مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

"كواكب لا تغيب".. رحل عماد وبقيت زيتونته وضحكاته

- توقفت الحلقة الجديدة من سلسلة "كواكب لا تغيب"، التي تنظمها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، في بلدة طمون، ووثقت حكاية الشهيد عماد محمود بشارات، الذي أوقف رصاص المستعربين أحلامه قبل 34 عاماً.

يجلس والدا الشهيد بشارات في غرفة تحتفظ جدرانها برائحته: صور، وشهادات علمية، وميداليات، ونعي لقائد مجموعات الفهد الأسود، ويمسكان ببلوزة منسوجة على هيئة كوفية ترفض الأم غسلها منذ رحيل فلذة كبدها، وتقول إنها تشم رائحة ابنها فيها كل يوم. يتناوب الزوجان على الجلوس في ظل شجرة زيتونة غرسها الابن الشهيد قبل رحيله، أما الأم فتحرص كل عام على توزيع زيت من الشجرة عن روحه.

اللقاء الأخير

تعيد الأم حليمة يوسف (68 عاما) بقلب يقطر حزنًا استذكار اللقاء الأخير بابنها البكر، فقد طلب يوم استشهاده أن تعدّ له ولرفاقه إفطار رمضان، وخرج قرابة الواحدة ظهرًا إلى مخيم عسكر القديم شرق نابلس، لحل خلاف بين نشطاء الانتفاضة، انتهى بكمين لوحدات المستعربين الخاصة، الذين تنكروا بزي نساء، كما عرفت العائلة لاحقًا.

تروي: خرج عماد ورفيق دربه، وقالا لي إنهما سيتناولان طعام الإفطار على موعده، وسيكونان عندها قبل الغروب. فوضع ابني الحطة (الكوفية) على رأسه وأراد الخروج، وطلبت من صاحبه الذي لا يفارقه أن لا يصطحب عماد، ويأخذ مقابله اثنين من إخوته، فضحك، وأجابها: "ما تقلقي، وصعب حد يشبه عماد"، وخرجا دون أن يخبراني عن طريقهما.

تتابع بحزن يأسرها: بدأت أعد الفطور، وجاءت عندي جارتي الحاجة نعمة عبد الكريم لشراء الجبنة، وأحسست بأن شيئًا ثقيلاً يحط على صدري، وبدأ قلبي يقفز من مكانه، وقلت لها: "انحطم قلبي، وخايفة على عماد"، وبعد وقت قصير، سمعنا صوت سقوط كاسات الزجاج التي احتفظت بها من هدايا نجاح ابني في التوجيهي، فقد كانت على ظهر الخزانة، وأخفيتها لزفاف عماد لكنها تحطمت، دون أن يمسها أحد، وشعرت بأن شيئا ما أصاب ابني لحظتها.

ووفق ما تتذكره الأم ولا ينساه الأب، فقد وصل ابنهما إلى قلب مخيم عسكر القديم ظهيرة يوم الأحد، 15 آذار 1992؛ لتطويق خلاف فضائلي بين فتح والجبهة الديمقراطية، واجتمع نحو 30 مطارداً فوق سطح منزل، غير أن رصاص الوحدات الخاصة انهال عليهم، فاستشهد عماد ونعيم اللحام وحجاج حجاج، وأصيب رفيق ابنها في ذراعه، ونجا بأعجوبة من موت محقق، بعد أن سقط في قلب شجرة.

تسرد الأم بعينين دامعتين: حين خرج ابني لبس كل شيء جديد عنده: بلوزة بيضاء، وسترة رمادية، وبنطالاً جديدًا، وحذاء "فورزا"، ورفض قبل خروجه أن يلبس جوارب قديمة، فأرسل أخاه إلى دكان أبو النعيم لشراء جديدة بيضاء اللون، وخرج وكأنه عريس.

شعر ومخدة

وبحسب ما تبوح به، فإنها وبعد وصول الخبر المؤلم، طلبت من أصحابه ورفاقه وقت التشييع ألا يضعوا الكثير من التراب على شعر عماد المُجعد، فيما أعطاهم والده المخدة الصغيرة، التي أحضرها ابنه خلال مكوثه لسنتين ونصف في ألمانيا، ليريحوا رأسه، ويحافظوا على وسامته في قبره.

تقول الأم: كان عماد أبيض البشرة والقلب، وحبابا، ومتوسط القامة، وحنونا، وسجل بعد نجاحه في الثانوية العامة لدراسة التمريض في جامعة النجاح، ودرس فصلاً واحدًا ولم يكمل أحلامه، ورفض إلحاحي تزويجه، فكان يقول لي "أنا لا أصلح للزواج يا أمي".

