"هولوغرام" لأجل الملك".. تكريس لثلاثية "الخيمة، الجمل، الصحراء"
كتب: عمار جمهور- يتحدث فيلم "هولوغرام" لأجل الملك "A Hologram for the King"، الذي انتج أواسط عام 2016، عن قصة رجل أعمال يعمل لصالح شركة أميركية عانى جراء الازمة المالية العالمية، يدعى "ألن كلاي" يسافر الى السعودية لتسويق وبيع نظام ثلاثي الابعاد للملك.
تضمن الفيلم الذي اخرجه توم تايكوير، وقام ببطولته "توم هانكس"، وشاركت ببطولته الفنانة ساريتا تشودري، التي جسدت دور طبيبة سعودية، والمأخوذ عن رواية للكاتب ديف ايغرز، كماً هائلاً وخطيراً من الرسائل اللاإدراكية، الهادفة للتأثير في مستوى الادراك واللاوعي للمتلقي، مستندًا في ذلك على استراتيجية تقليدية تتمثل بصياغة ثقافة عامة أو تنميط الصور المتخيلة عن المملكة العربية السعودية في الذهنية الغربية وفقا لرؤية اميركية.
عالج الفيلم موضوع "حبكته" وتناول قضاياه المفصلية، بذات الصورة النمطية المعهودة عن العرب في الاعلام الغربي، ليعيد تأكيد الانطباعات المتأصلة في العقيلة الأميركية وتكريسها مجدداً، عبر توظيف كم هائل من الرموز والدلالات التي توحي لإيصال معنى محدد، فمجسم الجمل الراقص في السيارة، وعبور قطيع الجمل للشارع، بالإضافة إلى الخيمة المخصصة لعمل طاقم الشركة الأميركية، كلها مجتمعة عبرت بشكل جلي عن ثلاثية "الجمل، الخيمة، الصحرا"، التي شكلت وما زالت الإطار الثلاثي للصورة النمطية والمتخيلة عن العربي.
حاول الفيلم بفجاجة أن يشير إلى الفارق الكبير بين ما وصلت اليه الحضارة الغربية والمتمثل بإنجاز ما كان خيالاً علمياً، في الوقت الذي بقيت فيه الأدوات ذاتها لدى الحضارة العربية ولم تتغير، فرغم ما وصلت اليه المملكة من غنى وثراء ومعرفة الا أن الفيلم أصر على أن يتناول قضية التنمية والإعمار بصورة مبالغ فيها، مجتهداً في اعطاء ايحاءات سلبية عن التـأخير في إنجاز المشاريع الإنمائية والتطويرية، والمتمثل بتأخر انجاز "مدينة الملك للتجارة والصناعة"، متناسياً انها تُنجز في نهاية المطاف رغم كل العقبات التي قد تعتري سير العمل.
وتضمن الفيلم جملة من الرسائل والايحاءات المتعلقة بالعادات العربية والثقافة الشعبية السائدة، والمتعلقة باللامبالة والاتكالية كنمط حياة، والاستهتار في تناول القضايا ومعالجتها، وما ينجر عن ذلك من ممارسات خاطئة وأبرزها عدم احترام الوقت، بالاضافة الى كم التناقض الهائل ما بين الأداء والممارسة، فالسائق الذي يجيز لذاته اقامة علاقة غير شرعية مع امرأة متزوجة، يثور غضبا لوجود الطبيبة في غرفة الاميركي منفردين بغرض معالجته.
توظيف السيارة الاميركية "الشفيروليت" ذات الطراز القديم، لم يأت من فراغ، بل يحمل في طياته مغريات ادراكية ولا ادراكية، تتمثل بمجملها بضرورة تعزيز النزعة الاستهلاكية، لدى السعوديين تجاه المنتج الأميركي، فرغم قدم طرازها الا انها ما زالت تفي بالغرض، وبأنها لم تخذل صاحبها قط، في اشارة واضحة الى عراقتها ومتانتها كمنتج اميركي، خاصة اذا ما تمت مقارنته بالمنتوج الصيني المشار اليه بمشهدية انكسار الكرسي الذي يجلس عليه "آلن" في ثلاثة مواقف مختلفة في الفيلم.
