سمر زكارنة تحوّل معاناتها إلى قصة نجاح
علاء حنتش
حوّلت معاناتها إلى قصة تحدٍ ونجاح، وركزت على البحث عن أساليب تربوية لا نمطية في تدريسها لمبحث الفيزياء، باستخدام طريقة التعلم المدمج بالمشاريع لتصبح ضمن 50 معلما فلسطينيا يشاركون في مسابقة أفضل معلم في العالم، العام المقبل.
المعلمة سمر قاسم زكارنة (40 عاما)، التي عاشت في الأردن وتخرجت من الجامعة الأردنية، شاءت الأقدار أن تعيش قصة ألم ممزوجة بالصبر والإصرار على التحدي منذ العام 2002، الذي كان نقطة تحول في حياتها بعد استشهاد زوجها خالد زكارنة على أيدي جنود الاحتلال وهو في الثلاثين من عمره ، بينما كانت تحمل بيديها طفلها أسامة الذي لم يتجاوز أربعة شهور في حينه.
تحدّت زكارنة الحاجز الاحتلالي، ونفسها، ونظرة المجتمع والعائلة، لتكون كما تريد أن تعيش على أرض أحبتها وأهلها، لتترك أثرا وتوصل رسالتها.
تدرّس زكارنة مبحث الفيزياء في مدرسة بنات دير أبو ضعيف الثانوية، شرق مدينة جنين، بعد أن كانت تدرس في مدينة نابلس قبل استشهاد زوجها.
وعن معاناتها، قالت إن نقطة التحول كانت بعد استشهاد زوجها سنة 2002، فكانت الظروف صعبة وقاسية خاصة أن لديها طفلا عمره 4 شهور وأهلها جميعا في الأردن. كان أهلها مصرّين على أن تعود إليهم، لكنها رفضت، "لأن من يعيش على أرض فلسطين صعب أن يغادرها".
وأضافت: كنت أدرس في مدينة نابلس، ثم انتقلت نقلا لوائيا الى مديرية جنين، وتم تعييني في مدرسة دير أبو ضعيف، وعندما وصلت هناك كان وضع الطالبات صعبا، خاصة في مبحث الفيزياء لعدم وجود معلمة منذ شهر.
وتابعت: في ظل ذلك كله، سمعت أن الأهالي لم يكونوا راضين عن قدومي لتدريس بناتهم لعدم امتلاكي خبرة في تدريس طالبات التوجيهي، ولاطّلاعهم على ظروفي العائلية، فتخوفوا أن يؤثر ذلك على أدائي وانعكاس الأزمة على بناتهم.
وقالت: تزامن ذلك مع رفض معلمات أن يدرّسن في القرية بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة ووجود حاجز عسكري بين مدينة جنين حيث كنت أسكن أعمل، إذ كان يحرم جنود الاحتلال المواطنين من التحرك في غالب الأحيان، ما اضطر مديرية التربية لإقناع الأهالي بأنني المعلمة الوحيدة التي قبلت التدريس في قريتهم.
كل هذه العوامل خاصة تأثرها بوضع الطالبات، خلقت لدى سمر التحدي للإثبات لنفسها وللأهالي وللاحتلال بأنها قادرة على القيام بواجبها على أكمل وجه رغم كل المعيقات. "المحنة جعلتني أكثر حماسا لأقدم كل ما لديّ لبلدي".
وقالت: في الأيام الأولى بدأ الارتياح يخيّم على الطالبات شيئا فشيئا، ولكن بقيت مشكلة التنقل بسبب الحاجز الاحتلالي وتأخري على المدرسة، ولذلك اتخذت قرار صعبا عليّ شخصيا وعلى العائلة، وهو أن أنتقل إلى السكن ما بعد الحاجز في قرية فقوعة عند جدتي في ظروف صعبة، لضمان تواجدي في موعد الحصص وبين طالباتي اللواتي وضعن ثقتهن بي، وكانت عائلتي ترفض أن أترك بيتي في مدينة جنين.
وأضافت زكارنة: بعد عام زاد قلق العائلة عليّ وأصرّ والدي أن أعود الى الأردن، وجاء إلى الضفة الغربية وقدّم إجازة لي بدون راتب لمدة عام دون علمي، خوفا علي وعلى طفلي، ووافقت التربية، لتفهمها مطلب العائلة وحساسية الظرف، واصطحبني إلى الأردن بداية العام 2003.
وقالت: في العام 2004 عدت إلى فلسطين وتزوجت من عمّار شقيق زوجي الشهيد، في قرية دير غزالة، وعدت إلى التدريس في مدرسة فقوعة، وفي الفصل الدراسي التالي، عدت مجددا إلى مدرسة دير أبو ضعيف، التي ما زلت اعمل فيها حتى اليوم.
