"المصرارة" لم تنتج.. فالسنة "شلتون"
نابلس- وفا- آيات عبد الله- لم تعد الحاجة السبعينية أم عطا تفكر كثيرا في موسم الزيتون، فبعد أن كبر الأولاد، وقسمت الأراضي بينهم، أصبح الموسم بالنسبة لها نزهات يومية، تمضي بها وحدها، ويساعدها أبناؤها في إجازاتهم الأسبوعية، فلم يبق الزيتون للفلاح الفلسطيني يشكل مدخل رزق لعام كامل، كما في الماضي.
في العام المنصرم حضر نجلها من ألمانيا ليساعدها وأشقاءه في قطف الزيتون في بلدتهم بيتا جنوب مدينة نابلس، إلا أن السنة "شلتون"- على حد تعبيرها، أي أن المحصول ليس كبيرا، "شلّت في اللغة العامية تعني أخذ بسرعة" وهكذا محصول يؤخذ بسرعة، ولا يتطلب اجتماع العائلة بأكملها.
يعد الزيتون أكبر موسم زراعي تمر به البلاد، يعود فيه الفلسطينيون بمختلف أعمارهم، ومهنهم إلى العمل فيه كمزارعين، يستيقظون مبكرا حاملين قوت يومهم، متجهين إلى أراضيهم، يمضون النهار كله ببساطة الحياة والأرض، كما لو عادوا عشرات السنين إلى الوراء.
الحاجة معزوزة أسعد "أم عطا"، وفي حديثها تستذكر زيتونة المصرارة "المفروشة أرضها بالحصى أو الصرار"، وكيف كانت تجمع حبات الزيتون تحتها، باجتماع العائلة كلها، متعجبة من قلة إنتاجها في السنوات الأخيرة، قائلة: "الزيتون لم يعد يثمر كما كان، أذكر أننا كنا نجمع من المصرارة ما نجمعه عن شجرتين، أو ثلاث غيرها".
وعن المصرارة وطرق جمع الزيتون تقول أم عطا: "كنا نستخدم العصي في ضرب الأشجار، ثم نجمع الثمار من بين الأشجار والحجارة، وما أن يأتي الشتاء حتى تكون أصابعنا قد امتلأت بالجروح، وكنا نقضي أشهرا في قطف الزيتون، فالربيع كان يخرج من الأرض، ومازلنا نعمل في قطف الزيتون، إلا أن الحصص اليوم قسّمت، ولم يعد الرزق كما كان".
ارتباط الفلسطيني بشجرة الزيتون جاء من اعتماده عليها في معيشته لفترة طويلة، لذلك كانت تعني له أكثر من الأرض، فأملاك الرجل كانت تحصى بعدد شجر الزيتون الذي يملكه، لا بعدد الدونمات.
ويفسر رئيس مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني فياض فياض في حديثه لـ"وفا" قلة إنتاج الشجرة الواحدة، بقوله: "ما يميز محصول الزيتون في السنوات الأخيرة هو تزايد في الإنتاج العام، وضعف في إنتاج الشجرة الواحدة، لأن 65% من أشجار الزيتون في فلسطين تعتبر أشجار هرمة، يزيد عمرها عن 70 عاما، وأشجار في هذا العمر لا يمكن أن تنتج كالأشجار الفتية المزروعة حديثا".
وأضاف، "إن الحل الوحيد لذلك هو التقليم الجائر، وتقطيع بعض الأغصان وإن كانت كبيرة، لتستعيد الشجرة أغصانا جديدة تمكنها من إنتاج كميات أكبر، مؤكدا أن ثلاثة ملايين شجرة زيتون جديدة تم زرعها خلال الخمس سنوات الأخيرة ضمن مشروع "تخضير فلسطين".
وفي الجهة المقابلة، أكد فياض أن محصول الزيت لهذا العام سيشكل حوالي 16-18 ألف طن من زيت الزيتون في الضفة والقطاع، هذا وإن كان أقل من العام الماضي الذي بلغ فيه الإنتاج 21 ألف طن، إلا أن السنوات الخمس الأخيرة أفضل من سابقاتها، مؤكدا أن الموسم يتزايد باستمرار.
ووفق الإحصاءات التي أوردها فياض، فإن مليون ومئة ألف دونم هي مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في فلسطين استحوذ قطاع غزة على 240 ألف دونم منها، وعلى هذه الأراضي استقرت جذور 850 ألف شجرة زيتون مثمرة، و250 ألف شجرة جديدة لم تثمر بعد، فيما تعتبر مدينة جنين صاحبة المركز الأول في إنتاج الزيتون تبعا لكمية الأشجار الموجودة فيها، وتتنافس نابلس ورام الله على المركز الثاني، في حين أن المركز الرابع يكون دائما من نصيب مدينة طولكرم.
هذه الأرقام والتوضيحات التي أوردها رئيس مجلس الزيت والزيتون، وكأنها رد على قول الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي "طمنوا ستي أم عطا" فلتطمئن هي والكل الفلسطيني على أن هذه الأرض ما زالت قادرة على العطاء.
ما يميز موسم قطف الزيتون كل عام ازدياد المجموعات التطوعية الفلسطينية من قبل المؤسسات والمنظمات التي تهب لمساعدة الأهالي في قطف ثمار زيتونهم، خاصة في المناطق التي تعاني من اعتداءات المستوطنين المتواصلة، مشكلة حالة جماهيرية واسعة لحماية تلك الأراضي.