توالي: قبل أيام من استشهاده، كان ابني يتكئ على مكان وضع الفراش، وأخبرني بأنه سيرسل لي معاشًا دائمًا، ورجوني ألا أحبه أكثر من إخوته، حتى لا يتضايقوا. واعتاد أن يأتي من خارج البيت ويسأل عني، ثم يطلب مني الجلوس ليمشط شعري. وأحس إلى اليوم بضحكاته التي لا تغيب.

أمضى بشارات نحو سنتين ونصف في ميونيخ بألمانيا، فقد وصلها في الشهر التاسع من عمره، وأصيب بمرض الحصبة هناك، وابتعد عن الرضاعة الطبيعية منذ الشهر التاسع، وفي السنة الثانية، اشترى والده له دراجة هوائية، وكان ينطلق في الشارع بسرعة، ويلحقه رجال الشرطة خوفًا على حياته من السيارات. وسبق أن أقام والده 12 عاما في ألمانيا، موظفاً في شركة سيارات ذائعة صيت بسرعتها.

ويقف عماد في الترتيب الأول لعائلته، إذ أبصر النور في 23 تموز 1969، تبعه إخوته: نهاد، وعلي، وكارم، وجهاد، ويوسف، وعدي، ونعمة، وأمونة، لكنه الكتوم، الذي لا يبوح بسره لأحد مهما كان.

تقدّم الأم مشاعر مختلطة فتترشح للدموع تارة، لكنها تبتسم وهي تسترد سيرة عماد، فتقول: حين كنا نشتري الملابس للأبناء في الأعياد والمناسبات، كان عماد يقبل بأي مقاس، حتى لو لم يناسبه، وفي إحدى المرات لبس بنطالاً قصيراً، ولم يرغب في إزعاج أخيه نهاد، الذي اختار البنطال الطويل.

أعلام وأحلام

واستنادًا إلى الأم المجروحة، فإن عماد ذات مرة كان كثير الحركة في نومه، فراقبته لمعرفة السبب، لتكتشف أن ولدها يخفي على جسده مجموعة من أعلام فلسطين تحت ملابسه، فضحكت على فعلته .

وتقول: يزورني عماد في المنام كثيرًا، وخاصة عندما نمر في ظروف صعبة، أو يكون أحد إخوته في مرض، وفي كل حلم يعطيني المال، وقد سلمني مرة ورقة لزيارة بيت الله، وقد عاتبني لغيابي عن زيارة قبره. وفي حلم ثان، عاتبته على عدم السؤال عليّ، فأجاب: "ما عندي قلب، أخذوه مني مع كبدي بالمشرحة يوم استشهادي".

وتضيف: حين وصل جثمانه من معهد أبو كبير صباح اليوم التالي، وجدت جسده مخيطًا، وصرت أتذكر حلم عماد بما فعلوه فيه من سرقة لأعضائه.

أعادت عائلة بشارات إطلاق اسم عماد خمس مرات، الأولى لابن الأخ نهاد، ثم ابن الأخ علي، فأبناء الخال والأقارب: أمجد، وخالد، وناصر. تقول الأم: يشبه حفيدي عماد (17 عاما) ابني الشهيد، وحين يزورنا أحضنه كثيراً، ويكرر بعض صفات ولدي الذي لن يعود.

 تنهي الأم: يذكرني الهواء الذي أتنفسه كل لحظة بعماد، وتعيدنا الزيتونة التي غرسها وسط البيت به، وكلما أمشط شعري أتذكر ضحكاته، أما دموعي ودعواتي فهي كلها له، ولو بقي على قيد الحياة لكان أولاده طوله، ويزورنا أصحابه فأتوجع على فراقه وأدعو له بالرحمة.

غياب وحضور

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، إلى أن "كواكب لا تغيب" التي تستعد لإنهاء عامها الثالث، وثقت القصص الإنسانية لقرابة أربعين من شهداء انتفاضة الحجارة في مدينة طوباس وبلدتي: عقابا وطمون وقرية تياسير ومخيم الفارعة.

وقال: تحرص الوزارة بالشراكة مع اتحاد المرأة، على إعادة بناء حكايات شهداء الحرية خلال انتفاضة العام 1987 من جديد، واستذكار ألم غيابهم، ورسم الأحزان التي تسكن قلوب عائلاتهم وتفوح من جدران منازلهم، رغم مرور سنوات طويلة على الرحيل.

ــ

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024