الأحزاب تهمش دور المرأة في المشاركة السياسية
بشار دراغمة- لم تحقق ملايين الدولارات التي تنفقها الجمعيات النسوية ومراكز الدفاع عن حقوق المرأة والنشاطات الحزبية، تقدما في سبيل تعزيز دور النساء بالمشاركة السياسية، حيث شهد حضور المرأة في قوائم المرشحين للانتخابات المحلية تراجعا ملحوظا عن الدورات الانتخابية الماضية، ولولا وجود نص قانوني ملزم بضمان حضور المرأة ضمن أول خمسة أسماء وتسعة أسماء لربما غابت المرأة كليا عن القوائم، الأمر الذي يطرح مجموعة كبيرة من التساؤلات حول هذا التهميش للنساء حتى من قبل احزاب تدعي دفاعها عن حقوق المرأة وترفع شعار تعزيز مشاركتها السياسية، التي ربما ساهمت في هذا التراجع بعدما ألقت بنفسها في أحضان العشيرة، وتساؤلات أخرى عن دور الجمعيات النسوية والأنشطة التي تنظمها دفاعا عن المرأة وحقها في المشاركة.
وكانت المرأة ضمن الكثير من قوائم المرشحين مجرد التزام قانوني ليس أكثر، ولم تحتل المرأة الترتيب الأول في قوائم المدن الرئيسية باستثناء قائمة واحدة في مدينة نابلس، وكانت رقم 2 في قائمة أخرى في ذات المدينة، ورقم واحد في أحد القوائم في مدينة غزة، أما في رام الله فكانت المرأة رقم 3 في قائمتين، وفي طوباس كانت رقم 3 في قائمة واحدة من أصل 8 قوائم، وفي أريحا احتلت الرقم 3 في قائمة واحدة وكذلك الأمر في الخليل. أما بقية القوائم فكانت المرأة بصورة عامة تحتل الرقمين 5 و9 وهو الموقع الذي ضمنه لها القانون، وكذلك نسبة مشاركة المرأة ترشحا في هذه الانتخابات هو أقل من المرة الماضية التي وصلت فيها النسبة إلى 25%.
وأبدت ماجدة المصري، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية وهي ناشطة في قضايا الدفاع عن حقوق المرأة، صدمتها من المواقع التي احتلتها المرأة ضمن قوائم المرشحين، ووصل الأمر إلى اخفاء اسماء المرشحات في بعض القوائم التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ووضع اسم الأب أو الزوج بدلا من اسمها.
وقالت المصري لـ"الحياة الجديدة" إن حضور المرأة في قوائم المرشحين بهذا الشكل مرفوض تماما، وبحاجة إلى وقفة جادة لمعرفة سبب هذا التراجع، مشيرة إلى أنه لا احصائيات دقيقة حتى الان، لكن النتيجة الأولية هي ان هناك تراجعا في حضور المرأة عن الانتخابات الماضية.
وبحسب المصري فإن نسبة التراجع في حضور المرأة ربما تصل إلى 30%، مشددة على أن هذا التراجع لا يتناسب نهائيا مع التطور الحاصل في دور المراة على الساحة الفلسطينية على كافة المستويات، مضيفة "كنا نتوقع حضورا اكبر من المرات الماضية، لكن النتيجة كانت صادمة جدا، والقوائم غلبت عليها الصفة العشائرية".
وتعتقد المصري أن السرعة في تشكيل القوائم ربما كانت سببا وراء هذا التراجع، مضيفة "الموضوع بحاجة إلى رصد عميق وبحث في دور الجمعيات النسوية في تطوير المشاركة المرأة السياسية".
أما الكاتب والناشط في القضايا النسوية نبيل دويكات فحمل الأحزاب مسؤولية التراجع في دور المرأة، وقال لـ"الحياة الجديدة" إن التنظيمات انجرت وراء التجمعات العشائرية والعائلية، مضيفا "لو لم يكن هناك قانون ملزم بحضور المرأة في القوائم لربما وجدنا قوائم بلا نساء نهائيا".
ويقول دويكات "وضع المرأة في القوائم يكاد يتجه نحو التزام حرفي بنصوص قانون الانتخابات في هذا المجال، مع ميل الى تبني التفسير الذي يعطي الحد الادنى من حقوق النساء، وفي الغالب يقع ترتيب النساء في المركز الخامس والتاسع من القائمة، وهو ما سيؤدي حتماً الى التقليل من فرص النساء في الفوز، إذا أخذنا بالاعتبار فرصة وعدد المقاعد التي ستحرزها كل قائمة انتخابية".
ويضيف دويكات "خلال الأيام الماضية تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لعدد من القوائم الانتخابية في بعض الهيئات المحلية تم خلالها إدراج النساء فيها انسجاماً مع القانون، أي مراعاة التمثيل النسبي وفق نصوص القانون، لكن عوضاً عن تسمية المرشحة باسمها الرباعي على القائمة تمت الاستعاضة عنه بوضع كلمات أخرى مثل كلمة "اخت" أو كلمة "زوجة..." وهي تعابير ربما يفهم منها ضمناً إما عدم الرغبة في ذكر اسم المرشحة بحد ذاته، أو أنه لم يتم تحديد اسمها بعد، أو أنه تم إدراج اسمها في القائمة الانتخابية ليس بسبب الرغبة الواضحة والأكيدة في وجودها فيها كمرشحة، بقدر ما هي محاولة لاستيفاء الشروط القانونية لتشكيل القائمة، أو تحقيق و/أو إرضاء لبعض الاعتبارات والمجموعات والجماعات ذات الوزن الانتخابي".
ويرى دويكات أن المشاركة النسوية في الانتخابات بقيت محل تساؤل رغم القوانين التي تم اقرارها ومنها "الكوتا" النسوية وبقي الموضوع باستمرار على طاولة البحث أمام النساء والحركة النسوية خصوصاً، ومؤسسات المجتمع المدني عموماً. وبقي الجدل مستمراً ويتراوح بين وجهة نظر ترى أن إقرار "الكوتا" النسوية وتطبيقها فعلياً هو إنجاز حقيقي لصالح تعزيز دور النساء، ووجهة نظر أخرى ترى أن هذا الإنجاز ما هو إلا عبارة عن إنجاز شكلي تجميلي، يحتاج الى الكثير من الجهد والعمل من أجل تحويله الى فعل حقيقي على أرض الواقع. وتكريس نمط من العمل الإداري والتنظيمي لهذه المجالس يتجاوز الصورة النمطية التقليدية لدور المرأة، ويفسح المجال امامها، ويوفر الأرضية المجتمعية المناسبة للمشاركة الفعلية للنساء في عمل المجالس.
ويرى دويكات أن مجمل ما حدث بشأن المرأة وترشحها في الانتخابات المحلية يضع علامة للتحذير من انه حتى "بعض الإنجازات" التي تحققت فعلا كتعديل قانون الانتخابات قد تكون هي الأخرى في مهب الريح. وهكذا يتحول واقع الحال من وضع يمكن فيه التقدم الى الامام خطوة تلو الأخرى ليصبح ويتحول الى التقدم خطوة واحدة الى الامام تتبعها خطوات عديدة الى الوراء.
أما الناشطة النسوية ريما الوزني فترى أن ما حدث من تهميش لدور المرأة هو اصلا واقع موجود واستخفاف من المرشحين بمكانة المرأة ووضعها وعددها ووزنها في الانتخابات، ودعت الوزني النساء لمقاطعة الانتخابات في كافة المواقع، لأن ما يحصل لا يليق بمكانتها الوطنية والاجتماعية، حسب قولها.