المدوّن أبو علاّن: طوباس تسري في دمي
أفردت الحلقة 50 من سلسلة (أصوات من طوباس) التي نظمت اليوم الأربعاء، مساحتها للمدوّن والمترجم والمحب لطوباس، المجنون بفريقها الرياضي، والمتتبع لهمومها، محمد علاّن دراغمة، الذي لا تكاد صفحته الشخصية ومنابره على مواقع التواصل الاجتماعي تخلو من نقد وتأريخ ومواكبة لحال طوباس وغورها الممتد.
ويبدو الخمسيني بكامل شبابه وهو يلاحق شؤون مدينته وأغوارها، فيما لا يكف عن الحنين لطفولته في حواري طوباس وشوارعها وأزقتها، ويرحل في ذاكرته إلى منطقة البرج والمالح وعين الميته التي روت حكاية الفلاحين البسيطة.
يقول وهو يحدق بشاشة حاسوبه المحمول: أنا مواطن بسيط، يحاول أخذ دور في مجتمعه، ويطمح للعيش في بلد حر، درست العلوم السياسية والصحافة في جامعة النجاح الوطنية، وعملت موظفًا في القطاع الحكومي عشر سنوات، وأعمل اليوم في لجنة الانتخابات المركزية، وتسرني تسميتي بناشط إعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومهتم ومتابع للشأن الإسرائيلي، وعاشق لطوباس وغورها.
اعتقالات بالطائرات!
يسرد المدون المُعروف بأبي علان: عايشت طفولة تحلم بكرة بلاستيكية زهيدة، وتلاحق بائع البليلة المتجول، وتنتعش بركوب الدراجة ثلاثية العجلات، وكانت الرحلة المدرسية مرة في العام أقصى حدودها.
يتابع: لا تفارقني أيام الطفولة في حمامات المالح ومياهها المعدنية التي اختفت بتدمير الاحتلال لها وبنهبها من جوف الأرض، ولا أنسى معاناة والدي وجدي وجدتي والحرس القديم من أقربائي رحمهم الله، فقد كانت ممارسات الاحتلال في تلك المناطق كفيلة بتسميم عيشتهم، فحولت المناورات العسكرية حياتهم إلى جحيم، ولا تغيب عن ذاكراتي طريقة اعتقال الرعاة وحراس الأرض باستخدام طائرات مروحية.
وتختزن ذاكرة الراوي المشاهد المؤلمة التي كانت تصنعها مخلفات الاحتلال من ألغام وبقايا ذخائر، فتقتل الرعاة وتحول أجسادهم إلى أشلاء، ولا تغادر مخيلته جمع والده اللحم المتطاير للشاب محمود حامد عنبوسي (16 عامًا) الذي قتلته مخلفات الاحتلال وهو يرعي أغنامه في جبال الأغوار، فكانت كفيلة بتحويل كوفية الأب البيضاء إلى بقعة من الدم الخالص، لم تمحها الأيام.
يكمل أبو علان: قتل الاحتلال جمال طوباس وغورها، فسلب الأرض ونهب سر الحياة وزرع المستوطنات ومعسكرات التدريب والمناطق المغلقة، التي أغرقت الأراضي الشاسعة والجبال بالرعب، وصادرت مساحات لهو الأطفال. ولا يغيب عني تدمير ينابيع المياه كحمامات المالح وعين الميته وعين الحلوة، وسلب عين الساكوت التي عادت للنطق من جديد بلغة أصحابها.
يسرد: كانت طوباس جزءًا أصيلًا من نسيج الانتفاضة الشعبية عام 1987، وقدمت أوائل الشهداء في المحافظات، وناضلت بالأسرى والجرحى، ولا زالت مشاهد تلك المواجهات في مديننتا مغايرة عن بقية أرجاء الوطن، فعرفت بالتكاتف والعمل الجماعي لمواجهة الاحتلال ومقارعته.
