سناء
بيت لحم- وفا- رامي سمارة وايهاب الريماوي- تغدو سناء وتعود ومقل الطلبة تطارد حركتها أمام اللوح الأخضر وبين أدراجهم، وهي تحدثهم عن مفهوم "العطاء" الوارد في درس "ذهب الأرض" لمادة اللغة العربية للصف الثالث. تقول لهم إنها الكلمة المرادفة للمنح، ومعناها أن تهب لغيرك شيئاً لك.
زوجها وهب عمره بأكمله للأرض، وأبناؤها اقتطعوا لها شهوراً من أيامهم، أما هي، فخرجت لتوّها من غرفة الإدارة، اعتذرت لمن فيها عن عدم تمكنها من إعطاء الحصتين الخامسة والسادسة لذلك اليوم، فلا وقت لديها لتمنحه للطلبة.
استشهد أحمد برصاص وحدة مستعربين في الثاني عشر من آذار/ مارس من العام 2008 مع ثلاثة آخرين من قادة كتائب شهداء الأقصى في مدينة بيت لحم، ونوران ابنته اعتقلت في الرابع عشر من نسان/ أبريل 2016 أثناء زيارتها لمدينة القدس مع خالتها، ومحمد ومحمود اعتقلا في التاسع من شهر حزيران/ يونيو، قبل ثلاثة وثلاثين يوماً من الإفراج عن شقيقتهما.
تعمل سناء معلمة للغة العربية في مدرسة النخبة الخاصة ببيت لحم، نالت شهادة الثانوية والدرجة الجامعية الأولى بعد استشهاد زوجها، ووقفت بجانب أبنائها لتربيتهم وتعليمهم، محمد طبيب أسنان، ومحمود تخرّج من جامعة الاستقلال برتبة ملازم.
اليوم يلازمها القلق، لا يفارق هاتفها النقال يدها وتجلس بجوار هاتف المنزل، تعيش حالة طوارئ منذ مطلع تموز/ يوليو، حين قال لها محمد إنه سيلتحق بشقيقه في الإضراب المفتوح عن الطعام، احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري، ونقلا إلى العزل الانفرادي.
كأنها تعيش قصة بدأت ثاني أيام شهر رمضان المبارك لا نهاية لها، ترجو أن تدخل في حلم لترى ابنيها أمامها، حين يناديها بكرها "بأحلى أُم"، قبل أن يأتي شقيقه ليقبل يديها ويسألها عن طعام ذلك اليوم، هي تذكر في صحوها أن محمود قال لها مرة: "ستشتاقين لنا"، هي لم تعرف لماذا قال لها ذلك.
اقتحم جيش الاحتلال بقوة عسكرية كبيرة حارتها في بيت لحم، ظنت سناء أن الأمر لا يخصها، زوجها شهيد وابنتها الطفلة في المعتقل وكانوا يحضرون لها احتفالاً لقرب موعد الإفراج عنها، وفوجئت أن الجنود أصبحوا داخل غرف النوم بعد أن فجروا في الباب قنبلة.
قالت للضابط "أنتم قتلتم زوجي واعتقلتم ابنتي، والآن أنتم هنا لأخذ أحد أبنائي؟"
دفعها جندي ببارودته ورد قائلاً "نحن هنا لنعتقل الاثنين".
أجابته "إذن اعتقلني معهم، أنا سأذهب عند نوران إلى معتقل الشارون، هذا أفضل من بقائي وحيدة".
رد محمد "يومان وسنعود"، قاطعه الضابط "لا ستمثكون طويلاً".
بعد انتهاء التحقيقات حُوّل الشقيقان البلبول للاعتقال الإداري، فقررا خوض الإضراب عن الطعام، حاولت في إحدى الزيارات ثنيهما عن هذه الفكرة، خشيت أن تخسرهما كما خسرت زوجها الشهيد.
- يما، 6 أشهر ستمر بإذن الله سريعاً ولن تشعرا بها.
- نعم، نقضي 6 أشهر ثم يقررون خروجنا، وقبل أن نصل إلى باب المعتقل سيأتي جندي يدس في يدينا قراراً بتجديد أمر الاعتقال الإداري، لن نقبل بذلك.
سبق محمود شقيقه إلى الإضراب بأسبوع، وتم عزله، وأصبح الأمر صعباً على محمد أن يبقى بين الأسرى فيما أخوه داخل الزنازين، ولحق به.
"في آخر زيارة ودعت محمد، قال لي سامحينا وارضي علينا إذا حدث لنا مكروه".
المكروه لم يقع بعد.