الأسيرة المحررة سيما عنبص.. غياب إلى الأبد
هدى حبايب
كان أمل سيما عنبص، أن تعيش مع أولادها وعائلتها مستقبلا جميلا خاليا من الألم والفقدان وقضبان السجن. رسمت خارطة حياتها بالنضال والجد والعمل إلى أن باغتها الموت اليوم إثر مرض عضال معلنا غيابها إلى الأبد.
وعنبص ابنة مخيم طولكرم البالغة من العمر (44)عاما، أسيرة محررة عاشت مرارة السجن والعزل ما يقارب عامين ونصف هي مدة محكوميتها، اعتقلها الاحتلال عام 2004، وفقدت زوجها ابراهيم النعنيش عام 2003، ومن قبله شقيقها مصطفى عام 2001، عندما اغتالتهما قوات الاحتلال ليلتحقا بقافلة شهداء فلسطين.
ذاقت عنبص المأساة بعد فقدان الزوج والأخ واعتقال شقيقيها عبد الله ومحمد، ومن ثم اعتقالها من قبل الاحتلال وزجها في الزنازين، وحرمانها من أولادها خاصة ابنها الرضيع مصطفى الذي تركته قسرا بعمر 15 شهرا، ليقضوا حياتهم في كنف جدهما المسن عاهد حسن عنبص وجدتهما اللذين بذلا كل ما في وسعهما من أجل تربية أحفادهما وهم ثلاث بنات وولد، حتى خروج أمهما من السجن.
كرست عنبص حياتها بعد إطلاق سراحها من سجون الاحتلال، من أجل خدمة قضية الأسرى خاصة الأسيرات، فعملت كمسؤولة ملف الأسيرات في مركز الأسرى للدراسات، ومن ثم موظفة في هيئة الاستخبارات العسكرية وتم انتدابها إلى هيئة شؤون الأسرى والمحررين في طولكرم.
أصيبت الأسيرة المحررة عنبص قبل 5 شهور بمرض السرطان، وتم تقديم العلاج لها في مستشفى المطلع في القدس، وتجاوبت مع العلاج وحدث تحسن كبير في صحتها، ما لبثت أن انتكست قبل 3 أسابيع وتم إعادتها إلى المستشفى الذي أعلن وفاتها اليوم.
الحزن عم أسرة عنبص خاصة والدتها (أواخر العقد السادس)، وبناتها الثلاث أكبرهن تبلغ (17 عاما) واصغرهم مصطفى (11 عاما)، والتي كانت بالنسبة لهم كل شيء وبمثابة العمود الفقري للعائلة.
ونعت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، والأسيرات والأسرى المحررين وفي سجون الاحتلال، وحركة فتح إقليم طولكرم، وسكان المخيم والمدينة إلى جانب ذوي الأسرى في الاعتصام الأسبوعي أمام مكتب الصليب الأحمر الأسيرة المحررة عنبص.
ووصفت الأسيرة المحررة عصمت أبو صاع مدير مديرية شؤون الأسرى والمحررين في طولكرم لـ"وفا"، الأم الراحلة عنبص، بأنها كانت مثال المرأة والمناضلة الصامدة القوية الصابرة المتمسكة بالحياة، رغم المرض الشديد الذي ألمّ بها، وكانت ذات معنويات عالية، وعطاء كبير، تنتظر أن يمن الله عليها بالشفاء من أجل إكمال مسيرة عملها في خدمة قضية الأسرى ومن يحتاج إلى مساعدة منهم، وكان همها أيضا وفي الدرجة الأولى أن توفر لأولادها العيش الكريم وتعوضهم عن حرمانهم وفقدانهم لوالدهم الشهيد.
وأكدت أن إصابة عنبص بالمرض لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تراكمات لأمراض مختلفة ألمّت بها بعد خروجها من السجن كغيرها من الأسرى، حيث كانت تشكو من آلام في معدتها طوال الوقت، وتشعر بالبرد دائما حتى في فصل الصيف، كما أصيبت بمرض جلدي في السجن، إضافة إلى ما تكبدته من آلام نفسية بفقدانها زوجها وشقيقها واعتقال شقيقيها ووفاة والدها قبل 3 سنوات تقريبا كان له الأثر النفسي عليها، وتحديها للظروف الصعبة، مشيرة الى أنها تمكنت من تجاوز كافة العقبات التي واجهتها بمعنويات عالية من أجل عائلتها وشعبها.
وأضافت أبو صاع، أن كافة الأسرى في سجون الاحتلال يعانون من الأمراض المزمنة والخطيرة، وهذا مؤشر خطير قد يؤدي إلى فقدانهم لحياتهم سواء في الأسر أو بعد الإفراج عنهم، مشيرة إلى وجود 18 أسيرا مريضا يقبعون بشكل دائم في مستشفى سجن الرملة ويتلقون العلاج ولكن بظروف سيئة للغاية.
وشددت على ضرورة أن يكون هناك تحرك عاجل تجاه قضية الأسرى المرضى وتحسين ظروف علاجهم داخل الأسر، وعرضهم على أطباء متخصصين، وتحسين المرافق الصحية لهم خاصة وان هناك عددا من المرضى غير القادرين على الحركة، معربة عن فخرها بالأسرى الذين يقومون بمساعدة إخوانهم المرضى، في ظل معاناتهم المرضية وحاجتهم إلى مساندة ودعم متواصل.