شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات    مجزرة جديدة: عشرات الشهداء والجرحى في قصف للاحتلال على مشروع بيت لاهيا    3 شهداء بينهم لاعب رياضي في قصف الاحتلال حي الشجاعية وشمال القطاع    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي الصبرة جنوب مدينة غزة    لازريني: مجاعة محتملة شمال غزة وإسرائيل تستخدم الجوع كسلاح    شهيدان جراء قصف الاحتلال موقعا في قرية الشهداء جنوب جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على بلدة قباطية جنوب جنين    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومرافق في النصيرات وخان يونس    إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا  

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا

الآن

عن رذاذ طارق عسراوي الخفيف

 نداء عوينة

يقف طارق عسراوي على حافّة الشعر، يكاد يخطوها لكنه لا يفعل. في كتابه "رذاذ خفيف" يعرض طارق عسراوي التقاطات فريدة وذكية ومتنوعة بلغة جزيلة تفوق النص أحياناً لكنها توفي المشهد حق وصفه.

"رذاذ خفيف" هو الكتاب الأول لطارق عسراوي، صدر عن مكتبة كل شيء في حيفا في نيسان 2016، يقع في 144 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من اثنين وخمسين نصاً تتراوح بين القصة والومضة والنثيرة، تحتوي نصوصا مختلفة موضوعياً وعضوياً، يمكن تصنيفها إلى ثلاث ثيمات أساسية هي: قصص الشهداء، وحكايات المدن الفلسطينية الفقيدة، وبقايا من ذاكرة الكاتب.

بُنيوياً، تقع نصوص الكتاب بين ما يشبه اليوميات وتقترب من القصة القصيرة، بأسلوب خارج عن الحبكة الكلاسيكية للقصة؛ مستطردا قليلاً لكنه متين، مستند إلى أرضية صلبة، إما تاريخية أو مشهدية تميزها دقة الملاحظة والتفاصيل المرهفة بتوليفة خفيفة وإفراط آني في الدراما يصل بالنص إلى منطقة سريالية متنامية حسّياً وشعوريّاً مرتكزاً على حجر تاريخي أو آتيا على لسان راوٍ أو على لسان الحكاية نفسها، بضمير المتكلم.

"تعال أطَقِّعلَك راسك، كانت تلك رشوتها لي، لأدسّ رأسي فرحاً بحجرها، فتنساب كفها اليمنى بين خصال شعري تُفَلّيه وتمسده، فأصير مثل قطٍّ يتمطّى دلالاً بين يديها على عتبه البيت."

لا تغيب اللوعة عن رذاذ خفيف في الكتاب، فنشاهد فيه ثلاث مناطق شعورية تطغى بصبغتها على نصوصه؛ هناك الحنين إلى المدن الفلسطينية ومحاولة للتمسك بتاريخها في بحث عن ذات الكاتب في الذاكرة الفلسطينية، التي ربما هي موروثة في العقد الاجتماعي النفسي لكل الفلسطينيين؛ حيلة أخرى للبحث عن علل الوجود الفلسطيني في الأرض الفلسطينية والتشبث بها نصاً أو روحاً، أو على الأقل في وصف ثوب امرأة فلسطينية من حيفا؛ ربما هي عملية حجّ نفسي إلى أماكن محجوبة عن نظره وواضحة للعيان في قلبه.

"قد فهقت في سمعي وبصري! هكذا تلقيتُ خبر موته، وهو الحاضر دائماً دون موعد أو اشارة. بحثتُ عنه يوماً، وجمعت كل شوارع المدينة.. ولم أجده! وهو الذي لم يغب عن طرقاتها لحظةً واحدة، فتراه كأنه تناسخ في كل جادّة ودرب. سعيد، ابن الأرصفة المبتلّة بريق الشتاء الساخن، وسائق الوَهْم البديع. هو على يقين أن الأسلاك الرفيعة التي صنع منها مركبته وراح يقودها تشبه في حقيقتها شجرة الكينا التي كان يلجأ إلى جذعها، كأنها أمه التي يرتمي على حضنها فينام."

