مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

الــدَّرْزِيّ

- إيهاب الريماوي ورامي سمارة

من القدس انطلق، فوطأت قدماه عمّان، ثم بغداد فالكويت فالرياض وطرابلس، وحط في دمشق وبيروت، لم يعمل فيها جميعاً، ولكن لما كان يحطّ الرحال في إحداها حاملاً إبرة وخيطاً، كان يأكل من صنعته جوزاً ولوزاً.

احتضنته عاصمة الرشيد، تعلق قلبه فيها فأعطته من خيرها، لكنه هجرها بعد أحد عشر عاماً.

هناك كان الميسورون يُفصّلون في الشتاء ثلاث بدلات، وأقل بواحدة في الربيع، كانوا يهتمون كثيراً بهندامهم.

في عينيه كانت أجمل مدن العالم، كان يستأجر غرفة في منزلٍ يغدق أصحابه عليه المأكل والمشرب، وأحياناً لا يطالبونه بالأجرة، وسخاء شعبها المضياف انتهى به المطاف بعرض هوية لاجئ عليه مقابل البقاء، لكنه حزم حقائبه وغادر بغداد عام 1966.

عاد أحمد الشاويش إلى رام الله، وباشر العمل في محله الخاص، ثلاث سنوات اتجه بعدها إلى القدس التي ولد فيها عام 1935.

في باب الخليل افتتح دكاناً توّج فيه خبرة عمرٍ في الخياطة بدأت عام 1951، العواصم التي عمل بها كان لها فضل عليه، منها اكتسب خبرة لا ينكرها، ولا ينكر قبلها فضل معلميه المقدسيين، إسحق الشرفا، وعبد السلام الدجاني، وأحمد القباني، وعز الدين وفا الدجاني، وأرتين الأرمني.

استشرف فيه معلموه خياطاً ماهراً، فكانوا يرفعون السقف فوق قدرته، أحدهم صفعه يوماً لأن انتاجه قلّ بقطعة واحدة عن إنتاج أربعة من زملائه مجتمعين، حينها كانوا يضعون أزراراً وعراوي للباس عمال بلدية القدس التي كانت في حينه تتبع الأردن، ومرة تعمد معلمه شق إصبعه لأنه تأخر في إحضار المقصّ.

بعد عقدٍ من الزمان، ضيّق الغزاة عليه الخناق، ومُنع اليهود من الشراء من محلات العرب، فضاق الحال إلى أن استحال العمل، لا دخل يغطي المصاريف، ولا اسمه الذي كاد يطبع بين نسيج القماش وعلى كل سُمِّ خِياط؛ أصبح يعطيه كفاف يومه.

عام 1986، غير ملامح دكانه في باب الخليل، أفرغه من أدوات الخياطة وخبأها، وحوّل المخيطة إلى مسكن يؤويه وعائلته، ثم مضى يطارد بإبرته وخيطه رزقه في عواصم العرب.

بعد ذلك باثني عشر عاماً، عاد إلى رام الله حيث ما زال اسمه يتردد بين جنباتها، جلب إلى مخيطة افتتحها ما خبأه من أدوات. أحدٌ في مكانه قد يمل الثقوب والوخز و"البكرات" و"الطُبب"، وقد يرى أن الكشتبان ضاق على إصبعه، وقد يكل أخذ القياسات وتقدير الأبعاد، غير أن الشاويش الذي لم تستهويه البتة جلسات المقاهي ودخان النرجيلة وقهقهات العجزة وشرودهم، لم يكن على استعداد للتخلي عن مهنته، بل كان ليفديها بروحه.

لم يخن الصنعة لكنها خانته، أدخلت الآلة عليها وفُتحت الحدود أمام إنتاجاتها؛ فلم تعد كما كانت، "الخياطة لم تعد حرفة لها مكانتها، الخياطون كُثر، والمحال التجارية أصبحت تعج بالبدل المستوردة، ولم يعد خام البدل وقماشها متوفراً، وحتى الحشوة الانجليزية غُيبت، الموجود هو المقلد، الذي يستهلك ويبلى بعد ثلاثة أو أربعة أشهر".

التهمت الصناعة فن الخياطة، والإبرة أصبحت تابعة للآلة بعد أن كانت لقرونٍ آلة بحد ذاتها، اليوم الخياطون هم من يستطيعون تشغيل ماكينات "القص واللصق"، وهم من يظنون أنهم يتقنون تقصير البناطيل وحياكة أواخرها.

يفخر أحمد الشاويش بأنه احتل الاسم الأول في القدس كخياط، كان مقصداً للأطباء والمعلمين والفرق الموسيقية والسحرة، ويذكر أن ثمن البدلة الواحدة وصل إلى 12 ديناراً عام 1960، وحينها كان مبدأ التقسيط متاحاً للزبائن، حيث يمكن سداد ثمنها على مدار عام، دينار في كل شهر.

اليوم، لا تغريه 10 آلاف شيقل لخياطة بدلة، رغم أن تكلفتها لا تتجاوز 3 آلاف، حيث القماش لم يعد متوفراً بذات الجودة التي تتيح له إعمال فنّه وسحره، عدا عن الأثر الذي تركته الحملقة في بصره.

الشاويش، لا يجد وجهاً للمقارنة بين بدلات حاكتها يداه منذ عقود وتلك التي يغص بها السوق، "صنع يده يفوق موضة هذه الأيام جمالاً، ويتفوق عليها ذوقا وفنا ونظافة ومخافة لله".

قبل 18 عاماً، دق أحمد الشاويش آخر خيط في آخر بدلة صنعها، وجد نفسه ضعيفاً أمام قوة الآلة وغزو السوق المفتوح، في محله برام الله الذي تتدلى من سقفه مكاوٍ بلاستيكية؛ ينحني بصعوبة أمام ساقي فتى جاء لتقصير بنطاله، يأخذ علامة ويطلب منه الانتظار لخمس دقائق ينهي خلالها عملاً كان يزدريه، يطلب مقابل ذلك 10 شواقل.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024