سيدة الخضراوات
ووفق المدون الذي أبصر النور عام 1964، فإن الأغوار سلة غذاء فلسطين وسيدة الخضروات، قد تراجعت بفعل ممارسات الاحتلال وسيطرته على الأرض والمياه، ولكن بوسع التخطيط لمشاريع تساعد في الاستغلال الأمثل للمنتجات الزراعية إعادة الحياة إلى أوردة الفلاحين.
يزيد: الأهم أن سلة خضار فلسطين فشلت حتى اليوم في تشغيل سوق الخضار المركزي المنُجز، بتكلفة مليوني شيكل، فيما تم تحويله لورشة صناعية!
يرسم أبو علان مشهدًا لحال خدمات محافظته، فيقول إن الشأن الصحي فيها يمضي قدمًا، خاصة بعد افتتاح مستشفى طوباس التركي الحكومي، الذي ينتظر استكمال بعض النواقص خاصة تدشين قسم العظام، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية لتغطي معظم أنحاء المحافظة.
ويكمل: للأسف، يشكل قصر الثقافة قصة فشل وهدر لأموال المشاركة المجتمعية التي قدمها د.سالم أبو خيزران وبلغت نحو 300 ألف دولار، وقد تعهدت (بكدار) باستكمال البناء إلا أننا لم نر شيئًا على الأرض، وهناك وعود وكتب رسمية لاستكمال البناء منذ نحو عامين.
مجنون الكرة
ويزيد: شهدت كرة القدم الطوباسية نقله نوعية حملها نادي طوباس الرياضي، الذي يلعب في دوري الاحتراف الجزئي، ونأمل أن يرتقي لدوري الاحتراف خلال الموسم 2016/2017 بخلاف البداية المتعثرة للموسم الحالي. وهناك بؤرة أمل في تقدم وتطور نادي طمون الذي انتقل من دوري المناطق إلى الدرجة الثالثة. وعاد الأمل للتمدد مع بدء تأهيل الملعب البلدي بمواصفات دولية، سينعش الحركة الرياضية.
وبحسب أبو علان الأب لخمسة أبناء وبنات، فإن من حق طوباس والأغوار الشمالية على الصحفيين مواصلة متابعة معاناتها جراء عدوان الاحتلال، وعدم إسقاط احتياجاتها للخدمات والبنى التحتية. أما صناع القرار فمن واجبهم تقديم الموقف السياسي والقانوني الجاد والقوي لوقف المصادرة والاستيطان، وعدم الاكتفاء بالمساعدات العينية.
يوالي: على صناع القرار التفكير في جسم موحد للإدارة المحلية في الأغوار، كاستحداث بلدية الأغوار الشمالية، التي يمكن أن تضم تجمعات: المالح، والمضارب البدوية، وعين البيضاء، وكردلة، وبردلة، والتركيبة ذاتها في الإدارة المحلية للجارتين: الأغوار الوسطى والجنوبية.
يحلل المشهد الإعلامي المحلي فيقول: نتحدث عن مستويين إعلاميين، ممارسات الاحتلال، والاحتياجات الخدماتية. وهناك تغطية جيدة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، الذي يتابع ويوثق جرائم الاحتلال بشكل دائم، ولكن يحتاج لاهتمام أكبر، وإثارة أوسع للاحتياجات في التعليم والصحة والبنية التحتية.
يضيف: يقتصر حضور الأغوار في الإعلام الإسرائيلي في تقديم أهمية المنطقة مما تسمى "الناحية الأمنية" وتشبيهها بجنوب لبنان، ولا ذكر لمعاناة المواطنين بسبب الاحتلال، وصحيفة هآرتس ربما الوحيدة التي كانت تتحدث أحيانًا عن معاناة أهالي الأغوار جراء الممارسات الإسرائيلية، وبخاصة العطش ونهب المياه.
الحياة تدوين!
