مركزان حقوقيان: منظومة التحقيق في القانون الإسرائيلي موجهة لحماية قواتها
قال مركزان حقوقيان إسرائيلي وفلسطيني، اليوم الأحد "إن منظومة التحقيق في القانون الإسرائيليّ وآليات تحقيقها الخاصة المُعيبة، موجهة بشكل أساسي لحماية قواتها المسلحة وتوفير الحصانة لها، ما يتيح لها الإفلات من العقاب".
وأضاف المركزان (عدالة والميزان)، في تقرير مشترك لهما، أن منظومة التحقيق في القانون الإسرائيليّ تؤكد بوضوح عدم استعداد إسرائيل للتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدوليّ، فضلا عن انعدام نيّتها تقديم الجناة المسؤولين إلى العدالة، ما يثير تساؤلات خطيرة بشأن دقّة وشموليّة آليات التّحقيق الإسرائيليّة.
وأضافا أنه رغم مرور عامان على العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، إلا أن إسرائيل ترفض التحقيق في انتهاكات القانون الدوليّ في قطاع غزّة، وهي غير مستعدة لإجراء تحقيقات حقيقيّة ومستقلّة بشبهات جرائم الحرب، كما أنها لا تنوي إجراء أي محاسبة كما يقتضي القانون الدوليّ.
وأشارا إلى أن هذا الوضع استمر رغم تشكيل الجيش الإسرائيلي آلية جديدة أطلق عليها "آلية تقييم وتقصي الحقائق" (FFA)، التي زعم أنها ستحسن من عمليات التحقيق لدى الجيش.
وقدّم المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، بالشراكة مع مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزّة، سلسلة من الشّكاوى إلى المدعي العسكريّ العام في الجيش الإسرائيليّ وإلى المستشار القضائيّ للحكومة، مطالبين بفتح تحقيقات مستقلّة في شبهات انتهاك القانون الدوليّ الإنساني، والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، والقانون الجنائيّ الدوليّ، التي ارتكبت خلال هذه العملية سعيًا لمحاكمة مرتكبي هذه الانتهاكات جنائيًّا.
وبالرغم من ذلك، وبعد عامين على العدوان، قال المركزان، في تقريرهما، إن معالجة هذه الشّكاوى على يد السلطات الإسرائيليّة قد أثبتت ما بات واضحًا من التجارب السابقة، أن إسرائيل غير مستعدة لإجراء تحقيقات حقيقيّة ومستقلّة بشبهات جرائم الحرب، كما أنها لا تنوي إجراء أي محاسبة كما يقتضي القانون الدوليّ.
ووفق التقرير المشترك، فإنه بين شهري حزيران وأيلول من العام 2014، تقدّم كل من عدالة ومركز الميزان بشكاوى إلى المدعي العسكريّ العام وإلى النّيابة الإسرائيليّة العامّة فيما يتعلّق بـ 27 حالة اشتباهٍ بانتهاك القانون الإنساني الدوليّ وقانون حقوق الإنسان خلال عدوان "الجرف الصامد".
وقد طالب المركزان السلطات الإسرائيليّة بفتح تحقيق جنائيّ مستقلّ في كل من الحالات المذكورة وملاحقة ومحاسبة من تثبت مسؤوليتهم.
وتشمل هذه الحالات أحداثا شديدة الخطورة أسفرت عن مقتل وإصابة مدنيّين فلسطينيين، بما فيهم نساء وأطفال، إلى جانب الدمار الهائل الذي خلّفته بالمباني المدنيّة نتيجةً لهجمات عسكرية تشير الأدلة المتعلقة بها إلى أنها شنّت بطرق تتنافى مع مبادئ التمييز والتناسب، التي قد ترقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدوليّ الإنساني.
وتندرج معظم الأحداث وفق التقرير ضمن الحالات: الاستهداف المباشر للمباني السكنيّة، وما تسببه من مقتل وإصابة للمدنيين؛ الاستهداف المباشر للأطفال (مثل الأطفال الأربعة من عائلة بكر الذين كانوا يلعبون على الشاطئ، وأطفال عائلة شحيبر الذين كانوا يطعمون الحمام على سطح منزلهم)؛ الاستهداف المباشر لخمس مدارس تابعة للأونروا، وهي مدارس كانت تؤوي مدنيّين نازحين؛ قصف المساجد والمشافي، وملجأ لذوي الإعاقات الشديدة؛ واستهداف البنى التحتيّة وعمال البلدية الذين كانوا يقومون بإصلاحها.
وتظهر النتائج بأن 48% من الشّكاوى المقدمة من قبل مركز عدالة ومركز الميزان (13 شكوى من أصل 27) لا تزال رهن الفحص من قبل آليّة تقييم وتقصّي الحقائق (FFA) التابعة للمقر العام للجيش الإسرائيلي، أو أن المؤسسات لم تتلقّ أي ردٍ بخصوصها، وذلك بعد عامين على انتهاء العدوان.