وعن أسباب ترشيحها لمسابقة أفضل معلم، قالت إن أهمها استخدام أسلوب التعلم بالمشاريع ولكن بطريقة مختلفة ومطورة، وقد أسميت هذه الطريقة "التعلم المدمج بالمشاريع" هو التعلم بالمشاريع لما له من فائدة على الطالب، إذ يصبح الطلبة أكثر تفاعلا في العملية التعليمية التعلمية، لأنهم يحظون بفرصة أكبر للخوض في مشاكل معقدة من واقع حياتهم، ما يدفعهم الى استخدام ما تعلموه في كتبهم، وهنا تتحول المعرفة العلمية التي يتناولها الطالب من معلومة ليست بذات قيمة الى معلومة ذات قيمة، وسبب في حل مشكلة ما تواجهه في عمل مشروعه، لأن هذا النوع من التعلم حوّل المعرفة العلمية إلى مهارة عملية.
وأوضحت: في التعلم بالمشاريع تطرح أسئلة تحدٍ لا يمكن التعلم التقليدي معالجتها، كما وأنها تجعل كل طالب قائدا مسؤولا في الدور المكلف به والذي يختاره بنفسه، يستمع لآراء الآخرين ويشاركهم رأيه في ما قاموا بعمله، وذلك في حلقات التعلم الخاصة بالمشروع المطلوب منهم ليخرجوا بمشروع منافس لبقية المشاريع للمجموعات الأخرى.
وقالت "إن هذا التطوير الذي قمت به في التعلم بالمشاريع منبثق من اطّلاعي على نظرية حديثة في علم النفس التربوي والتنمية البشرية للعالم ويليام جلاسر، وهي نظرية الاختيار، حيث قمتُ بتوظيف النظرية بأن يختار الطالب الدور الذي يرغب في أن يؤديه في المشروع، وهذا الدور يعتمد على مهارة يحبها أو يحب أن يتعلمها في مبحث من المباحث التي يدرسها في المدرسة، ثم تدمج جميع هذه الأدوار والمهارات في مشروع واحد فقط متكامل من جميع الجوانب ويتيح للطالب أن يقدم خدمة لمجتمعه من خلال هذا المشروع، الأمر الذي يزيد حس المواطنة والانتماء لديه، ويزرع فيه قيما تربوية وأخلاقية ووجدانية.
وأضافت أن المشروع فاز كمبادرة في مسابقة "إلهام فلسطين"، وفي السنة التالية، قمت بإضافة وظيفة أخرى للمشروع، وهي أن يتم عرض هذه الألعاب لأبناء الشهداء وإهداؤها لهم، وبالتالي اصبح الطالب قادرا على خدمة المجتمع المحلي بلعبته التي صنعها بنفسه.
وتابعت: كذلك نتجت عن هذا المعرض فكرة لإحدى الطالبات لعمل جهاز ميكانيكي لرصد كمية الغاز الموجود في غاز الطبخ، وتابعت معها وشجعتها على المشاركة في مسابقة الريادة العلمية لمؤسسة النيزك، وكانت من ضمن 53 مشروعا فائزا في النهائيات، وأنا أسعى جاهدة معها كي تحصل على براءة اختراع لمشروعها الذي بدأت نواته من التعلم بالمشاريع.
وأشارت زكارنة الى فوزها بمسابقة التميز المهني التي ترعاها مؤسسة النيزك، بعمل "مانوميتر" مطور يعمل بالجليسرين بدلا من الزئبق، حيث إن هذا الجهاز بصورته الحالية خطر على الطلبة لاحتمال تسرب الزئبق منه، وبالتالي يحظر استخدامه في المدارس.
وقالت إن هذا الجهاز ساعد الطلاب الذكور في الصف الثامن في مادة الصحة والبيئة، على ترك التدخين لأنه يظهر للطالب أثر التدخين على الرئتين، ما خلق لديهم الحافز للإقلاع عن التدخين.
ولفتت الى مشاركتها بمبادرة القيم والأخلاق التي عززت من سلوكيات الطالبة الإيجابية وقوّمت السلوك السلبي لدى الطلبة، ومشاركتها أيضا في مسابقة "انتل" للعلوم والتكنولوجيا، وعلى مدار السنوات الست الماضية، فازت طالباتها على مستوى مديرية جنين خمس مرات، وبعدها شاركن في التحكيم الدولي سنة 2014 في الولايات المتحدة، والتحكيم العربي سنة 2011 في إمارة الشارقة، والتحكيم العربي 2014 في قطر.
وأوضح حازم أبو جزر من هيئة تطوير التعليم، أن مؤسسة فاركي ترعى هذه الجائزة وأطلقت عام 2014، للاعتراف بأهمية التعليم كمهنة وتشجيع الامتياز في مجال التعليم، وأن فلسطين شاركت فيها في العالم عام 2015- 2016، وحققت إنجازات مشهود لها بفوز المعلمة حنان الحروب بالجائزة وحصولها على لقب أفضل معلمة في العالم، وكذلك وصول كل من المعلم جودت صيصان، والمعلمة فداء زعتر من ضمن أفضل خمسين معلما في العالم، وهذا الإنجاز أعاد لفلسطين ولمعلميها المكانة العربية والعالمية، ووضع العالم أمام مسؤولية كبيرة كون الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال، ورغم كل الظروف الصعبة إلا أن معلميه قادرين على تحقيق إنجازات تتفوق وتنافس على مستوى العالم.