بدأت رحلة أبو علان مع التدوين عام 2007، ويعود الفضل لشبكة أمين، وللصحفي خالد أبو عكر، الذي أطلق أول مشروع التدوين بصيغته الفلسطينية عبر شبكة أمين الإعلامية، فيما يحرص على استخدام اسم (بحرك يا يافا ) تيمنًا بالمدينة الفاتنة والسليبة في منشوراته وبابنته البكر، ويتابع الإعلام الإسرائيلي بانتظام، ويُقدم ترجمات لأبرز ما ينشر حول الشأن الفلسطيني، ويبث الأخبار العاجلة.
يفيد: أثر فيّ التدوين كثيرًا، وواكبت الكثير من القضايا المجتمعية والخدماتية التي كانت تلاقي الصدى والاهتمام، ولكن ليس بالضرورة أن تلاقي الحلول، وخاصة على مستوى طوباس، بجوار قضايا خدماتية وانتهاكات لحقوق الإنسان، وممارسات احتلال نقلتها كلها لمدونين ونشطاء عرب.
شارك أبو علان في مؤتمرات إقليمية تتصل بالتدوين واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، كما في بيروت 2009 و2010، والقاهرة 2010، وتونس 2015. وفي 2010 انتزع جائزة أفضل مدون في مشروع (مدونون وصحفيون للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي) بمشاركة (30) مدونًا وصحفياً من (17) دولة عربية، وكان الفلسطيني الوحيد.
يزيد: المدون والمترجم وسعت أفق معرفتي وفهمي للكثير من القضايا، ومنحتني شبكة علاقات محلية وعربية أثرت جيدًا على حياتي المهنية والإعلامية، ويبقى الأحب إلى قلبي لقب العاشق لطوباس، والمشجع لفريقها، والمتتبع لهموها، والحالم بتطورها.
يكمل: الكف عن التدوين أمر غير ممكن، فهو الأداة التي يمكنها نقل صوتك وصوت الآخرين عند الحاجة، وهو جزء من حياتي، ولا يمكن العيش من دونه، وبه يكمن إيصال رسالة طوباس والأغوار وفلسطين للعالم، وعلينا استقطاب وسائل إعلام عالمية لتوثيق عدوان إسرائيل، وإنتاج أفلام وثائقية بلغات غير العربية وعرضها في المحافل الدولية، ووضع المعاناة اليومية على طاولة المؤسسات الدولية من باب المعالجة لا الإبلاغ.
تعصّب مشروع
وتبعًا لأبي علان فإن طوباس خالية من ذوي الثروات الكبيرة، لكن فيها الكثير من أصحاب الأيادي البيضاء التي تقدم للمدينة الكثير، ومنهم د.سالم أبو خيزران، ود. عدنان مخيبر مجلي، والحاج عزت الطاهر، والمرحوم د.عصام النمر. فيما لم يعط الإعلام حقوق د.سالم أبو خيزران، والشهيد عبد الإله أبو محسن "الحاج حسن"، فهما لا زالا في الظل.
ينهي: عشق طوباس لدرجة التعصب بالمفهوم الإيجابي أمر جيد، وهو حب مُرّكز لطوباس والأغوار الشمالية لدرجة الجنون، فهي تسكننا قبل أن نسكنها، وهي تسري في دمي.
تجوال
بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن (أصوات من طوباس) ستخصص التغطية القادمة للجولة الإعلامية التي ستنفذ في الرابع من تشرين الأول، وتشمل زيارة موقع عين الساكوت الذي عادت أراضيه بحكم قضائي لأصحابها، وتوثيق انتهاكات الاحتلال وصمود المواطنين.
وأضاف: ستواكب الجولة أول مدرسة خضراء في فلسطين تحتضنها بلدة عقابا، وستتوقف في حقول البقيعة الخصبة، وتتبع مصنع الأعشاب الطبية التي صارت تشق الخطى نحو أسواق عالمية، وتمتص عمالة المستوطنات.