الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

موسكو: الفنون الشعبية الفلسطينية ترقص للحرية

نضال الكعبي: لم نعط أجسادنا المنهكة عقب عرض متميز لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، فرصة لترتاح قليلا من تعب سفر طويل، فما لبثت خطانا تدق أعتاب الفندق حتى خرجنا مندفعين بعد تناول العشاء إلى شوارع مدينة طرق رنين أحرفها صدى في مخيلتي منذ الصغر.. إنها العاصمة الروسية موسكو.
أستعيد في شوارع الساحة الحمراء وقبابها الجميلة، التصفيق الحار لأعضاء فرقة الفنون ،عندما رفع كابتن الطائرة السماعة ليخبر المسافرين بان طائرتنا تمر الآن فوق القدس الشريف، فنتهافت برفقة الكاميرات الرقمية على نوافذ الطائرة الصغيرة، في محاولة لخطف نظرة عن بُعد على القبة الذهبية وهي تلمع بريقا يشق السماء و يبدد عبث الفضاء، لعلنا ننجح باحتجازها مع قباب الكنائس المقدسية في قلب عدسات الديجيتال التي نملكها.
بدايات تشرين  أول الماضي، توجهت فرقة الفنون إلى روسيا الاتحادية لإحياء الأسبوع الثقافي الفلسطيني، بمشاركة فرقة تراب الغنائية ومجموعة مرموقة من الأدباء و الشعراء و الفنانين ووفد رسمي من وزارة الثقافة في رام الله.
على ألحان حناجرنا التي غنت تراثا، وخلال جولتنا في العاصمة الروسية، قررنا كسر هدوء و برد العاصمة بإضفاء لمسة شرقية على الساحة الحمراء، فرقصنا الدلعونا الفلسطينية في منتصف الساحة الحمراء، لنختطف أضواء تلك الليلة وعدسات السائحين وسكان العاصمة العملاقة.
الساحة الحمراء تعني في اللغة الروسية الساحة الجميلة، تساند أسوار "الكرملين" من الخارج، و على حدود الساحة تقف كنيسة قديمة ينسج شكلها قبب متعددة الألوان لتخلق في النهاية كنيسة رائعة في الجمال، وتضع علامة مميزة للفن المعماري الروسي، مثل الكثير من كنائس روسيا المميزة.
في مكان يتوسط الساحة الحمراء، يتمدد لينين قائد الثورة البلشفية الاشتراكية وحيدا غارقا بصمته في ضريح سكنه الهدوء. في الضريح تغيب الكاميرات أو الهواتف النقالة أو التقاط الصور، فيما تشهد الأبواب الخارجية تفتيشا دقيقا للزائرين الذين يطلب منهم بوضوح نزع القبعة عن الرأس و رفع اليدين من جيوب البنطال والكف عن الحديث مع الزملاء، فأنت الآن في ضريح لينين. ابدأ بنزول درج يمتد طويلا ويزداد ظلمة حتى آخره. تابوت زجاجي مرتفع، إضاءة خافتة بصمت مريب تلتف حول أهم منظري الفكر الشيوعي الماركسي فلاديمير لينين، بدا مستلقيا داخل أنبوب زجاجي ببذلته الأنيقة تماما كما عرفته من خلال صوره المشهورة، وبدا جسده المحنط تحت بصري تماما وقد استسلم لنوم عميق منذ العام 1924 متأثرا بجروح أصيب بها عقب تعرضه لإطلاق نار عام 1918.
وعلى طرف الساحة الحمراء، شاهدتُ فندق ستالين الذي حكم الاتحاد السوفياتي السابق عقب وفاة المؤسس لينين، وسمعت رواية عجيبة من احد الفلسطينيين القاطنين في العاصمة الروسية تتحدث عن فندق أمر ستالين ببنائه في منتصف موسكو، فأرسل المهندس اقتراحين للهندسة المعمارية. وقع ستالين على كلا الاقتراحين ليجد المهندس المعماري نفسه في مأزق لا يحسد عليه، فمزج الشكلين معا ليخرج الفندق حاملا لوجهين جميلين كجمال اختلافهما.ويصطف "فندق ستالين" على إطراف الساحة الحمراء و مقابلا للكرملين ليضيف لمسة على عجائب المدينة ودليلا آخر على حضارة عظيمة.