وفيما يتعلق بالشكاوى الـ 107 الإضافية التي تقدم بها مركز الميزان، فقد أكّد كل من مكتب المدعي العسكري الاسرائيلي وآليّة (FFA) تلقي 96 شكوى، واستعلما عن 62 شكوى منها طلبا فيها معلومات إضافية موجزة، ركّزت على وقت وقوع هذه الأحداث وموقعها.
وحتى تاريخ اليوم، فقد أبلغ مركز الميزان بأن 62 من هذه الشكاوى كانت تخضع لفحص أوّلي من قبل الآلية، بينما طلبت وحدة التحقيق في الشرطة العسكريّة الإسرائيليّة إحضار شهود لتقديم إفاداتهم في معبر بيت حانون "إيرز" شمال القطاع في 12 شكوى.
وقام مركز الميزان بمساعدة تسعة شهود، هم سيدة وثمانية رجال، في الوصول إلى المعبر وتقديم شهاداتهم. وبتاريخ 24 آب 2016، وصلت مركز الميزان مراسلات من مكتب المدعي العسكريّ العام بشأن خمسة من هذه الشكاوى، تبلغ المركز بإغلاق الملفات دون إجراء تحقيق جنائي، وهو ما رفع عدد الملفات التي أغلقت إلى عشرة.
كما رد المدعي العام العسكري على رسائل تذكير الميزان بتاريخ 22 آب 2016 مدعياً عدم استلامه لثمانية من الشكاوى الـ107، وهو ما نفاه المركز وأرسل أرقام اثنين من الملفات الثمانية التي كان المدعي العام قد أرسلها مع تأكيد الاستلام للمركز، وتم إعادة أرسال الشكاوى الثمانية مرة أخرى، وهو ما يثير تساؤلات بشأن إدارة هذه الملفات.
وحسب التقرير، لم يبلغ مركز الميزان حتى تاريخ نشر هذه الورقة بأنه قد تم فتح أي تحقيق جنائي فيما يتعلق بأي من هذه الشكاوى. وأن الشكاوى التي تمت معالجتها جزئيًا من قبل مكتب المدعي العسكريّ العام وآليّة (FFA) بشكل أسرع من غيرها كلها تتعلق بتهم السرقة وإساءة معاملة المدنيين أثناء الاحتجاز من قبل الجيش الإسرائيلي.
وتهدف آليّة (FFA)، وفق التقرير الحقوقي المشترك، إلى جمع المعلومات والمواد المتعلّقة حصرًا بـ "الحالات الاستثنائيّة" فقط، والتي وقعت إبّان عدوان "الجرف الصامد"، وهي الحالات التي قرر المدعي العسكريّ العام فيها بأن الملفّات تتطلّب "معلومات جديدة"، ويتم عرضها عادة على المدعي العسكريّ العام، وهو الجهة التي تقرر إذا ما كان ينبغي فتح تحقيق جنائيّ في القضايا أم لا. نظريًا، كان يتوجب على آلية الـ (FFA) أن تعمل بتوسع ومن دون تأجيل، في إطار زمني هو أقرب ما يمكن من زمن حصول الحادث المشار إليه، بهدف ضمان أن يكون التّحقيق سريعًا وفعّالًا.
لكن على أرض الواقع، فإن معظم الشّكاوى المقدمة من قبل عدالة والميزان تم تجميدها فعليًا من قبل هذه الآليّة. ومن ضمن هذه القضايا اثنتين من أصل خمس قضايا متعلّقة بهجمات الجيش الإسرائيليّ على مدارس الأونروا التي كانت تؤوي مدنيّين نازحين إبّان العدوان.
وقد تم فحص ثلاث حالات منها من قبل هيئة التّحقيق التابعة للأمم المتّحدة، والتي وجدت بأنه قد تم استخدام أسلحة غير دقيقة.
وتوصلت إلى الاستنتاج بأن: "استخدام هذا النوع من السلاح في محيط مدرسة تؤوي مدنيّين تابعة للأنروا يحمل في طيّاته احتمالية عالية ليصل حد اعتباره هجمة عشوائية، ولذا فإنها، تبعا للظروف، قد تعتبر هجوما مباشرا ضد المدنيّين، وعليه، فإنها قد ترقى إلى حد اعتبارها جريمة حرب.
وحسب التقرير الحقوقي المشترك، يطالب القانون الدوليّ الإنساني، كما القانون الدوليّ، الدول بالتّحقيق في شبهات ارتكاب انتهاكات أثناء النزاعات المسلّحة، ويتطلب ذلك أن يضمن التحقيق المعايير الدوليّة وعلى رأسها الاستقلاليّة، النزاهة، النجاعة، الفوريّة، والشفافيّة، كما يتطلب مقاضاة المتهمين بالمسؤولية بحسب القانونين، المحلّي والدوليّ.
وأضاف أن التّحقيقات الإسرائيليّة خلال عدوان "الجرف الصامد" اتسمت بقصورٍ جديّ قياسًا بهذه المعايير الدوليّة.