطمئن انه لم يحصل أي بناء جديد وتعود أدراجها باتجاه المعسكر الذي يواجهنا.. لقد تعرضت منازلنا هنا للكثير من عمليات الهدم والمداهمة من قبل قوات الاحتلال وفي كل مرة نعيد البناء مباشرة مهما كانت الأدوات المتوفرة لدنيا ، لكن لا احد يساعدنا او يقف الى جانبنا من المجالس المحلية فدائما يقدمون الحجج لنا" تضيف زعل، وتشير أن البلاد.. كل البلاد لها، وأن حياتها جميلة هناك على سفوح "الحمرا" على الرغم من كل المصاعب التي تواجهها وعائلاتها، وأنها تتحرك بحريتها وتذهب اينما تشاء رغم أنف الاحتلال.
"نحن الأن نُحارب على كل الجبهات، وسيكون الهدم القادم هو الهدم الأول الذي ستشهده حفيدتي 'ليلاس' ابنة الأربعة أشهر التي ملأت حياتنا ومنزلنا بالفرحة".. هكذا ختمت الحاجة زعل حديثها مع "وفا"، وحالها كأنما يقول: نحن أصحاب هذا المكان، وهذه الأرض وطننا.. هنا عشنا وهنا وُلدت حفيدتنا ولن نرحل حتى لو كلفنا ذلك حياتنا.