موسيقى الـ Rock، الذي حاول من خلالها السائق التقرب من خلالها الاميركي "آلن"، كانت خياراً خاطئاً فلم ترق له اطلاقاً، في إشارة مفادها أن ادعاء المعرفة لا يعني بالضرورة وجودها، فالاستماع للموسيقى الغربية يأتي من باب التقليد الأعمى، وليس من باب الذائقة الجمالية، فموسيقى الـ Rock، كانت سبباً مهماً في تنامي تعاطي المخدرات لدى جيل من الشباب في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ما تسببت فيه من حالات انتحار وتنام لما بات يعرف بجماعات عبدة الشيطان في أميركا وخاصة في أواسط الشباب جرّاء الرسائل اللادراكية التي تضمنها هذا النوع من الموسيقى، سواء في الكلمات المغناة التي في حال عكسها تعطي معاني مختلفة لذات الكلمات المستخدمة، أو في التأثيرات الصوتية والخفية التي تضمنتها، ومنها كلمة "افعلها" في اغنية الروك الشهيرة Better By You Better Than Me ، التي تعني "انتحر".
كما حملت موسيقى "الـروك" رسائل لا ادراكية خطيرة، فقد تضمن الفيلم ايضا رسائل لا ادراكية واداركية خطيرة كان ابرزها عندما تساءل الشاب السعودي عن امكانية تدخل الجيش الاميركي في حال اندلعت ثورة شعبية في السعودية، بالإضافة إلى المشاهد الأخيرة من الفيلم التي تضمنت ايحاءات ومشاهد جنسية، حيث تم تسليط عدسة الكاميرا على باب الشقة التي تسكن فيها عشيقته بطريقة تصاعدية من أسفل للأعلى. واستناداً لذلك يدعي علماء النفس والتسويق والاعلانات التجارية، فما يعلق باللاوعي بالضرورة أن يرتبط بالحياة أو الموت، ورمز الحياة يرتبط بالجنس والتناسل، وبالفعل هو ما انتهجه الفيلم لبث كم من الرسائل المبطنة المتعلقة بالخصوص في آخر 20 دقيقة منه.
الرسوم الفنية المحفورة على باب البيت التي ضمت رسمتين للشمس والقمر كان لهما رسائل غير مباشرة، ولكنها مقصودة وهادفة، فالقمر كاذب مخادع، وأجوف يعكس جهد غيره، فيما تحترق الشمس لتدفئ غيرها، فالطبيبة قد تكون متوهجة كالشمس لكنها مخادعة كالقمر، وفي الوقت الذي ترمز الشمس فيه للعفة والعذرية لعدم قدرة الانسان وصولها، فالقمر مصاب بالبثور التي يحاول اخفاءها بالسحب التي سرعان ما تنجلي. فالقمر ما أن يجتهد حتى يفقد حماسه ورونقه وينسحب كأن شيئًا لم يكن، فيما أن الشمس هي المحور الذي تدور حوله الكواكب، بالإضافة إلى ما ارتبط بالشمس من معان مختلفة عبر الحضارات الانسانية لها علاقة بآلهة الخصوبة وغيرها، كلها رموز ودلالات استخدمت لتفسير العلاقة الغرامية بين "آلان وزهراء"، للإشارة إلى التفوق الغربي وسطوته وسيطرته على العالم بما فيه العرب.
خطورة الفيلم تنبع من أنه جاء قبل عدة شهور من إبطال الكونغرس الأميركي للفيتو الذي استخدمه الرئيس اوباما لوقف قانون يتيح لعائلات ضحايا احداث 11 سبتمر ملاحقة السعودية قانونياً لأغراض التعويض، ليؤكد مجدداً أن التراسنة الاعلامية الاميركية ما زالت تقوم بدورها السياسي في حالات السلم والحرب، وما زالت "السينما" أداة سياسية ناعمة بامتياز، ولا بد للجمهور العربي أن يدرك أن البراءة مفقودة في الافلام الاميركية والغربية، وأن الأهداف المبطنة أخطر بكثير من تلك المعلنة، وان الصراع الثقافي والحضاري عبر استخدام السينما كأداة اعلامية لضرب الحضارة والهوية الثقافية ما زال محورا جوهرياً للصراع بين الشرق والغرب.
عن: الحياة الجديدة