أما ذاكرة المكان والتقاط الحدث اليومي فتحل فيها عمان محل يافا، وأرصفة جنين ورام الله محل عكا، حيث لا يخرج الكاتب عن وعيه، ولا يتخطى- في الوقت ذاته- اغتراباً يصيب المرتحلين جميعهم، وإن ولدوا في الأماكن التي يعيشون فيها، فله مثل ما للاجئين ذاكرتان، واحدة عاشوها بأنفسهم وأخرى عاشوها في الحكايات التي يسمعونها فيحملونها في وعيهم زخماً عاطفياً يدفع الشعور بالمكان إلى مناطق أفلاطونية أو طوباوية آتية من الحرمان؛ هو حنين ناطق بصوتٍ عاديّ يرى عينا لعين مع القارئ.

"من هنا وُلد القول السرمدي بأن عكا لا تخشى البحر! وأن ما ترمّد منها يصلح لأن يكون مهداً نارياً للفينيق، الذي ترك بقوادمه ندبة على وجه نابليون، وهو يخبّ في وحل الهزيمة والرمل. وللنور مسجدٌ سيقيمه ذلك الفتى أحمد باشا الجزار، أو أحمد البوشناقي، الآتي من بلاد البلقان، وكان مولى يُباع ويُشترى في إسطنبول، فيشتريه الباب العالي، ويضعه حارساً للحرملك، فيغدو بعد سنين قائداً حاكماً، يكسر شوكة نابليون على أبواب عكا."

اللغة في الكتاب جزلة ومتنوعة؛ توظف مفردات وتراكيب لغوية كلاسيكية خارجة عن السياق المعاصر الذي تدور فيه أحداث الكتاب، وتحتوي دون أي حذر تعابير عامية ومحلية تأتي بشكل طبيعي في السياق ذاته، متباينة بين نص وآخر، ومتأرجحة بين الوصف المستفيض والصورة المباشرة، يحدها في جميع النصوص مَطلعاً متقناً ببراعة، وخاتمة مفاجئة تجعل القارئ يعيد التفكير بالنص كله من جديد.

"ردّ ساخراً: الشفّاف لا يستر العَوَر، ولا يستطيع إخفاء ما أصاب الجلد من عيبٍ إلا الأسود الآثم، وإنني أخشى التلطخ بالحداد، ثم راح يغني: بويا، لمّع لمّيع، جلدك حرام يضيع."

لماذا يكتب طارق العسراوي؟ وما الذي يريد قوله؟

"استغرق العمل في الكتاب عاماً ونصف، بدافع وجدانيّ للانتصار لحكاية الشهداء وتوثيق قصص المدن وساكنيها. لا يمكن أن تكون الكتابة دون لوعة حين تتحدث عن مدن فلسطينية محجوبة بالجدار وعن حكايات لأطفال استشهدوا بعمر الورد،" يقول عسراوي، "سؤال المقولة صعب، فرغم كل هذا التشويه والنكران للحق والظلم والاستلاب ما زالت حكايتنا الفطرية تبحث عن مدينتها الاولى وبيتها الأول، أما على الصعيد الذاتي، فالأمل بالغد كبير رغم سوء الواقع."

"هذا اختلاقٌ مشوّهٌ من الجاني في تسمية نصلِ الجريمةِ، ليبدو جميل الوقع في سرد قصة شمشون التي يقرأها لأطفاله كل ليلةٍ قبل النومِ كي يعدَّهم للخدمة العسكرية، فالفراشاتُ لا تلهو بورد الأكاليل."

في مرافعته عن الشهداء والمدن والشوارع والأرصفة يثير أسئلة أكثر مما يجيب، ويُعلي مشاهدات تمر يومياً دون أن تلاحظ، جاعلاً منها حدثاً درامياً بليغاً وقصة تدعو للتأمل.

رذاذ خفيف كتاب جميل، يستحق القراءة ويجيد مقولته.

يحمل طارق عسراوي درجة الماجستير في القانون الخاص ويعد للدكتوراه في قانون الاثبات، ولد في جنين ودرس الحقوق في الأردن، حيث بدأ حياته المهنية فعمل متنقلاً بينها وبين فلسطين. بدأ الكتابة منذ دراسته الجامعية ولا نعتقد أنه سيتوقف عنها يوماً.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024