غادرتُ برفقة الفرقة لتقديم العرض الثاني في مدينة لينينغراد، ويطلق عليها حاليا "سانت بترسبيرغ". تقع المدينة في شمال روسيا وتبعد حوالي 800 كلم عن العاصمة. في القطار الذي يخترق مناظر طبيعية خلابة نحصل على حصتنا من البرد الروسي. استغرقت الطريق أربع ساعات على متن قطار سريع، لم تتعب الأعين من التحديق في طبيعة برية يتناغم جمالها بتدرج ألوانها.سانت بيترسبرغ المدينة الأكثر حياة نتيجة للإقبال السياحي الكبير عليها، يزداد بهائها في لياليها التي تزيين إضاءتها كل ركن فيها و يضيف تشابك جسورها الكثيرة بعدا آخر لجمالها.
في جولة صباحية للتعرف على أهم معالم المدينة، ألقى بنا الباص أمام سفينة ضخمة قيل لنا بأنها السفينة الأولى التي أعلنت الحرب على نظام القياصرة الروسي، وأطلقت نيران مدافعها باتجاه القصر الملكي أيام الثورة البلشفية.
و في ساحات القصر الملكي الذي امتلكه قياصرة روسيا قديما، التقينا بحفلة عرس، كان العروسان خارجين من الكنيسة يحملان عقد زواجهما. بمبادرة من احد زملائي في الفرقة دوت زغاريد شابات الفنون، وتوجه الجميع نحو العروسين، ليجدا أنفسهما في موقف طريف وغريب. وبدأت حركات أرجل أعضاء الفرقة تدق ارض الساحات على إيقاع حناجرنا التي غنت أغنية الزفة الفلسطينية التقليدية:
طلع الزين من الحمام الله واسم الله عليه
يا ابو الحطة و العقال من وين صايد هالغزال
بدت علامات التعجب و الاستفهام على وجوه المشاركين بالحفل، ثم تحولت نظراتهم إلى ابتسامات رائعة تحت وقع العدسات التي وثقت للاحتفال الروسي بمشهدية فلسطينية. ربما تركنا ذكرى فلسطينية في يوم زفاف روسي وإلى الأبد.
تمكنت فرقة الفنون الشعبية من تغليف رسالتها الوطنية بإداء راقص على مسارح موسكو وسانت بيتيرسبرغ، وفتحت جراحا قديمة لأبناء الجالية الفلسطينية حين ذكرتهم بغربتهم عن الوطن.
اختلطت الموسيقى بإيقاع أرجل الراقصين و عكست الأزياء إضاءة خشبة المسرح وزينت ابتسامات الراقصين لوحات العمل الراقص، وبعد ساعة تعبت الإضاءة من الانسياب بين سطور النغمات وصداها، كما تعبت أجساد الراقصين من القفز في زوايا المسرح ليعلن انتهاء العرض بجملة غنائية أخيرة:
صوب يا خوي على المدفع خلي النيران صوابة
حلفنا نروح ما نرجع إلا ندمر دبابة
ارتفع صوت تصفيق الجمهور،  لتهبط أجساد الراقصين تعبا، ولترتفع مجددا أنفاس أرواحهم متعهدة بمواصلة الرقص للحرية. في طريق العودة، انطلقنا من مدينة سانت بترسبيرغ إلى مطار موسكو مباشرة، لنستقل طائرتنا من هناك إلى عمان عائدين إلى رام الله، ومن سماء العاصمة القينا نظرتنا الأخيرة على المدينة العملاقة تتربع بكبرياء على عرش جبالها الخضراء.

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024